سيناريو “الطوفان الأقصى” و الكشف عن حقيقة الاتفاق الخماسي لحل الدولتين اسرائيل و فلسطين
بوشعيب البازي
العملية الفدائية التي قامت بها كتائب القسام واحتلت خلالها عدة مستوطنات في غلاف غزة وقتلت وأسرت المئات من الإسرائيليين، كانت مفاجئة للجميع من حيث التوقيت وحجمها وخسائر العدو وتأثيراتها النفسية على الإسرائيليين والفلسطينيين وأيضا تداعياتها السياسية المتوقعة فلسطينيّا وعربيا ودوليا، كما ستكون ردة فعل إسرائيل قوية وعنيفة ومختلفة عن حروبها السابقة على القطاع.
خلال اليومين السابقين غطت غالبية الفضائيات ووكالات الأنباء ووسائل التواصل الاجتماعي الفلسطينية والعربية ما يجري وأسهبت في إظهار بطولات المقاومين الفلسطينيين وكيف أسقطوا ببطولاتهم كل المراهنات والأوهام التي روجت لها حكومة اليمين الصهيوني، كالزعم بانتهاء القضية الفلسطينية وتطويع حركة حماس في غزة والسلطة في الضفة للأمر الواقع، وهو الأمر الذي ساعدها على ترويج روايتها الصهيونية عربيّا ودوليّا وعلى أساسها جرت العديد من الدول العربية للتطبيع والتخلي عن الشعب والقضية الفلسطينييْن، أو الزعم بأن الشعب الفلسطيني منقسم على نفسه وصراعاته الداخلية تطغى على صراعه مع الاحتلال… إلخ.
الاختلال الكبير في ميزان القوى يميل كثيرا إلى صالح الكيان الصهيوني، وهو الأمر الذي يطرح تساؤلات عن هدف حركة حماس من القيام بهذه العملية النوعية.
و بعيدا عن الافلام السينمائية التي اعتمدتها العديد من الدول في مخططاتها قبل اظهار الحقيقة بعد عشرات السنين توصلت أخبارنا الجالية بمعلومات دقيقة تؤكد مدى خبث بعض الدول و تضحيتها بمواطنيها لإنجاح مخططات و اتفاقيات سرية توافق عليها مسبقا بين هذه الدول .
و بعيدا عما يبدو تحقيق نجاحا لكتائب القسام و للسلطة الفلسطينية في عمليتها الاخيرة التي سميت بطوفان الاقصى تبين بأنها مجرد خطة لفلم كان بطولته السلطة الفلسطينية نفسها زيادة على حماس و أمريكا و قطر و المملكة العربية السعودية . المخطط الرامي لتراجع إسرائيل عن المستوطنات الاخيرة و التي بنتها مؤخرا في الاراضي الفلسطينية و كذلك لإطلاق الاسرى الفلسطينيين في إسرائيل ، الهجوم الذي كان ذريعة لإنجاح المخطط الامريكي و الذي طبق بأيادي اسرائيلية و فلسطينية بمراقبة دولة قطر و العربية السعودية لم يحقق حتى في الحلم و الكل يعرف مدى قوة الموساد الاسرائيلي و كذا قوة إسرائيل عسكريا ، لم يكن الامر بالهين على كتائب القسام لدخول اسرائيل بالمظلات و بوسائل بدائية ليتحقق النصر بقتل العديد من الاسرائليين و أسر آخرين .
و سيكون هذا المخطط بداية للإعتراف بحل الدولتين الفلسطينية و الاسرائيلية كحل جذري للقضية الفلسطينية بعد تطبيع العديد من الدول العربية مع اسرائيل و محاولات ايجاد حل نهائي لهذه القضية التي طالت لعشرات السنين .
كما يشكل هذا الاتفاق ضربة لدول البريكس الدين يرون من تحالفهم قوة ضاربة يمكنها التوغل في المشاكل الدولية المتعصية .
