بريكس تدفع الجزائر إلى وضع أولى خطواتها خارج قطب الشرق
اعتبرت السلطة الجزائرية أن مسألة الانضمام إلى مجموعة بريكس لم تعد من اهتماماتها ودخلت طي النسيان، وهو ما يؤكّد حسب مراقبين تراجعا جزائريا في المراهنة على الشراكة الروسية بالأساس رغم التعاون العسكري والاقتصادي القائم في الفترة الأخيرة.
الجزائر – أكد الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون لضيوفه من مديري ومسؤولي وسائل الإعلام المحلية أن ملف بريكس في شكله الحالي قد أغلقته الجزائر، وأن المسألة خرجت من دائرة اهتماماتها، وهو ما يعتبر خطوة أولى لها خارج عتبة قطب الشرق، الذي راهنت عليه في الآونة الأخيرة لبلورة خيارات إستراتيجية لها، وتزامن ذلك مع تصريح للرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي حمّله رسالة حرج من موقف الأعضاء تجاه طلب الجزائر، والإشارة إلى ضرورة عدم تفويت فرصة الشراكة مع الجزائر تحت أيّ عنوان من العناوين.
وكشف الرئيس الجزائري لمديري ومسؤولي المؤسسات الإعلامية الذين استقبلهم بقصر المرادية هذا الأسبوع بأن تكتل بريكس لم يعد ضمن الاهتمامات الجزائرية وأن المسألة قد أغلقت، وهو ما يوحي إلى أن الجزائر باتت تنظر إلى التجربة على أنها من الماضي.
وأوردت صحيفة “الوطن” الناطقة بالفرنسية بأن تبون حدّث ضيوفه، لمّا طرحت قضية رفض المجموعة طلب الانضمام الجزائرية، بالقول “الانضمام إلى مجموعة بريكس بشكلها الحالي لم يعد ضمن اهتمامات الجزائر، وأن الاقتصاد الجزائري رغم ذلك حقق تطورا لافتا في السنوات الأخيرة، وهو ما تترجمه المؤشرات الاقتصادية الكبرى”.
وأضاف “مجموعة بريكس في شكلها الحالي لم تعد تهمه، وبعبارة أكثر وضوحا ملف مجموعة بريكس مغلق نهائياً”، ممّا يوحي إلى أن الجزائر قد قطعت كل الروابط مع الملف، ولا وجود لأيّ رغبة في التقدم مجددا بطلب آخر كما تردد لدى بعض الدوائر المقربة من السلطة.
يعد الأمر أول رد فعل من قبل الرئيس تبون على عدم قبول بلاده في هذه المجموعة، بعد أن كان ذلك من أولوياتها في السنتين الأخيرتين
وصدر هذا الموقف الصريح لأول مرة في الجزائر ومن طرف الرجل الأول للدولة، بما يحمله من انعكاسات على نوعية العلاقات التي تربط الجزائر مع بعض دول المجموعة، كروسيا والصين، اللتين أبرمت معهما الجزائر اتفاقيات إستراتيجية خلال زيارتين لافتتين قادت الرئيس تبون خلال هذه الصائفة إلى موسكو وبيكين.
وحصلت آنذاك على تطمينات من قيادات البلدين، من خلال الترحيب بطلب انضمام الجزائر إلى بريكس، الأمر الذي تحول إلى رهان شبه محسوم بالنسبة إلى السلطة الجزائرية التي كانت تبحث عن إنجاز كبير تسكت به أفواه المنتقدين وتسوّقه للرأي العام الداخلي قبل الخارجي.
وساد الاعتقاد حينها لدى الدوائر الرسمية بأن مسألة انضمام الجزائر إلى مجموعة بريكس بات في حكم المؤكد، قبل أن تتفاجأ بقرار الرفض يصدر عن القمة المنعقدة بجوهانسبورغ نهاية شهر أغسطس الماضي، بينما تم قبول دول كان ينظر إليها بعين الأضعف من الجزائر.
ويعد الأمر أول رد فعل من قبل الرئيس تبون على عدم قبول بلاده في هذه المجموعة، بعد أن كان ذلك من أولوياتها في السنتين الأخيرتين، وفق تصريحاته العديدة، التي كانت تطلب من الفاعلين الاقتصاديين تحضير أنفسهم لدخول المجموعة.
