حماس تطيح بأسطورة الأمن الإسرائيلية
أطاح الهجوم المباغت الذي شنته حركة حماس على إسرائيل بالصورة التقليدية التي ترسمها إسرائيل عن نفسها كقوة استخباراتية ليس لها مثيل وأطاح بأسطورة الأمن الإسرائيلية وهز من صورة الاستخبارات والجيش في إسرائيل، لكن وقع هذا الاختراق النوعي سيكون شديدا على رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ويمكن أن يطيح بحكومته وينهي دوره السياسي.
ورغم الإمكانيات الهائلة التي بين أيديهما، فإن الاستخبارات والجيش الإسرائيليين عجزا عن رصد الهجوم والتحركات التي سبقته، ما أظهر تفوقا لحماس على حساب الجيش والاستخبارات الأكثر شهرة في المنطقة والعالم.
ويأتي هذا التصعيد في اليوم الأخير من عيد المظلات (سوكوت) في إسرائيل، وبعد خمسين عاما على حرب أكتوبر 1973 التي قتل فيها 2600 إسرائيلي وبلغ عدد القتلى والمفقودين في الجانب العربي 9500 خلال ثلاثة أسابيع من القتال.
ويرى خبراء أن سبب اختراق مقاتلي حماس لحواجز أمنية إسرائيلية، وإطلاق وابل من الصواريخ من غزة فجر السبت خلال عطلة عيد يهودي، كان عامل التكتم الذي حال دون تسرّب تفاصيل الهجوم لإسرائيل وعملائها الفلسطينيين.
وساعد عامل الصدمة، التي طالت العسكريين الإسرائيليين، حماس على القيام بعملية استعراضية وصوّرتها، وأظهرت أسر جنود إسرائيليين والسيطرة على مركبات وحرق أخرى. وإلى حد الآن لا يعرف عدد الأسرى الإسرائيليين الذين أخذتهم حماس إلى غزة، لكن توقعات إسرائيلية تقول إن عدد الأسرى كبير وكذلك عدد القتلى.
وقال اللواء نصر سالم أستاذ علوم الإستراتيجية بأكاديمية ناصر للعلوم العسكرية التابعة للجيش المصري إن تهاوى صورة الأمن الإسرائيلي أمام المقاومة الفلسطينية يعكس تراجع القدرات الاستخباراتية لدى الدولة الإسرائيلية، وإنها عندما تصطدم بعنصر المفاجأة لا تستطيع التصرف أو الدفاع عن نفسها بالصورة المناسبة.
وأضاف أن عامل المفاجأة من جانب حماس لم تتوقعه أغلب الدوائر الأمنية، لذلك كانت الخسائر في أفراد الأمن والمعدات العسكرية كبيرة، وصادمة للشارع الإسرائيلي، لافتا إلى أن الضربات الجوية التي يتم تنفيذها صوب قطاع غزة تستهدف في المقام الأول تهدئة الرأي العام في إسرائيل قبل الدخول في هدنة.
ولفت إلى أن الجيش الإسرائيلي لن يتوقف بسهولة طالما أن الشارع وصل ذروة الغضب من الثغرات الأمنية في صفوفه، لاسيما أن الضربة التي وقعت صباح السبت تزامنت مع ذكرى الهزيمة في السادس من أكتوبر قبل نصف قرن.
وعبر معظم المقاتلين ثغرات في الحواجز الأمنية البرية التي تفصل بين غزة وإسرائيل. وصوّر واحد على الأقل وهو يعبر بمظلة تعمل بالطاقة بينما صوّر زورق متجها إلى زيكيم، وهي بلدة ساحلية إسرائيلية وقاعدة عسكرية.
وأظهرت مقاطع مصوّرة نشرتها حماس مقاتلين يخترقون السياج الأمني بينما كانت الشمس تشرف على الشروق، مما يشير إلى أن ذلك حدث في وقت إطلاق الصواريخ.
