جاهزية مراكش أمنيا ولوجستيا لاجتماعات صندوق النقد والبنك الدوليين
أنهى المغرب استعداداته الأمنية واللوجستية لاحتضان اجتماعات صندوق النقد والبنك الدوليين التي تنعقد الاثنين لأول مرة في أفريقيا بعد خمسين عاما، في مدينة مراكش السياحية التي تحمل رمزية خاصة، ويشارك فيها وزراء مال وحكام بنوك مركزية ورؤساء شركات وشخصيات أخرى.
وتلقي هذه الاجتماعات في توقيتها ومضامينها الضوء على الثقة الدولية العالية التي باتت تتمتع بها الرباط على وقع تحولات ضخمة طالت كافة المناحي والقطاعات اقتصاديا واجتماعيا وأمنيا، وفق رؤية ملكية استشرافية وتخطيط محكم لتنمية مستدامة ومقاربة شاملة أهلت المغرب ليكون شريكا دوليا فاعلا.
واختارت المؤسستان الماليتان الدوليتان المغرب لعقد أول اجتماعات سنوية لهما في القارة الإفريقية منذ خمسين عاما، فيما يتعرضان لضغوط لاعتماد إصلاحات تتيح توفير مساعدة أفضل للدول الفقيرة المثقلة بالديون والرازحة تحت تداعيات التغير المناخي.
ويكتسي هذا الاختيار طابعا رمزيا مع تسجيل عودة هذه الاجتماعات إلى أفريقيا بعد انعقادها أول مرة في نيروبي بكينيا سنة 1973 كما يؤكد اختيار المغرب لاستضافة الاجتماعات الثقة الدولية المتزايدة في المملكة التي تتمتع بموقع جغرافي استراتيجي في القارة الأفريقية ومنطقة شمال أفريقيا والشرق الأوسط.
وتعقد الاجتماعات التي تستمر أسبوعا كاملا في مدينة مراكش المغربية بعد شهر من زلزال عنيف قضى فيه نحو ثلاثة آلاف شخص في المنطقة، في كارثة طبيعية أثبت الغرب حسن التعامل معها باستجابة سريعة وفعالية عالية لكافة أجهزته السياسية والأمنية والعسكرية رغم هول الحدث والتضاريس الوعرة لأغلب المناطق التي ضربها الزلزال.
وبفضل جهود السلطات المغربية استطاعت المدينة النهوض بسرعة من الكارثة واستعدت على أكمل وجه لاستضافة أهم المؤتمرات الدولية، مما يعزز مرة أخرى ثقة المؤسستين الدوليتين في صمود المملكة وقدرتها على مواجهة الأزمات الطارئة التي برهنت عليها في السنوات الأخيرة.
وشهد موقع إيغلي بمدينة مراكش الأحد بدء توافد ضيوف الاجتماعات السنوية للبنك الدولي وصندوق النقد الدولي التي تنعقد بالمدينة الحمراء خلال الفترة ما بين 9 و15 أكتوبر/تشرين الأول.
ويأتي اختيار المغرب ليعزز سمعة المملكة كوجهة مفضلة لعقد المؤتمرات الدولية الضخمة، حيث سيتوافد أكثر من 14 ألف مشارك من أكثر من مئة دولة على هذه الاجتماعات.
وبعد نصف قرن، لا تزال القارة الإفريقية تواجه سلسلة من التحديات تراوح بين النزاعات والانقلابات العسكرية والفقر والكوارث الطبيعية.
وبعدما عبثت جائحة كوفيد-19 بالاقتصاد العالمي، تسبب الغزو الروسي لأوكرانيا بارتفاع هائل في أسعار الطاقة والمواد الغذائية في العالم.
ونبه البنك الدولي الأسبوع الماضي إلى أن الآفاق المستقبلية لدول إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى “تبقى قاتمة” وسط “تفاقم انعدام الاستقرار” في القارة.
وقالت المديرة العامة لصندوق النقد الدولي كريستالينا جورجيفا لوكالة فرانس برس “نتوقع آفاقا أفضل لإفريقيا جنوب الصحراء الكبرى في 2024” مشيدة ببعض الدول “لتعاملها الحذر مع التضخم”.
ويعتبر المغرب من الدول التي استطاعت كسبت الرهان، حيث تبنى الخيار الاستراتيجي للانفتاح والعولمة وذلك بتحرير اقتصاده وبإحداث إطار قانوني ملائم للمبادلات.
وبفضل إستراتيجيته الاقتصادية، تمكن خلال العقدين الأخيرين من تحقيق معدلَ نمو قوي ووضع التضخم تحت السيطرة. كما مكّن الاستقرار المالي والتحكمُ في عجز الميزانية الرباط من تحقيق مرونة متزايدة للعملة المحلية.