تبون كشف لمديري ومسؤولي المؤسسات الإعلامية الذين استقبلهم بقصر المرادية هذا الأسبوع بأن تكتل بريكس لم يعد ضمن الاهتمامات الجزائرية وأن المسألة قد أغلقت
وأكد في إحداها بأن “العام 2023 سيتوّج بانضمام الجزائر إلى بريكس”، وأن “دول كروسيا والصين وجنوب أفريقيا أصدقاء الجزائر، وأن عودة لولا داسيلفا لقيادة البرازيل ستعين الملف الجزائري”، ويبدو حينها أن تبون كان مطمئنا على ملف بلاده، ولم يكن منزعجا إلا من الهند.
وظل الرجل يراهن على دور الحلفاء التقليديين للجزائر، خاصة روسيا والصين وجنوب أفريقيا، للضغط من أجل الملف الجزائري، وكان يضع في أسوأ الاحتمالات مقعد ملاحظ في المجموعة إلى غاية استكمال الشروط كاملة، لكن الرفض القطعي لم يكن في حساب السلطة الجزائرية بتاتا، ولذلك جاءت الصدمة قوية، وكان رد الفعل عليها أقوى بالإعلان عن طيها للأبد.
ولا زال الاعتقاد يسود في الجزائر بأن حلفاءها في المجموعة خذلوها، فهم زيادة على أنهم لم يضغطوا على الأطراف المتحفظة على طلب انضمامها، لم يدعموه في لعبة كواليس جرت ضدها، بحسب دوائر مقربة من السلطة لم تستسغ قرار الرفض، مقابل قبول دول لا تمتلك مقومات بلادهم.
وتزامن موقف الرئيس تبون مع تصريحات “جبر خاطر” أدلى بها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، في منتدى “فالدي” الدولي، ضمّنه رسائل خجل روسي من موقف مجموعة بريكس من طلب انضمام الجزائر، وأهمية الشراكة معها.
وأكد بوتين أن “الجزائر هي دولة صديقة لروسيا، وانضمامها إلى مجموعة بريكس سيكون مفيدا، وأنه يجب العمل على هذه القضية بهدوء مع الأصدقاء في المجموعة”، في تلميح إلى ضرورة إيلاء أطراف المجموعة مكانة مميزة للملف الجزائري في الدورة القادمة.
موقف تبون تزامن مع تصريحات “جبر خاطر” أدلى بها بوتين في منتدى “فالدي” الدولي، ضمّنه رسائل خجل روسي من موقف مجموعة بريكس من طلب انضمام الجزائر
وقال بوتين في كلمة أمام منتدى “فالداي” الدولي، الذي احتضنته مدينة سوتشي الروسية “الجزائر صديقتنا بالطبع، وهي صديق تقليدي في العالم العربي وشمال أفريقيا. ونعتبر أن انضمام الجزائر إلى بريكس من شأنه أن يفيد المنظمة، ولكن علينا بالتأكيد أن نعمل على هذه القضية مع جميع أصدقائنا في إطار بريكس ومع القيادة الجزائرية نفسها، وأن نفعل ذلك بهدوء، دون خلق مشاكل للمنظمة، وخلق طرق إضافية للتنمية الشاملة”.
ويبدو أن الرئيس الروسي لا يريد لبلاده أن تضيّع الشراكة الجزائرية، خاصة وأنها تربطها بها اتفاقيات تعاون عسكري تاريخي وواعد، وقد أبرما صفقات تسليح ضخمة متتالية، خاصة في ظل ظهور بوادر انسحاب الجزائر من القطب الشرقي.
كما أوحى تصريحه إلى أن أطرافا داخل المجموعة تحفظت أو ستتحفظ على الطلب الجزائري، ولذلك دعا جميع الأطراف إلى النقاش الهادئ، غير أنه يجهل إن أخذ علما أم لا بخصوص الموقف الحاسم الصادر عن الرئيس تبون، بالتزامن مع تصريحه في منتدى “فالداي”.
ولا يستبعد أن يكون تصريح بوتين حاملا لرسالة “اعتذار”، مبطن، على ما ورد على لسان وزير خارجيته سيرغي لافروف في أعقاب قمة بريكس، لما رد حول سؤال عن شروط قبول طلبات الانضمام، بالقول “إلى جانب الشروط والمعايير الاقتصادية، هناك ثقل وهيبة الدولة وتأثيرها في القرار الإقليمي والدولي”، وهو ما اعتبر إهانة للدول التي رفضت طلباتها ومنها الجزائر.
ولا زال التصريح يلقي بظلاله على العلاقات الجزائرية – الروسية بعد قمة بريكس في جوهانسبورغ، حيث لم تسجل أيّ اتصالات أو لقاءات بين الطرفين، خاصة خلال الجمعية العامة للأمم المتحدة، أين التقى الرئيس تبون ووزير خارجيته بعدة قادة ووزراء، واستثني من ذلك الروس رغم أنها كانت مبرمجة.