تدعي كل من الصين وروسيا والهند وهي أكبر أعضاء مجموعة البريكس أن لهم أدوارًا بناءة Constructive Roles تجاه الصراعات الدولية بما فيها الصراع الفلسطيني -الإسرائيلي. وتمتلك هذه الدول الكبرى القوة المادية. أما فيما يتعلق بالقبول، فإن الطرف الفلسطيني يناشد هذه القوى الثلاث للعب دور أكبر في الصراع، ولكن لا نجد هذا القبول من قبل إسرائيل، ولم يتم اختباره بشكل حقيقي لغاية الآن. وفيما يتعلق بالرغبات والأولويات، فبرغم طرح الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي في لقاءات البريكس، إلا أنه ليس من أولويات هذه الدول، ولا يوجد أي مؤشر يظهر رغبة هدذ الدول في ايجاد حل حقيقي للصراع أو حتى دفع عملية التسوية إلى الأمام.
ويعود ذلك لعدة أسباب، أولها التقدم الواضح في العلاقات الثنائية بين إسرائيل ودول مجموعة البريكس منفردة. حيث تحول دعم أغلب هذه الدول (المادي والسياسي والعسكري) للفلسطينين إلى مجرد دعم لفظي في الأمم المتحدة والتأكيد على دعم لحل الدولتين. أصبحت إسرائيل بعد عقود من تطور العلاقات البينية من أكبر الشركاء للصين والهند سواء على الصعيد الإقتصادي أو مجالات التعاون الأخرى. أما موقف روسيا فهو أكثر من واضح وتجلى بالإعلان الرسمي المتكرر عن أن “أمن تل أبيب من أمن موسكو.” وفي المجمل، تعتمد مجموعة دول البريكس استراتيجية واحدة بما فيها جنوب إفريقيا والبرازيل، تقوم على الحد من تأثير الصراع الفلسطيني الإسرائيلي على علاقاتها الثنائية مع إسرائيل. المهم في هذا السياق أن هناك صفة عامة تغلب على أعضاء المجموعة والدول الستة الذين تم قبولها مؤخرًا عدا -إيران- وهي اختفاء الطابع الإستعماري لدولة إسرائيل من خطاباتهم وسياساتهم وتحولها إلى شريك تجاري وسياسي واحيانًا عسكري في الشرق الأوسط. ويستنتج هنا أن التزام البريكس بمقترحات الحل الأممية المطروحة سابقًا يمكن تفسيره برغبة الأعضاء بعدم استفزاز شريكهم الأهم، إسرائيل.
إلى حد الآن لا يبدو أن الحرب ستقوم بين اسرائيل و كتائب القسام و ذلك لطي الملف بأقل الخسائر و التركيز على إتمام الخطة و السيناريو الموجه من الولايات المتحدة الامريكية ، و لن تتطور كذلك إلى حرب إقليمية حتى على مستوى حزب الله، لانشغال “محور المقاومة” بمشاكل داخلية وتعرض أطراف المحور لضغوط دولية والخوف من الانزلاق إلى حرب لن تكون مع إسرائيل فقط بل مع واشنطن والغرب عمومًا، مع اعتقادنا بوجود تهويل في دور إيران ومحور المقاومة فيما يجري في غزة وعموم فلسطين للتغطية على فشل إسرائيل الظاهر للعلن، وبالتالي ستقتصر الحرب الآن على جبهة قطاع غزة وإسناد شعبي من فلسطينيي الضفة وستكون حربا صامتة لن تطول لأيام أو أسابيع وستغير المعادلة في قطاع غزة وربما في الشرق الأقصى.
مع أن حركة حماس ثبتت نفسها كرقم صعب وأساسي في المعادلة الفلسطينية الداخلية، ومع أهمية ودراماتيكية عملية حماس وبطولة مقاتليها، إلا أن الاختلال الكبير في ميزان القوى يميل كثيرا إلى صالح الكيان الصهيوني، وهو الأمر الذي يطرح تساؤلات عن هدف حركة حماس من القيام بهذه العملية النوعية وهي تعرف الاختلال في موازين القوى لصالح العدو كما تعرف أن محور المقاومة لن يتدخل بشكل مباشر؟ أيضا تساؤلات حول مستقبل قطاع غزة وحركة حماس بعد الحرب؟