الجزائر أمام تحدي احتواء الاستقرار الهش في مالي
تتصاعد مخاوف السلطة الجزائرية من انعكاسات انهيار الهدنة القائمة بين الجيش المالي ومسلحي تنسيقية الأزواد على أمنها الإستراتيجي، مع إمكانية تحول المواجهات الميدانية إلى صدام أكثر تعقيدا، بالموازاة مع انشغال المؤسسة الأمنية والعسكرية بجبهة الحدود مع النيجر.
الجزائر – تواجه الجزائر تحديا حقيقيا بعد انفجار الوضع الأمني في مالي، حيث عادت في الأسابيع الأخيرة المواجهات المسلحة بين الجيش المالي المدعوم من طرف مجموعة فاغنر، وقوات تنسيقية الحركات الأزوادية، الأمر الذي يهدد بنسف اتفاق السلام الذي ترعاه منذ العام 2015، ويجدد الأخطار الأمنية والإستراتيجية المهددة لاستقرارها الإقليمي، خاصة وأن الأمر يتعلق بشريط حدودي مشترك يقدر بنحو 1400 كيلومتر.
ولم يرشح أي شيء عن مضمون الاتصالات التي يجريها موفد الجزائر إلى مالي مع أطراف الصراع المتجدد في الأسابيع الأخيرة، بينما لم يصدر أي تعليق أو موقف من طرف رؤساء دبلوماسيتها، باستثناء مرور مقتضب في كلمة وزير الخارجية أحمد عطاف في الجمعية العامة للأمم المتحدة دعا فيها إلى ضرورة “الاستمرار في مقاربة اتفاق المصالحة” الذي ترعاه بلاده منذ العام 2015.
وتزداد المخاوف حول ارتدادات انهيار الهدنة القائمة بين الجيش المالي ومسلحي تنسيقية الأزواد على الأمن الاستراتيجي الجزائري في ظل حديث تقارير دولية عن تحول المواجهات الميدانية إلى صدام أكثر تعقيدا، بعد دخول تنظيم داعش ومجموعة فاغنر على الخط، الأمر الذي يهدد بإخراج الوضع من بين أيدي دعاة الهدنة في البلاد.
وتشترك الجزائر مع مالي في شريط حدودي يقدر بنحو 1400 كيلومتر، مما يعكس حجم التحدي الأمني والإستراتيجي الذي تواجهه بتطورات الوضع الأمني في البلد الجار، حيث يستدعي تأمين الحدود الإقليمية حشدا عسكريا ولوجيستيا كبيرا، وهو ما يضيف عبئا جديدا على عاتق المؤسسة الأمنية والعسكرية المنشغلة بجبهة الحدود مع دولة النيجر.
◙ الجزائر تشترك مع مالي في شريط حدودي يقدر بنحو 1400 كيلومتر، مما يعكس حجم التحدي الأمني والإستراتيجي
ورغم التطمينات التي قدمها مندوب مالي في الجمعية العامة للأمم المتحدة حول احترام سلطة بلاده لاتفاق الجزائر المبرم العام 2015، واتهامه لتحالف الحركات الأزوادية بـ”تفجير الوضع الأمني في البلاد وتنفيذ عمليات استهدفت وحدات الجيش”، إلا أن تصريحات سابقة لمسؤولي المجلس العسكري أظهرت نوايا بعدم رضاهم بمحتوى الاتفاق.
وذكر وزير الخارجية المالي عبدالله ديوب في كلمته “نحن سعداء بالتقدم الذي تم إحرازه بالفعل منذ توقيع الاتفاق في 2015، بما في ذلك اعتماد الدستور الجديد الذي يأخذ في الاعتبار العديد من أحكام الاتفاق، وقررت الحكومة تفضيل الحوار بين الأطراف المالية من أجل استمرار العملية الانتقالية”.
