لوموند: بين فرنسا والمغرب.. علاقات دبلوماسية تسوء أكثر فأكثر
في مقال هو الأول لها ضمن سلسلة مقالات حول التوترات بين الرباط وباريس، توقفت صحيفة “لوموند” عند الاحتكاكات في العلاقات الثنائية بين المغرب وفرنسا والعلاقات الشخصية المتدهورة بين العاهل المغربي محمد السادس والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون. وتساءلت الصحيفة عن مآلات هذه الأزمة وكيفية وقف تصاعد العداء بين هذين البلدين اللذين جمعتهما “شراكة استثنائية” في مرحلة ما بعد الاستعمار.
“لوموند” قالت إنه مع أن الزلزال الذي ضرب منطقة الأطلس الكبير في الثامن من سبتمبر كان من المفترض منطقياً أن يهدئ الأمور، لكن حدث عكس ذلك، حيث تفاقم التوتر. وتساءلت الصحيفة الفرنسية: بعد الموجة المناهضة لفرنسا في غرب أفريقيا، هل يصبح المغرب حجر الدومينو التالي على الخريطة؟
وأشارت “لوموند” إلى المقال الذي نشره موقع 360 الإلكتروني المغربي يوم 20 سبتمبر تحت عنوان: “لماذا يثير الملك محمد السادس غضب الدولة الفرنسية العميقة إلى هذا الحد؟”، الذي استنكرت فيه التعامل “الهستيري” لوسائل الإعلام الفرنسية مع الزلزال الذي ضرب المغرب، والذي في نظره، لا يمكن هندسته إلا من الإليزيه. وبالتالي فإن فرنسا، السلطة والإعلام مجتمعين، تسعى للانتقام من المملكة بسبب “استقلالها عن القوة الاستعمارية السابقة”، ولا سيما خيارها “السيادي” المتمثل في عدم قبول عروض المساعدة بعد الزلزال باستثناء عروض أربع دول فقط (إسبانيا والمملكة المتحدة وقطر والإمارات العربية المتحدة) – متجاهلة باريس. […] وعندما تمنى إيمانويل ماكرون “إسكات الجدل الذي يؤدي إلى الانقسام”، فإنه زاد الطين بلة. واعتبرت رسالته الموجهة “مباشرة إلى المغاربة“ عبر فيديو على منصة إكس (تويتر) خرقاء وانتهاكا للبروتوكول، و“تحديا للملك”، وانتقدتها وسائل الإعلام في المملكة. وقبل أيام قليلة، نشرت أسبوعية ليكسبريس الفرنسية مقالا عن “محمد السادس، حياته الخفية في فرنسا”. فما الذي حصل حتى وصلنا إلى هنا؟
القليل من الاتصالات الرسمية
الصحيفة الفرنسية مضت إلى القول إن الأزمة عميقة، مذكّرة أنه لم يعد للمغرب سفير في باريس منذ 19 يناير، وأن هذا التاريخ لا يدين بأي شيء للصدفة، إذ إنه في ذلك اليوم، تبنى البرلمان الأوروبي قرارا ينتقد الهجمات على حرية الصحافة في المغرب […] وإذا كان موضوع القرار الأوروبي اعتبر في الرباط بمثابة ضربة تحت الطاولة من باريس، فذلك لأن النص حظي، من بين آخرين، بدعم الكتلة البرلمانية التي يرأسها ستيفان سيجورني، المقرب من إيمانويل ماكرون. في نظر المغاربة، كان السبب مفهوما: الإليزيه يتآمر بالفعل ضد بلدهم. وبالتالي فإن الاتصالات الرسمية أصبحت نادرة إذا لم يتم قطعها.
ويضاف إلى رفض تعيين ممثل مغربي جديد بباريس، المعاملة المخصصة للسفير الفرنسي بالرباط، كريستوف لوكورتييه، الذي تجاهلته سلطات البلد المضيف. لكن الأجواء هدأت هذا الصيف مع محادثة هاتفية، في 21 أغسطس بين محمد السادس وإيمانويل ماكرون، خاصة وأن الجمود في العلاقات مع الجزائر، على الرغم من مفاتحات الإليزيه، دفع بعض مستشاري الرئيس الفرنسي إلى الرغبة في مضاعفة جهودهم تجاه المغرب من أجل تجنب خسارة كلا الجانبين. لكن الانتكاسة، التي عجلت بها الخلافات التي أحاطت بزلزال الأطلس الكبير، كانت أكثر وحشية، تقول “لوموند”.
