المقرر الأممي لحقوق الإنسان يدعو الجزائر إلى العفو عن سجناء الرأي
وجه المقرر الأممي الخاص المعني بحرية التجمع السلمي وتكوين الجمعيات كليمان نياليتسوسي فول في ختام جولته في الجزائر العديد من الانتقادات للحكومة بسبب هيمنة حالة الغلق السياسي في البلاد، خاصة في ما يتعلق بسجن الناشطين والمعارضين للسلطة، والبند 87 مكرر من قانون العقوبات الذي أطلق العنان ليد السلطة في توظيف تهمة الإرهاب للتضييق على الحريات والحقوق.
ودعا نياليتسوسي فول الحكومة الجزائرية إلى إطلاق سراح سجناء الرأي الموقوفين والمسجونين بسبب مشاركتهم أو دورهم في الحراك الشعبي الذي نادى بالحرية والديمقراطية، والذين يجري توقيفهم أو سجنهم بتهم وصفها حقوقيون ومختصون بـ”الفضفاضة” على غرار “المساس أو تهديد الوحدة الوطنية، والتحريض على التجمهر وعرقلة عمل المؤسسات وغيرها”.
كما حثّها في ندوة صحفية عقدها في ختام زيارته إلى الجزائر على “تخفيف القيود الصارمة المفروضة على التجمعات والجمعيات لجعل القوانين والممارسات متوافقة مع الدستور الوطني والقانون الدولي لحقوق الإنسان”.
الجزائر تعرف بشهادة تقارير حقوقية تراجعا غير مسبوق في مجال الحريات السياسية والإعلامية والنقابية
وذكر أنه “يدعو الحكومة الجزائرية إلى التخلي عن التهم والعفو عن الأشخاص المدانين بتورطهم في الحراك”، دون أن يقدم لائحة معينة أو شرح وضعية البعض منهم داخل السجون، في ظل خوض العديد منهم لإضرابات عن الطعام من أجل إثارة أوضاعهم الصحية والحقوقية.
وتحصي تنسيقية الدفاع عن معتقلي الرأي (مستقلة) نحو 300 معتقل في السجون الجزائرية، فيما قدرت عدد الملاحقين منذ اندلاع احتجاجات الحراك الشعبي في فبراير 2019 بـ”الآلاف”، وهناك من تم توقيفه أو سجنه لأكثر من مرة، كما هو الشأن بالنسبة إلى الناشط إبراهيم لعلامي.
وكان المقرر الأممي قد حل بالجزائر في السادس عشر من سبتمبر الجاري، في جولة دامت عشرة أيام، أجرى خلالها لقاءات واتصالات مع الحكومة ومع جمعيات ومنظمات وأحزاب سياسية ونقابات وإعلاميين وناشطين مستقلين، كما التقى بمسؤولي جمعية “راج” المنحلة بقرار قضائي، ومنتسبي مؤسسة “مغرب إيمرجنت” الإعلامية المملوكة للإعلامي المسجون إحسان القاضي.
ووصف المتحدث حالة الغلق السياسي المطبقة من طرف السلطة بـ”المناخ المخيف”، في إشارة إلى الممارسات القمعية التي أدت إلى تكميم الأفواه ولجم الحريات السياسية والإعلامية، برأي حزب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية المعارض، الذي أعرب للمبعوث الأممي عن مخاوفه من نهاية الرأي الآخر في البلاد، خاصة في ظل توجه السلطة إلى إطلاق مشروع قانون جديد للأحزاب السياسية.
وذكر في هذا الشأن بأنه “على الحكومة معالجة مناخ الخوف الناجم عن سلسلة من التهم الجنائية الموجهة ضد الأفراد والجمعيات والنقابات والأحزاب السياسية بموجب قوانين مفرطة التقييد”.
وخص بالذكر البند 87 مكرر من قانون العقوبات الخاصة بـ”الأعمال الإرهابية والمساس بأمن الدولة”، و”تأسيس الجمعيات والمنظمات” التي تعتبرها السلطات “إرهابية”.
واعتبر أن “هذا البند الذي تصل العقوبات فيه إلى حد الإعدام يحتمل تفسيرات فضفاضة ويجب إلغاؤه لأنه يدفع الناشطين إلى الرقابة الذاتية لأنهم يخشون أن يُساء تفسير نشاطهم”.
كما طالب المبعوث الأممي الحكومة الجزائرية بـ”السماح للمجتمع المدني بانتقاد السياسات العامة، لأن الجهات الفاعلة في المجتمع المدني التي التقيتها طالبت بالاعتراف بها والتعاون معها كشركاء موثوق بهم في تنمية بلدهم”.
ومنذ قدوم السلطة الجديدة في البلاد نهاية العام 2019، عمدت إلى تهميش القوى السياسية والأهلية التقليدية خاصة المعارضة منها، مقابل فسح المجال أمام طبقة من الجمعيات والتنظيمات الموالية لها، كما شجعت فئة الشباب على الانخراط في المشهد السياسي، وهو ما أفضى إلى شراكة غير مسبوقة بين السلطة والنخب الأهلية الجديدة، وإلى بروز قوة برلمانية مستقلة تشكلت من منتخبين مستقلين عملت على دعمهم للوصول إلى مختلف المجالس المنتخبة محليا ووطنيا.
وتعرف الجزائر بشهادة تقارير حقوقية تراجعا غير مسبوق في مجال الحريات السياسية والإعلامية والنقابية، الأمر الذي أفضى إلى حالة ركود غير مسبوقة، بسبب القيود المتلاحقة على نشاط مختلف الفعاليات، مما أفرز استقالة جماعية أدت إلى استقرار لافت لكنه يخفي الاحتقان الشعبي المتفاقم في البلاد.
وجاء في تصريح مكتوب تم توزيعه على الصحافيين أن “إتاحة مساحة مدنية تشمل أيضا الأصوات الناقدة أمر ضروري لتحسين الحوكمة وصنع السياسات وبناء ديمقراطية تشاركية ومستدامة”.
وشدد المتحدث على أن “المتظاهرين في الحراك أظهروا روحا مدنية ملحوظة، وقدموا مثالا للعالم حول كيفية تنظيم المظاهرات السلمية، وأنه يجب على الحكومة الآن أن تعالج مناخ الخوف الناجم عن سلسلة من التهم الجنائية ضد الأفراد والجمعيات والنقابات والأحزاب السياسية بموجب قوانين مفرطة التقييد، بما في ذلك قانون مكافحة الإرهاب الذي يتعارض مع التزامات الجزائر الدولية في مجال حقوق الإنسان”.
وأضاف “في منطق مظاهرات الحراك السلمية، كانت الرسالة المشتركة لجميع الممثلين والممثلات في المجتمع المدني الذين التقيت بهم هي أن تعترف بهم السلطات العامة كشركاء موثوقين في تنمية بلادهم”.
وخلص إلى أنه “للوفاء بوعود الدستور والحراك، والوفاء بالتزاماتها بموجب المعاهدات الدولية لحقوق الإنسان، يجب على الجزائر أن تضمن في القانون والممارسة حقوق سكانها في التجمع وتكوين الجمعيات بحرية، وتبادل الآراء والاجتماعات والأفكار والدفاع عن مصالح محددة، بما في ذلك بالتعاون مع الشركاء داخل البلاد وخارجها”