◙ عامل التكتم وراء نجاح مقاتلي حماس في اختراق حواجز أمنية إسرائيلية، وإطلاق وابل من الصواريخ من غزة
وأظهر أحد مقاطع الفيديو ما لا يقل عن ست دراجات نارية مع مقاتلين يعبرون فجوة في حاجز أمني معدني.
وأظهرت صورة نشرتها حماس جرافة تهدم جزءا من السياج الأمني.
وأكد الجيش الإسرائيلي أن قواته تخوض معارك “على الأرض” ضد مقاتلين فلسطينيين في المناطق المحيطة بقطاع غزة بعد تسلل هؤلاء “بالمظلات” بحرا وبرا.
وقال المتحدث باسم الجيش ريتشارد هيخت خلال إيجاز صحفي “كانت عملية مزدوجة تمت من خلال طائرات شراعية عبر البحر والأرض”.
وأكد أحمد فؤاد أنور الخبير في الشؤون الإسرائيلية والفلسطينية أن وسائل الإعلام المختلفة داخل إسرائيل أصيبت بصدمة كبيرة جعلتها لا تتردد في إذاعة ما جرى بلا مواربة أو تدليس، وتحمّل القيادة العسكرية والاستخباراتية مسؤولية ما حدث من إخفاق، والذي مكن عناصر المقاومة من بث صور وفيديوهات مسيئة للدولة العبرية.
وذكر في تصريح خاص أن الآلة العسكرية في إسرائيل لم يكن أشد المتشائمين أو الأعداء يعتقد إمكانية شل جزء كبير من حركتها في الساعات الأولى للحرب، وهو ما يفرض إعادة النظر في الكثير من الحلقات الضعيفة الفترة المقبلة لتصحيح أسطورة الجيش الإسرائيلي الذي ردد الإعلام العبري دوما أنه “لا يُقهر”.
وأيا كانت حدة الانتقام الإسرائيلي ومهما بلغ عدد القتلى الفلسطينيين من القصف الإسرائيلي، فإن ذلك لن يمحو صورة نتنياهو الذي عجز في أول اختبار جدي، خاصة أنه طالما أطلق التصريحات التي تعد بسحق المسلحين الفلسطينيين والقضاء على إطلاق الصواريخ من غزة وحماية أمن إسرائيل، وأن العملية قد تقود إلى نهايته.
ولا شك أن نتائج العملية النوعية لحماس سترفع من منسوب غضب الإسرائيليين على نتنياهو، وتحميله مسؤولية الزج بالمتطرفين اليمينيين للسيطرة على الحكومة وخلق مناخ عدائي بين إسرائيل والفلسطينيين وظفته حماس لتنفيذ هجومها في ظل انقسام إسرائيلي حاد بسبب سياسات نتنياهو.
وصرح نتنياهو في جلسة عقدها المجلس الوزاري السياسي الأمني بأن إسرائيل “في حالة حرب”.
وقال “هدفنا الأول هو أولا وقبل كل شيء تطهير الأراضي من قوات العدو التي تسللت وإعادة الأمن والسلام إلى المستوطنات التي تعرضت للهجوم”.
وأضاف “الهدف الثاني في نفس الوقت هو محاسبة العدو على ثمن باهظ، وفي قطاع غزة أيضاً. والهدف الثالث هو تحصين الساحات الأخرى حتى لا يتسنى لأيّ أحد يرتكب خطأ الانضمام إلى هذه الحرب”.
وارتفعت أصوات سياسية إسرائيلية تطالب بتشكيل حكومة طوارئ، وهو ما يعني نهاية حكومة اليمين التي يرأسها نتنياهو وترك فيها مقود القيادة بيد الوزير اليميني المتشدد إيتمار بن غفير.
ودعا زعيم المعارضة يائير لابيد السبت نتنياهو إلى “تشكيل حكومة طوارئ” لمواجهة الأحداث الجارية في قطاع غزة.
وجاء في بيان صدر عن مكتب لابيد “يعرف نتنياهو أنه في ظل التركيبة المتطرفة والمختلة للحكومة الحالية، من المستحيل شن حرب، تحتاج دولة إسرائيل إلى قائد سياسي محترف وذي خبرة ومسؤول لقيادتها”.