وبادر المغرب مبكرا إلى إدماج أهداف التنمية المستدامة في سياساته الخاصة بالتنمية الاجتماعية والاقتصادية، فقد تم إنجاز مشاريع بارزة خاصة على مستوى تحسين الظروف المعيشية للمواطنين وتسهيل الوصول إلى الخدمات الأساسية وتطوير البنى التحتية.
وتشكل جودة البنى التحتية رافعة أساسية للتنمية الاقتصادية لما لها من تأثر في توجيه اختيارات المستثمرين، سواء على الصعيد الوطني أو الدولي. وخلال العشرين سنة الماضية، تم رصد حوالي 40 مليار درهم سنويا لتطوير البنى التحتية.
ووصفت المديرة العامة لصندوق النقد الدولي كريستالينا جورجيفا، البلد بأنه “فاعل اقتصادي تزداد أهميته يوما بعد يوم وممر نحو أفريقيا والشرق الأوسط”، مضيفة أن “المغرب مكان مثالي لتنظيم الاجتماعات السنوية لصندوق النقد الدولي وللبنك الدولي، التي تشكل إحدى أهم التجمعات لأبرز صنّاع القرار الاقتصاديين بالعالم وأكثرها انفتاحا. إننا ممتنون للمغرب لقبوله تنظيم هذا الحدث”.
ويمتلك المغرب عوامل رئيسية للتنمية ستضمن له تنمية مستدامة، فالقطاعات المولدة للثروة تتزايد يوما بعد يوم من مصارف وتأمينات وسياحة وصناعات تصديرية إضافة إلى الأشغال العمومية، كما أن التحرير التدريجي لنظام الصرف وأسواق الرأسمال رافقت هذه التوجهات الجوهرية.
ومكنت الإصلاحات المنجزة منذ عشرين عاما في الميادين الإدارية والقانونية والمالية من جعل المملكة في أعلى مراتب مؤشرات بيئة الأعمال الخاصة بمنطقة إفريقيا ومنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
وتستهدف الإستراتيجية المغربية الإفريقية القطاعات الاقتصادية والمالية والبشرية وتحرص على إنشاء علاقات متساوية وعادلة ومنصفة، إلى جانب المساهمة في مساعدة الدول الإفريقية التي تواجه تحديات اقتصادية صعبة.
وبحسب جورجييفا فإن العديد من الدول الإفريقية تعاني من “وضع صعب” مشيرة إلى أن أسعار المواد الغذائية تبقى مرتفعة ما يجعل 144 مليون شخص يعانون لتامين المأكل لهم أو لعائلاتهم.
وأكدت أنها ستحض الدول الغنية والقطاع الخاص على “بذل المزيد لمساعدة الدول النامية”. وقد تشكل هذه الاجتماعات فرصة لإصلاح نظام الحصص المعمول به.
وتحدد الحصص التي تستند إلى أداء كل دولة الاقتصادي، قيمة الأموال التي ينبغي أن تؤمنها لصندوق النقد الدولي وثقلها في عملية التصويت وسقف القروض التي يمكنها الحصول عليها.
وناشدت جورجييفا الدول الأعضاء “تعزيز” مستويات التمويل عبر رفع الحصة التي ينبغي عليها دفعها. إلا أن الولايات المتحدة أكدت أنها ستدعم رفعا لكل الحصص في خطوة ستبقي على ثقل تصويت كل دولة على حاله.
وقالت جورجييفا أيضا إن المجلس التنفيذي للصندوق سيتوسع لإضافة مقعد ثالث لإفريقيا جنوب الصحراء الكبرى ما يمنح القارة “صوتا أقوى”.
لكن المنظمات غير الحكومية ترى أن الحلول التي يطرحها صندوق النقد الدولي والبنك الدولي والمدفوعة بهاجس التقشف، توسع في الواقع الهوة بين الأغنياء والفقراء.
ويرى ناشطون أن صندوق النقد الدولي والبنك الدولي يجب أن يركزا عوضا عن ذلك على إلغاء ديون أفقر دول العالم وفرض ضرائب على الأغنياء.
ونظرا إلى قيمة المشاركين، فإن الاجتماعات السنوية 2023 تساهم في تعزيز جاذبية المغرب والترويج لصورته كبلد مستقر يطبعه التسامح والانفتاح والديناميكية، إضافة إلى التعريف بموروث لامادي غني وتاريخ ضارب في القِدم وثقافة متنوعة وعادات غذائية فريدة إلى جانب التقدم الذي تحقق في السنوات العشرين الأخيرة على المستوى الديمقراطي والاجتماعي والاقتصادي.
وستُنظم الاجتماعات في باب إغلي الذي كان في السابق بوابة المدخل الرئيسي للمدينة القديمة، واسمه مأخوذ من الحراس المسؤولين عن مراقبته.
وبمساحته الشاسعة الممتدة على أكثر من 300 هكتار عند مخرج المدينة باتجاه أوريكا، استضاف باب إغلي خلال شهر نوفمبر/تشرين الأول 2016 مؤتمر كوب22 حول المناخ والمشاركين فيه البالغ عددهم 30 ألفا، إضافة إلى القمة الأفريقية الأولى للعمل من أجل المناخ.
