يعانى المهاجرون المغاربة ببلجيكا من أزمات متعددة، تتمركز بصفة رئيسية في كيفية الحفاظ على هويتهم الثقافية، مستندين إلى مرجعيتهم الدينية، والتمسك بعاداتهم وتقاليدهم الأصلية وخصوصيتهم الإسلامية، و في نفس الوقت البحث عن آليات الاندماج وعدم الانغلاق على الذات، أو الانعزال عن المنظومة السياسية والمجتمعية لبلدان الإستقبال، دون أن يعنى هذا الاندماج الذوبان، أو التماهي في الآخر، أو التهميش والإقصاء, أما على المستوى الداخلي, فإن موضوع المغاربة المقيمين بالخارج لم يأخذ حظه من النقاش الوطني، ومشاكل الجالية تتراكم وتتطور وتزداد تعقيدا في غياب سياسة عمومية مندمجة وموحدة بين مختلف المتدخلين في هذا الملف (وزارة الشؤون الخارجية و التعاون و المغاربة المقيمين بالخارج، مؤسسة الحسن الثاني للمغاربة المقيمين بالخارج، مؤسسة محمد الخامس للتضامن..).
هذا و نجد الأسرة المغربية ببلجيكا, شأنها في ذلك شأن باقي الأسر المغربية في باقي الدول الأوربية, نفسها أمام التحدي الصعب؛ وهو كيف يمكن أن تنجح في إقامة المعادلة الصعبة القائمة على الحفاظ على الهوية مع النجاح في عملية الاندماج الإيجابي لأبنائها في مجتمعاتهم؟ خصوصا وهي المحضن الأول والوحيد لتربية الأبناء وتوجيههم والمحافظة على هويتهم وخصوصياتهم الدينية، وتقوية الرابط بينهم وبين البلد الأصل،بل إنه يقع على عاتقها في البيئة الغربية الدور الأكبر في هذا المجال؛ لأنها لا تجد دعما لدورها من المجتمع المحيط بمؤسساته التربوية والثقافية؛ بل تعترضها من التحديات في البيئة الإجتماعية ما يزيد من تعقيد دورها ووظيفتها.
وهنا يأتي دور تعليم الأبناء اللغة العربية كوسيلة يمكن من خلالها أن تورث رصيدها من المبادئ والقيم الإسلامية للأجيال الجديدة التي وجدت نفسها منصهرة بصورة أكبر في المجتمع الأوربي, من دون أن تعزلهم عن مجتمعهم الذي يعيشون فيه وينتمون إليه.
و قد استغلت الجمعيات الدينية الفراغ التعليمي لتدريس اللغة العربية ليصبح وسيلة للاسترزاق من بعض المساجد التي طورت وسائل بحثها عن المال بواسطة إعطاء دروس بدون أي مستوى تأهيلي و لا أساتذة مؤهلين لذلك ، أصبح صاحب الجمعية مديرا تربويا يتقاضى راتبا شهريا ، يستغل الاموال التي فرضت على مغاربة العالم لتدريس ابنائهم لغة بلادهم .
و حسب بعض افراد الجالية الذي فضل عدم ذكر إسمه و الذي صرح لأخبارنا الجالية بطريقة عمل مسجد النصر بفيلفورد و الذي سجل فيه فيما قبل اطفاله « كانت إدارة المسجد تفرض على الاباء قبل تسجيل أبنائهم مبلغ 250 € عن كل طفل زيادة على ضريبة أخرى تقدر بمبلغ 125 € ابتدعوها اصحاب المساجد و المعروفة بإسم الشرط على المصلي ».
« و رغم كل هذه الاموال التي تصرف في سبيل تدريس اطفالنا الا أن المستوى رديء و معاملة المدرسين مع الاطفال بعيدة كل البعد عن المنهج التربوي ، حيث أن الاشخاص الذين يعطون الدروس ليسوا بمعلمين و لا علاقة لهم بالتعليم ، هم فقط اشخاص يفقهون شيئا ما في اللغة العربية تمكنهم ادارة المسجد ليصبحوا معلمين لسد الفراغ و اعطاء دروس ليست من اختصاصهم ، حتى أن بعضهم أجبر بنتي على إرتداء الحجاب رغما عنها .»
و حسب بعض المعطيات التي توصلت بها اخبارنا الجالية و التي تأخد كمثال مسجد النصر بفيلفورد شأنه شأن باقي المساجد ، فهذا الاخير يفرض الشرط الذي يقدر ب 125 € على 800 مصلي مما يمنحه دخل سنوي يقدر ب 100 ألف € زيادة على واجب تعليم اللغة العربية الذي يقدر كذلك بمبلغ 250€ عن كل طفل مع العلم أن عدد المسجلين يفوق 725 طفلا ليكون مجموع واجب التعليم 181250€ .
