الثرثار: أيام صعبة تنتظر ماكرون مع الإعلام والسياسيين
تعرض الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون خلال اليومين الأخيرين لانتقادات حادة من قبل وسائل الإعلام الفرنسية والمعارضة على خلفية إطلالته التلفزيونية الأخيرة التي تطرق فيها إلى عدد من المواضيع من بينها الهجرة والعلاقة مع أفريقيا والوضع الداخلي، دون أن يأتي بجديد، ما عده منتقدوه “مجرد ثرثرة لا طائل منها”.
وحاول ماكرون في المقابلة التي بثت مساء الأحد تضخيم إنجازات عهده، التي يرى الفرنسيون أنها معدودة وتكاد لا ترى، مقارنة بحجم الإخفاقات الكبيرة التي منيت بها فرنسا خلال العامين الأخيرين، سواء على الصعيد الداخلي أو الخارجي، وآخر تلك النكسات في النيجر.
واعتبرت صحيفة “لوبوان” الفرنسية في افتتاحيتها الاثنين أن المقابلة التلفزيونية لماكرون كانت “ثرثرة عديمة الفائدة”، حيث “تحدث الرئيس دون أن يعلن عن أي شيء جديد أو مبتكر”.
وأضافت الصحيفة الأسبوعية أن ماكرون قرر خلال المقابلة “تضخيم الإنجاز” الذي يتمثل في تنظيم ثلاثة أحداث مهمة في البلاد في الأسبوع نفسه، مهنّئا في هذا الخصوص الفرنسيين.
واعتبرت كاتبة الافتتاحية صوفي كوينارد أن الأمر يتعلق بـ”الاستفادة من حسن سير أسبوع عالي المخاطر، لإثبات أن بداية الدخول لا تتم في الفوضى”.
وقالت كوينارد إن “التهنئة تخفي، ضمنيا، علامتين من علامات الضعف. فمن جهة، عندما يهنئ الرئيس مواطنيه، فإنه يمدح نفسه قبل كل شيء. ومن جهة أخرى، من حسن الحظ أن فرنسا لا تزال قادرة على استقبال ملك كما يجب -والذي ألغيت زيارته قبل ذلك بسبب الاضطراب الاجتماعي- علاوة على استقبال البابا وحدث رياضي”.
وأضافت “من الآن فصاعدا علينا أن نكتفي بالقليل”، معتبرة أنه بمجرد انتهاء هذا التسلسل من مدح النفس، أصبحت تصريحات ماكرون ثرثرة دون فائدة”.
وعرضت كاتبة الافتتاحية المواضيع المختلفة التي تطرق إليها الرئيس خلال هذه المقابلة: المهاجرون، والقدرة الشرائية، والتضخم، وأسعار الوقود، وفحص الوقود.
وبحسب كوينارد تحدث الرئيس عن هذه المواضيع “دون أن يعلن عن أي شيء جديد أو مبتكر”، متسائلة “لماذا يشعر الرئيس بالحاجة إلى الظهور في التلفزيون لتلخيص الأسبوع الماضي، والإعلان في المساء عما يجب عليه أن يقدمه في اليوم التالي؟”.
وبدورها علقت أحزاب المعارضة على المقابلة التلفزيونية التي أجراها الرئيس الفرنسي منتقدة “ترقيع” و”ثرثرة” رئيس الدولة.
واعتبرت النائبة عن أوروبا البيئة/الخضر ساندرين روسو عبر حسابها على منصة إكس أن هذه المقابلة التي ركزت على مواضيع متنوعة نسبيا تتراوح بين التضخم والهجرة، بما في ذلك انسحاب فرنسا من النيجر، مجرد حشو لفظي.
وقال ممثل حزب فرنسا الأبية إيريك كوكريل إن رئيس الدولة أكد لقبه كـ”بطل للهراء”. وكتب كوكريل عبر حسابه على منصة إكس “بصرف النظر عن تأكيد لقبه كبطل الهراء، ما المغزى من تدخل إيمانويل ماكرون هذا المساء؟”.
وأضاف “دعونا مع ذلك نُعدْ ترسيخ بعض الحقائق: أوروبا ليست القارة التي تقوم بأكبر جهد لاستقبال المهاجرين. ولا فرنسا تأخذ نصيبها، نظرا لانخفاض معدل اللاجئين الذين تم استقبالهم في السنوات الأخيرة”.
وفي تعليق على تصريح ماكرون بشأن أزمة الهجرة أدان توماس بورتس، نائب فرنسا الأبية، استخدام “الكلمات نفسها التي يستخدمها العنصريون”.
وقال “لن نرحب بكل البؤس في العالم. هذه الجملة من إيمانويل ماكرون هي عار مطلق؛ عبارات اليمين المتطرف نفسها، كلام العنصريين نفسه. وبينما يموت الناس في البحر الأبيض المتوسط، يشهد عدد المليونيرات في فرنسا قفزة كبيرة”.
من جانبهم، رد الجمهوريون بقوة على تصريحات الرئيس الفرنسي بشأن مشروع قانون الهجرة الذي طرحته السلطة التنفيذية، وذلك على لسان إريك سيوتي، رئيس الحزب.
وانتقد فابيان روسيل، الأمين الوطني للحزب الشيوعي الفرنسي، أسلوب الترقيع، داعيا إلى مظاهرات من أجل الزيادة في الأجور.
ووصْفُ “الترقيع” نفسه استخدمه سيباستيان تشينو، نائب رئيس التجمع الوطني، الذي انتقد الإعلان عن مساعدة بقيمة 100 يورو لكل سيارة سنويا للتعامل مع ارتفاع أسعار الوقود.
وكتب تشينو على حسابه عبر منصة إكس “إن إيمانويل ماكرون يقوم فقط بعمل ترقيعي، مع تدابير غير مفهومة وفتات من المساعدات، دون أي إجراء دائم يدعم القدرة الشرائية”.
وتشهد فرنسا أزمة مزدوجة، في ظل توجهات للرئيس ماكرون مثيرة للجدل. ويرى فرنسيون أن سياسات ماكرون تكلف البلاد الكثير سواء من ناحية التدابير المتخذة بشأن الوضع الاقتصادي وتأثيره المباشر على المواطنين، أو في علاقة بنفوذ فرنسا الذي تآكل بشكل كبير، وليس أدل على ذلك من الضربة التي تلقتها في النيجر على خلفية الانقلاب العسكري على الحليف محمد بازوم، لتجد اليوم باريس نفسها مجبرة على الانسحاب العسكري من هذا البلد الذي كان بمثابة مستعمرة تابعة لها على الرغم من إنهاء الاحتلال المباشر له.
ويقول مراقبون إن إدارة ماكرون فشلت فشلا ذريعا في إدارة الملفات الحارقة، وإن سياسات هذه الإدارة يطغى عليها التخبط والارتباك، لافتين إلى علاقة باريس المتوترة حاليا مع دول شمال أفريقيا، ولاسيما الجزائر والمملكة المغربية، فهي لم تنجح في استيعاب الأولى وأغضبت الثانية.
ويؤكد المراقبون أن مكانة فرنسا تهوي بشكل دراماتيكي على الصعيد الدولي، وأنه ليس من الممكن وقف هذا المسار في ظل النهج القائم