كما شهد المكان سنة 2014 تنظيم القمة العالمية الخامسة لريادة الأعمال التي جمعت رؤساء الدول وممثلين حكوميين رفيعي المستوى وأكثر من 3000 مقاول.
وذكرت المديرية العامة للأمن الوطني على موقعها الالكتروني أنها جندت أكثر من 6500 موظفة وموظف شرطة من مختلف التشكيلات الأمنية والرتب ضمن الاستعدادات الأمنية واللوجيستية لتأمين فعاليات الاجتماعات السنوية للبنك الدولي وصندوق النقد الدوليفي مراكش.
وخصصت عشرات المركبات والسيارات الشرطية ووسائل العمل التقنية والتكنولوجية واللوجستيكية لتأمين هذه التظاهرة، في مواكبة أمنية خاصة ومندمجة للتظاهرات الكبرى ذات البعد الدولي التي تحتضنها المملكة.
واكتسبت السلطات الأمنية المغربية خبرة واسعة في التعامل التنظيمي والأمني مع مثل هذه التظاهرات وعملت خلال السنوات الماضية على تعزيز قدراتها ضمن مخططات عمل ورؤية واضحة تأخذ في الاعتبار ضخامة الحدث والحضور الدولي والإقليمي.
وقالت المديرية العامة للأمن الوطني “اقتضت مهمة الأمن الوطني وضع مخطط عمل وتخطيط دقيق تمت خلاله دراسة كل تفصيلة بشكل مستفيض، قبل الخروج ببروتوكول أمني شامل شكل خارطة الطريق الميدانية التي تقود هذا العمل النظامي الهام”.
وأوضحت أن “البروتوكول الأمني للاجتماعات السنوية لصندوق النقد الدولي والبنك الدولي بوضع خريطة مندمجة لمدينة مراكش، تتضمن أولا تحديدا دقيقا لقطاع باب إغلي الذي يحتضن قرية الاجتماعات ويسطر محيطها ومداخلها والمسارات الطرقية المحيطة بها، قبل الانتقال إلى باقي قطاعات المدينة ومناطقها المدارية، حيث تم تحديد كافة المواقع والنقط المهمة التي لها علاقة مباشرة أو غير مباشرة بمكان انعقاد هذا الحدث (فنادق ومؤسسات إيواء، مواصلات، تمثيليات أجنبية…)”.
وأشارت إلى أنه مرحلة إعداد بروتوكول الأمن “شملت وضع تقسيم عملياتي للوحدات والفرق الشرطية والمركبات بمختلف أنواعها والتي تم توزيعها على قطاعات أمنية وحضرية مختلفة ومحددة بشكل دقيق”.
وإلى جانب ذلك تم إنشاء شبكة اتصال لاسلكية تجمع بشكل آني ورقمي بين جميع هذه المكونات، ما يسمح لكل شرطي بمدارة بمخرج أو مدخل المدينة أن يكون قادرا على التواصل مع قيادة العمليات المحلية بشكل آني وبدون عرقلة.
وقالت مديرية الأمن إنه ومواكبة للمعايير المعتمدة على الصعيد الدولي في تأمين التظاهرات الكبرى، اعتمدت أجهزة الأمن المغربية مستويات عدة من المراقبة الأمنية لتأمين القرية التي تحتضن الاجتماعات.
وأوضحت أنها تشمل أولا حزاما أمنيا من فرق المحافظة على النظام وفرق السير والجولان ودوريات الشرطة المحمولة والمزودة بكاميرات مراقبة متطورة، مهمتها تأمين وصول المشاركين بطريقة سلسة ودون عرقلة مع منع وصول أي شخص أجنبي عن الحدث إلى المنطقة الخاصة.
واعتمدت مستوى ثان من المراقبة الأمنية عند بوابات القرية من خلال أجهزة للمسح الضوئي والتفتيش باستعمال تقنيات متطورة قادرة على كشف كافة أنواع التهديدات ومصادر الخطر.
ووفرت كذلك “بوابات إلكترونية ذكية وعناصر بشرية عالية الخبرة في التفتيش الدقيق مدعومة بفرق من الشرطة السينوتقنية تتوفر على مجموعة من الكلاب المدربة على كشف جميع أنواع المتفجرات والمواد الكيماوية الخطيرة”.
وقالت مديرية الأمن الوطني إن مصالح الأمن الوطني أنشأت كذلك مفوضية للشرطة خاصة بالحدث الدولي، موضحة أن مفوضية الشرطة المنشأ للغرض تتوفر على قاعة خاصة بتدبير نظام الاتصالات والمراقبة بالكاميرات، كما تتوفر على دائرة أمنية توفر كافة الخدمات الشرطية الضرورية لزوار فضاء التظاهرة، تعزيزا للفاعلية والقرب من العمل واستقلالية في تنفيذ البروتوكول الأمني.