تعديلات مدونة الأسرة تشغل المغاربة وتثير تكهناتهم
تشغل التعديلات التي سيتم إحداثها على مدونة الأسرة المغاربة، حيث بدأت صفحات على مواقع التواصل الاجتماعي بنشر تكهنات بشأن الفصول المستهدفة من التعديل، في حين تلتزم الجهات الرسمية الصمت حيال الموضوع.
ورفض وزير العدل عبداللطيف وهبي التعليق على التسريبات التي انتشرت بخصوص تعديلات مفترضة على المدونة على مواقع التواصل الاجتماعي مثل “إعطاء المرأة الحق في نصف ثروة الزوج، ما سيدفع بعدد من الناس إلى العزوف عن الزواج”، مؤكدا أنه “لم يتم إلى حد الآن البدء في صياغة أي مسودة”.
وشدّد على أن “دور هذه اللجنة هو إنصاف المرأة المغربية وفقا للتعليمات الملكية”، مشيرا إلى أن “هذا الأمر يتطلب إعادة النظر في مجموعة من القضايا التي ستتم مناقشتها، بعد الاستماع لجميع الأطراف”.
وانعقد اجتماع موسع حول مدونة الأسرة، السبت، جمع كلا من وزير العدل عبداللطيف وهبي، والرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية محمد عبدالنبوي، ورئيس النيابة العامة الحسن الداكي، ومحمد يسف الأمين العام للمجلس العلمي الأعلى، وآمنة بوعياش رئيسة المجلس الوطني لحقوق الإنسان، وعواطف حيار وزيرة التضامن والإدماج الاجتماعي والأسرة، وذلك لأهمية الحاضرين.
واندرج الاجتماع، وفق بلاغ للجنة، في إطار المنهجية التي دعت إليها الرسالة الملكية، بخصوص مراجعة مدونة الأسرة بشأن المزاوجة بين مركزية الأبعاد القانونية والقضائية للموضوع، مع زوايا النظر الشرعية والحقوقية أو المتعلقة بالسياسات العمومية في مجال الأسرة، بوصفها الخلية الأساسية للمجتمع، وهو ما سيتيح الإحاطة بالجوانب والرهانات المرتبطة بورش تعديل المدونة، بشكل يحقق ملاءمة مضامينها مع التطورات المجتمعية، والتقدم الحاصل في التشريع الوطني.
وتم خلال اللقاء طرح منهجية العمل التي تكفل لجميع مكونات هذه اللجنة الموسعة المشاركة في مختلف مراحل التفكير والتشاور الجماعي لتعديل المدونة، مع تحديد دورية الاجتماعات وطريقة العمل، سواء في ما يتعلق بالاستماع لمختلف الفعاليات أو في ما يخص القضايا المطروحة والتداول فيها.
وكان العاهل المغربي الملك محمد السادس، قد كلّف رئيس الحكومة عزيز أخنوش بالإشراف على إعادة النظر في مدونة الأسرة، مع رفع المقترحات أمام أنظار الملك، في أجل أقصاه 6 أشهر، وأوضح بلاغ للديوان الملكي أن ذلك يأتي تفعيلا للقرار الذي أعلن عنه الملك في خطاب العرش لسنة 2022، وتجسيدا للعناية التي ما فتئ يوليها للنهوض بقضايا المرأة وللأسرة بشكل عام.
ويطمح كل المتدخليين إلى أن يكون تعديل بنود المدونة لحظة تاريخية بتوافق مجتمعي رغم اختلافاته الفكرية والسياسية والثقافية والحقوقية والأيديولوجية حول أساسيات الإصلاح، خصوصا في ما يتعلق بالميراث، والوصية، والإرث بالتعصيب، والكدّ والسعاية، وميراث الأجانب، وزواج القاصر (المدونة والقانون الجنائي وقانون المسطرة الجنائية)، وزواج المغربيات المسلمات بغير المسلمين، وحضانة الأطفال بعد الطلاق وحق الزيارة، والتعويض عن المسكن، والنيابة الشرعية، والطلاق للضرر، وفترة ما قبل الطلاق، والنسب، والنفقة، والمتعة.
وأعلنت المنظمات النسائية التابعة للأحزاب الممثلة داخل البرلمان المغربي، عن انخراطها القوي في هذا البرنامج والمساهمة الفعالة في المشاورات الواسعة لصياغة مدونة منصفة وعادلة لكل مكونات الأسرة، ومنسجمة مع التحولات الاجتماعية التي تعرف مشاركة أكبر للنساء في تحمل التكاليف الأسرية ماديا ومعنويا، وبما يضمن تحقيق إصلاح يدعم ويقوي استقرار واستمرار العلاقات الأسرية وروابط الزواج الشرعي ويحدد لكل مكونات الأسرة واجباتها والتزاماتها ويضمن لها حقوقها الشرعية.
العاهل المغربي الملك محمد السادس كلّف رئيس الحكومة عزيز أخنوش بالإشراف على إعادة النظر في مدونة الأسرة مع رفع المقترحات أمام أنظار الملك في أجل أقصاه 6 أشهر
وأكد رشيد حموني، رئيس فريق حزب التقدم والاشتراكية بالبرلمان، أن “مدونة الأسرة جاءت بإيجابيات كثيرة وحققت العديد من المكتسبات، إلا أن المجتمع المغربي عرف تحولات كثيرة منذ اعتماد هذه المدونة”، داعيا إلى “إلغاء تزويج القاصرات إقرارا للمساواة بين الأب والأم، حيث إن الزوجة لا تستطيع إجراء عملية جراحية لابنها دون موافقة الأب حتى ولو كان معرضا للخطر، كما لا يسمح لها بنقل أبنائها من مدرسة إلى أخرى، فضلا عن الصعوبات التي تواجهها إذا تعلق الأمر باستخراج وثائق السفر إلى الخارج”.
وعلقت شريفة لموير، الباحثة في العلوم السياسية، لـ”العرب”، بأن برنامج الإصلاح الذي تعرفه مدونة الأسرة جاء بمبادرة ملكية، وتأكيد الملك صراحة أنه “لن يُحلّ ما حرّم الله ولن يحرّم ما أحلّ الله”، ولاسيما في المسائل التي تؤطرها نصوص قرآنية قطعية، أي “لا مجال للاستغلال السياسي من أي تيار للبرنامج الذي سيكون في إطار مقاصد الشريعة الإسلامية وخصوصيات المجتمع المغربي”.
واعتبر منتدى المناصفة والمساواة الذي يعد المنظمة النسائية لحزب التقدم والاشتراكية، أن مدونة الأسرة استنفدت ذاتها وأظهرت عدة إخلالات في النص والتطبيق والتأويل، مؤكدا “الحاجة إلى إجراء إصلاح تحديثي أقوى وأوضح للمدونة، بما يتلاءم مع الدستور، ومع التزامات بلادنا الدولية والاتفاقيات التي صادقت عليها، وبما يقطع مع كل أشكال التمييز على أساس الجنس”.
فيما نوه حزب الاستقلال بالمقاربة الشمولية لأوضاع الأسرة التي قدمها الملك محمد السادس، والمتعلقة بضرورة مراعاة حقوق المرأة والطفل والرجل، من أجل الحفاظ على تماسك الأسرة وتجويد مناخ العيش المشترك باعتبار أن الأسرة هي النواة الأساسية للمجتمع.