لكن الدستور المنتظر في البلاد الذي حاز على موافقة أكثر من 96 في المئة من المقترعين، لم يرض أطراف المعارضة في مالي، قياسا بما قالت إنه لم يحظ بمشاركة واسعة خاصة في مناطق الشمال، ولم تتعد المشاركة في التصويت عليه حدود 38 في المئة، الأمر الذي يضع عصا مفاجئة في عجلة واحدة من بنود المرحلة الانتقالية.
وكان الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون قد استقبل في شهر فبراير الماضي وفدا من قادة وممثلي تحالف الحركات الأزوادية، وتعهد لهم بالتزام بلاده بـ”تنفيذ واحترام اتفاق المصالحة المبرم العام 2015، وسعيها الدائم لأجل إرساء السلم في مالي وتحقيق بنوده”، غير أن تسارع التطورات وتداخل الأطراف الفاعلة جرّا الوضع إلى صدام متجدد.
ويتهم المجلس العسكري ما بات يعرف بـ”جيش الأزواد” بالاستعانة بتنظيم جهادي وبفتح المجال أمام عودة القاعدة إلى النشاط في البلاد، بينما يرى هؤلاء أن الجيش المالي استقوى بمسلحي مجموعة فاغنر لفرض أمر واقع جديد يخل ببنود الاتفاق المبرم في الجزائر العام 2015.
ويهدف اتفاق الجزائر إلى الحيلولة دون انفصال إقليم أزواد عن مالي، وبالمقابل يسعى لضمان تكفل باماكو بتنمية الإقليم المهمش، وإدماج مسلحيه في قوات الأمن والجيش، وأيضا في المناصب المدنية، بما يشكل حكما ذاتيا.
غير أن الاتفاق تعتريه الكثير من المعوقات قياسا بعدم تحقيقه لما كان يطمح إليه الطوارق في الاستقلال والانفصال عن باماكو، وهو خيار لا تدعمه الجزائر باعتباره يعد خرقا لمبدأ الحدود الموروثة عن الاستعمار، فضلا عن تحفظ الجيش المالي بسبب ما يراه غموضا حول تفكيك الحركات المسلحة وإعادة دمج عناصرها في قوات الأمن والجيش، أو تسريحهم ودمجهم في الحياة المدنية، وأن يكون لهم تمثيل في المناصب القيادية.
◙ الحدود الجنوبية تشكل خاصرة رخوة في الأمن الإقليمي الجزائري لذلك توليها القيادة السياسية اهتماما بالغا، خاصة مع تداخل الجوانب المؤثرة
وتبقى الحدود الجنوبية تشكل خاصرة رخوة في الأمن الإقليمي الجزائري، ولذلك توليها القيادة السياسية اهتماما بالغا، خاصة مع تداخل الجوانب المؤثرة، على غرار الهجرة السرية والتهريب والجريمة العابرة للحدود والتنظيمات الجهادية.
وساهم قدوم السلطة العسكرية في مالي في تراجع حظوظ تنفيذ الاتفاق، في ظل الفتور المسجل في العلاقات بينها وبين الجزائر، ورغبتها في مراجعة بعض بنوده، بينما تصاعدت شكوك الأزواديين في أهداف المجلس العسكري، وفي مدى قدرة الجزائر على الالتزام بالاتفاق الذي ترعاه منذ العام 2015.
ويبدو أن الجزائر في حاجة إلى المزيد من جهود المجموعة الدولية لإنقاذ اتفاق المصالحة الوطنية، خاصة في ظل دخول قوى مؤثرة في الوضع، فهي على عقيدتها الثابتة في محاربة الإرهاب تصطدم بحرج دخول مجموعة فاغنر على الخط كحليف للمجلس العسكري الحاكم.
وبات من الصعب التوفيق بين طرفي الصراع في ظل انحدار الأزمة إلى بؤرة توتر إقليمي بين تنظيم إسلامي مسلح لا يزال يحظى بتأييد ودعم حواضن اجتماعية في المنطقة، وبين مجموعة مسلحة تنحدر من دولة تربطها بها علاقات صداقة تاريخية واتفاقية شراكة إستراتيجية معمقة.