ويزعم المراقبون الأكثر تفاؤلاً أن هذه ليست المرة الأولى التي يتسبب فيها ”الشتاء الطويل” في تجميد العلاقات الثنائية المغربية الفرنسية، مذكّرين بالتحقيق في قضية المهدي بن بركة الذي نشر سنة 1990 كتاب صديقنا الملك […] وفي الآونة الأخيرة، في عام 2014، علق المغرب تعاونه القضائي بعد أن استدعى قاض فرنسي عبد اللطيف الحموشي، رئيس المديرية العامة لمراقبة التراب الوطني، المستهدف بشكوى بتهمة التواطؤ في التعذيب قدمها مواطنون مغاربة على الأراضي الفرنسية. واضطرت باريس إلى إجراء تعديلات بعد عام، حيث أعفت المغرب بحكم الأمر الواقع من الولاية القضائية العالمية للمحاكم الفرنسية. وفي سياق هجمات يناير عام 2015 ضد شارلي إيبدو، كانت لضرورة إعادة الارتباط بالتعاون مع الرباط في مسائل مكافحة الإرهاب الأولوية على جميع الاعتبارات الأخرى.
وقالت “لوموند” إنه في كل مرة انتهى الأمر بالرباط وباريس إلى إيجاد وسيلة للمصالحة، لكن الأمور هذه المرة تبدو أكثر تعقيدا، حيث إن هناك تطورين، أحدهما يغذي الآخر، مما يجعل المغرب في عام 2023 مختلفاً تماماً عن ذلك الذي كان على فرنسا أن تواجهه حتى قبل عقد من الزمن. فالتطور الأول هو ذو طبيعة استراتيجية، ويكمن في تصلب موقف الرباط منذ “صفقة” دونالد ترامب في ديسمبر 2020، والتي اعترفت واشنطن في نهايتها بـ“مغربية” الصحراء الغربية مقابل التطبيع الدبلوماسي بين المغرب وإسرائيل. وهو ما شجع المغرب على رفع مستوى رهانه في مواجهة شركائه الآخرين، بمن فيهم فرنسا، بشأن القضية الصحراوية، داعياً إياهم إلى المصادقة رسميًا على سيادة المغرب على الأراضي المتنازع عليها منذ عام 1975 من قبل الانفصاليين في جبهة البوليساريو بدعم من الجزائر. لكن الفرنسيين ما زالوا حذرين لتجنب استعداء الجزائر في الوقت الذي شرع فيه السيد ماكرون في محاولة المصالحة مع الأخيرة. وعدم مرونة المغرب بشأن هذه القضية يتغذى من تمثيل جديد لنفسه، أي قوة إقليمية ناشئة، بدبلوماسية غير مقيدة.
إلى أي مدى سيصل الخلاف؟
وتابعت “لوموند” التوضيح أنه يبدو أن الهوة نفسها تفصل بين الإليزيه والقصر الملكي، وذلك منذ قضية بيغاسوس، التي سُميت على اسم برنامج التجسس الإسرائيلي هذا، والذي اتهمت تقارير الاستخبارات المغربية باستخدامه للتجسس على الهاتف الخاص لإيمانويل ماكرون. هذه القضية، التي هي مصدر صراع شخصي بين قائدي الدولتين، تفسر إلى حد كبير خطورة الأزمة الحالية. ولم يؤكد الإليزيه علنًا أبدًا ما كشف عنه التحقيق الذي أجراه اتحاد يضم 17 وسيلة إعلام من حول العالم. ومع ذلك، طلب الرئيس الفرنسي توضيحات من محمد السادس خلال محادثة هاتفية انتهت بوقت قصير، بحسب الروائي الفرنسي المغربي الطاهر بن جلون، الذي يدعي أن لديه المعلومات من مصدر في القصر. يقول السيد بن جلون لصحيفة “لوموند”: “لقد أعطى الملك كلمته الفخرية لماكرون بأنه لم يتجسس عليه، لكن السيد ماكرون لم يصدقه، ولم يحترمه”.
وعقب الحادثة، رفض الملك الرد على هاتفه في مناسبات عديدة عندما اتصل به الرئيس الفرنسي، بحسب عدة مصادر. وأدى هذا الانهيار الظاهري للعلاقات إلى ترك الخلافات المختلفة التي كانت تتراكم بلا هوادة لتتفاقم، حتى وصلنا إلى مرحلة حوار الصم […] واليوم، فإن أولئك الذين يرفضون تصور الأسوأ يسلطون الضوء على العلاقة الإنسانية والثقافية والاقتصادية الوثيقة، التي تشكل وسادة تمتص الصدمات أثناء الأزمات: يرسل المغرب 45 ألف طالب إلى فرنسا – أول دفعة من الطلاب الأجانب في فرنسا – ويرحب بالمؤسسات الفرنسية على أراضيه التي تقوم بتعليم 46500 طالب (ثلثاهم من المغاربة). وبالإضافة إلى ذلك، أصبحت المملكة مقر إقامة 51 ألف فرنسي مسجلين بالقنصليات، وهو رقم يتضاعف إذا حسبنا مزدوجي الجنسية، في حين يبلغ الشتات من أصل مغربي في فرنسا حوالي 1.3 مليون شخص. ومن الناحية الاقتصادية، تعد فرنسا المستثمر الأجنبي الرائد (في الأوراق المالية) في المغرب، بثلث المجموع.