أثار بيان حزب العدالة والتنمية، برئاسة عبدالإله بن كيران رئيس الحكومة الأسبق، غضبا شديدا بين المغاربة سواء داخل الحزب أو خارجه بسبب ربطه زلزال الحوز بما أسماه “معاصينا ومخالفاتنا ليس فقط بمعناها الفردي ولكن بمعناها العام والسياسي”.
ويرى محللون سياسيون مغاربة أن هذا الموقف يكشف عن انتهازية أمين عام حزب العدالة والتنمية الذي يعتمد كل الوسائل للعودة إلى الواجهة حتى لو كانت تلك الوسائل مستفزة للناس وصادمة لهم.
وشدد الحزب في بيان لأمانته العامة على أن “السؤال المطروح ليس فقط عن المخالفات الفردية وإنما عن الذنوب والمعاصي والمخالفات بالمعنى السياسي وتلك الموجودة في الحياة السياسية عامة والانتخابات والمسؤوليات والتدبير العمومي وغيرها”.
وقوبل البيان بردود فعل غاضبة داخل الحزب خاصة من قبل قياديّي الصف الأول الذين اعتبر البعض منهم أن البيان يمثل انتكاسة في خطاب الحزب وضربا لمساعيه في التطبيع مع واقعه والاقتراب من الناس.
وأعلن وزير التجهيز والنقل السابق، والقيادي في حزب العدالة والتنمية، عبدالقادر عمارة الاثنين عن استقالته من الحزب. ونشر تدوينة على صفحته في فيسبوك قال فيها “بقلب يعتصره الألم على ما آلت إليه تجربة حزب العدالة والتنمية، فإني أعلن عن استقالتي من الحزب وكل هيئاته منذ هذه اللحظة”.
ويعبر بيان الحزب عن البون الشاسع والواضح بين بن كيران وقياديين آخرين في الحزب يريدون التّصالح مع المجتمع، منهم المحامي والعضو السابق للأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية عبدالصمد الإدريسي، الذي أكد “اختلافه مع طريقة تدبير الحزب ومواقفه خلال السنتين الأخيرتين”.
وتابع القيادي بالحزب، في تدوينة على حسابه الخاص، أن الفقرة المتعلقة بحدوث زلزال الحوز “بسبب ذنوبنا ليس فقط في معناه الفردي بل السياسي”، الواردة في بلاغ الأمانة العامة الأخير، أخرجته من صمته ليعلن “رفضها والاختلاف مع مضمونها، من حيث مدلولها وفهمها دينيا، بل وحتى سياسيا”.
وأكد رشيد الأزرق، أستاذ العلوم السياسية في الجامعة المغربية، أن بيان حزب العدالة والتنمية سقوط أخلاقي وإفلاس سياسي، ويكشف عن رغبة جامحة لدى بن كيران في العودة إلى المشهد السياسي من خلال الخلط بين الخرافة والسياسة وتوظيف الدين للركوب على فاجعة زلزال الحوز وربطه بالذنوب والمعاصي.
وأضاف الأزرق، في تصريح لـه، أن “استقالة القيادي عمارة باعتباره نموذجا للنخبة البراغماتية داخل العدالة والتنمية هي رسالة ضد الاتجاه الخرافي لبن كيران، وهو ما يظهر كذلك فشل الحزب في إفراز جيل جديد قادر على المساهمة الفعالة في المشهد السياسي، بعيدا عن منطق الجماعة، واستحضار المصلحة العامة والتخلص من التناقضات والجمود والسلبية، والعمل على إصلاح داخلي لتجديد النخبة بما يتماشى مع حاجيات المجتمع”.
ورغم الإشادة، التي ضمنها الحزب، بالدور المركزي للعاهل المغربي الملك محمد السادس في “تدبير مخلفات زلزال الحوز” و”اجتماعاته المتكررة وبالسرعة والنجاعة والكرم الذي اتخذت به القرارات لتخفيف المصاب”، إلا أن حزب العدالة والتنمية هاجم أحزاب الأغلبية التي أشادت بالقرارات قائلا “الكل يتحدث ويشيد بالقرارات التي اتخذت والمساعدات التي قدمت والميزانية المهمة التي خصصت (…)، لكن في المقابل لا أحد ينبه أو يذكر بما ينبغي أن يُراجع على ضوء ما كشفه هذا الزلزال من خصاص وتفاوتات مجالية”.
ويتضمّن هذا الخطاب تناقضا واضحا، فهو يشيد بالإجراءات الملكية ولا يريد لغيره من الأحزاب أن يفعل مثله ويعتبر ذلك أمرا عاديا، وأن الأصل البحث عن التقصير وليس الإشادة بالإجراءات.
وأكد محمد كريم بوخصاص، الصحافي والباحث المغربي في علوم الإعلام، أن بيان الحزب يبين أن قناعات الحزب وتصوراته لم تغيرها دربة تدبير الشأن العام، وأنه من الصعب تقبل أن يكون الحزب الذي قاد الحكومة لعشر سنوات، وكان يدبر شؤون المغاربة في الحكومة والجماعات المحلية، بما فيها بعض الجماعات المتضررة من الزلزال، يؤمن بأن الله يعاقبنا على ذنوبنا بأن خسف الزلزال قرى كاملة لم يقم هذا الحزب بشيء تجاهها ولم يوصل إليها حقها في التنمية.
وأضاف بوخصاص “قد يكون الحزب لم يهضم بعد زلزال انتخابات الثامن من سبتمبر 2021، لكن أن يصل إلى الاقتناع بأن الله عز وجل زلزل الأرض من تحت أقدامنا عقابا لنا، لأن ‘معصية سياسية’ يعتقد أنها ارتكبت في حق إزالته من السلطة، فذلك جنون، بل انتحار سياسي سيكون له ما بعده”.