أمر العاهل المغربي الملك محمد السادس الحكومة بفتح ورش جديدة لتعديل مدونة الأسرة، في خطوة يقول مراقبون إن هدفها ضمان حقوق المرأة كاملة، وتعزيز أمن الأسرة، وإنها تكشف عن تفاعل ملكي مع النقاشات المجتمعية بشأن تطوير المدونة لتتماشى مع تطور المجتمع المغربي دون الخروج عن الثوابت.
ووجه الملك محمد السادس رسالة إلى رئيس الحكومة عزيز أخنوش الثلاثاء، تتعلق بإعادة النظر في مدونة الأسرة، مسندا الإشراف العملي على هذا الإصلاح الهام إلى كل من وزارة العدل والمجلس الأعلى للسلطة القضائية ورئاسة النيابة العامة، وذلك بالنظر إلى مركزية الأبعاد القانونية والقضائية لهذا الموضوع.
وأوضح بيان للديوان الملكي أن هذه الرسالة تأتي تفعيلا للقرار الذي أعلن عنه الملك محمد السادس في خطاب العرش لسنة 2022، و”تجسيدا للعناية الكريمة التي ما فتئ يوليها للنهوض بقضايا المرأة وللأسرة بشكل عام”.
وكان العاهل المغربي قد دعا، في خطاب العرش في يوليو 2022، إلى إعادة النظر في مدونة الأسرة، من خلال تقييمها وتقويمها لمواجهة اختلالاتها ومعالجة النقائص التي أبانت عنها التجربة، ومراجعة بعض البنود التي تم الانحراف بها عن أهدافها، إذا اقتضى الحال ذلك، بعد تأكيده على تعزيز تماسك الأسرة، من خلال اعتماد مدونة متقدمة للأسرة تراعي المصلحة الفضلى للطفل وتصون حقوقه في كل الظروف والأحوال.
وتطرق الملك محمد السادس إلى التعاطي مع مراجعة المدونة بِنَفَسٍ تطوري وتقدمي دون الخروج عن ثوابت الأمة التي تتأسس على مرجعية إسلامية معتدلة، سواء في معالجة زواج القاصرات وحصر سن الزواج في 18 سنة بالنسبة إلى الأنثى والذكر على حد السواء، والولاية على الأبناء، ومساطر النفقة، والطلاق، وتقسيم الممتلكات، وإثبات النسب، أو غيرها من المواضيع، باعتبارها كلها مطالب منظمات نسوية وبمباركة أحزاب حداثية.
وقالت فتيحة سداس، عضو المكتب السياسي للاتحاد الاشتراكي، في تصريح لـ”العرب” إن “الملك محمد السادس يحث الحكومة رسميا على القيام بالتعديلات اللازمة على المدونة ودعوة القضاة إلى القراءة الحداثية للنصوص القانونية”.
وأضافت “في الاتحاد الاشتراكي دائما نطرح القضايا الخلافية من خلال فتح نقاش هادئ ومسؤول بين المختصين في ما يتعلق بالمدونة دون أحكام جاهزة ودعاوى تكفيرية، لمعالجة هذه القضايا الخلافية”.
وتُرفع مقترحات التعديلات التي ستنبثق عن المشاورات التشاركية الواسعة إلى الملك محمد السادس في أجل أقصاه ستة أشهر، وذلك قبل إعداد الحكومةِ مشروعَ قانون في هذا الشأن وعرْضه على البرلمان للمصادقة عليه.
وأكدت أسماء المرابط، الباحثة المغربية المتخصّصة في قضايا متعلقة بالمرأة والإسلام، في تصريح لـه أن “مراجعة مدونة الأسرة أصبحت ضرورة ملحة ونحن اليوم بحاجة إلى فتح باب الاجتهاد، مع الابتعاد عن الحزازيات الأيديولوجية أو الحسابات السياسية الضيقة، وأن يكون النقاش هادئا ضمن فضاء يجمع كل الفعاليات الدينية والمجتمعية وذوي الاختصاصات العلمية لإيجاد حلول ملائمة من داخل مرجعيتنا الإسلامية ولمصلحة المجتمع”.
وجعلت مدونة الأسرة، التي تم اعتمادها في 2004، مسؤولية الأسرة تحت رعاية الزوجين، وقيدت تعدد الزوجات، وجعلت الطلاق تحت إشراف القضاء، ومنحت الزوجة حق طلبه، وحق الولاية على نفسها، وهي إصلاحات مهمة لكن هذا لم يمنع من طرح الحاجة إلى معالجة ما نقص فيها تماشيا مع التحولات الاجتماعية والاقتصادية التي يشهدها المجتمع المغربي.
وأكدت خديجة الزومي، نائبة رئيس مجلس النواب ورئيسة منظمة المرأة الاستقلالية (تابعة لحزب الاستقلال المشارك في الحكومة)، أن هناك عددا من الأمور التي يجب أن تناقش في ما يتعلق بالمدونة، كمسألة الحضانة وتزويج القاصر وغيرهما، لكن النصوص القطعية التي تحدث عنها الإسلام خط أحمر، كموضوع الإرث.
وقالت جمعية المرأة المناضلة إن المغرب من خلال الدعوة الرسمية لإعادة النظر في المدونة يسعى “لتكريس مبدأ المناصفة وتحقيق المساواة بين المرأة والرجل على كافة المستويات والأصعدة، ووضع لذلك آليات عديدة تصون وتحمي حقوق المرأة، التي تقوم بدور مهم في الحياة العامة، وإعادة النظر في التشريعات التي لا تخرج عن قاعدة البنية القانونية التقليدية التي تميزت ببسط مظاهر التعسف والحيف والإقصاء في حق النساء”.