ناهيك عن الاموال التي تجمع بين الصلوات و في صلاة الجمعة و الاعياد و في شهر رمضان و كذلك من خلال المباشر على وسائل التواصل الاجتماعي ، مما يرفع من مداخل المسجد الى ازيد من 300 ألف € سنويا .
مما يدفع جميع المسلمين للبحث عن الوسائل التي تصرف فيها هذه الاموال و من المستفيد من التبرعات و النذور مع ضرورة تدخل رقابة الاموال البلجيكية لتجنب استخدامها في التطرف و الارهاب .
و حسب الصحفي بوشعيب البازي الذي صرح لنا أن « تزايد عدد المدارس التي تدرس اللغة العربية تثير مخاوف السلطات المحلية، إذ دعت إلى ضمان أن يقوم الآباء بإرسال أطفالهم إلى مدارس آمنة المباني، والتحقق من أن العاملين في هذه المدارس ليست لديهم سوابق جنائية، والنظر في نوعية المناهج الدراسية الخاصة بهم، لأن أكثر تلك المدارس غير مسجلة لدى هيئة التعليم.
وحذر البازي من الأمية التربوية التي يعاني منها القائمون على بعض هذه المدارس وعدم إلمامهم بأساسيات أمور التربية لا سيما تعليم اللغات.
و أكد أن مدارس نهاية الأسبوع تعاني من أزمة عدم التوافق بين الحاجة الكبيرة لخدماتها والمستوى المتدني لجودة الخدمات التي تقدمها أغلبيتها.
وحسب الصخفي المهتم بشؤن الجالية فإن المستوى المتدني لهذه المدارس يعود إلى أسباب كثيرة، على رأسها شح الموارد بشقيها البشري والمادي.
وقال البازي إن الإقبال على هذه المدارس أفرغ الساحة من المنافسة، الأمر الذي حدّ من دافعية هذه المدارس نحو التطور.
وأوضح أن الجهل بأساسيات الأمور التربوية، ككيفية تعلم اللغات، يجعل تلميذ مدرسة آخر الأسبوع بالمساجد يكتسب اللهجةَ العامية بدل الفصحى في مرحلة يكون فيها على قمة الاستعداد لاكتساب أكثر من لغة فطريا، وفي بعض الحالات لا يتعلم حتى لهجته.
توصيات
ودعا الصحفي بوشعيب البازي الأهل والمدرسة إلى أن يعملوا على إكساب الطفل اللغة الفصحى،خاصة أن الطفل في مرحلة الاكتساب الفطري للغة قادر على تعلم أكثر من لغة.
وأكد أنه لا بد من الجودة والتخطيط والتنظيم والعمل وفق معايير محددة، وأن تكون مدرسة نهاية الأسبوع فعالة ويجب أن تتسم بالمهنية وتكون بيئة تربوية آمنة ومناخا اجتماعيا ونفسيا جيدا للمتعلم والمعلم على حد سواء.
وشدد البازي على ضرورة أن تعمل المدرسة تحت إدارة تربوية تمتلك وضوحا كاملا في المهام المكلف بها موظفو المدرسة، وبمنهج مناسب يصب في مقررات تخدم أهدافا تربوية واضحة، وأن تمتلك لوائح وقوانين فعَّالة تتميز بسلوكيات إيجابية للجميع وأن يكون لها علاقات وطيدة ومفيدة بأسر التلاميذ.
وأشار إلى أن المخرج من مصيدة الارتجالية وعدم المهنية يتمثل في إيجاد مرجعية لمدارسآخر الأسبوع على شكل مؤسسة لها رؤية ورسالة وأهداف واضحة ولها القدرات والمهارات والإرادة لتطوير هذه المدارس، وأن توجه وتدرب وترشد وتقيم وفق معايير علمية ثابتة.
وختم البازي قائلا إن البعض قد يحتج على هذه الفكرة بدعوى أن هناك خليطا من الثقافات رغم وحدة عاملي الدين واللغة، ويرد على ذلك بأن هناك عوامل عامة مشتركة مثل جودة الأداء وتقييمه والمناهج والتعاون بين المدارس وتبادل الخبرات، ويجب أن يكون التركيز على القضايا المشتركة.
ويشير إلى أن هناك أمثلة مذهلة من المدارس الممتازة والفعالة على الأقل بالمقارنة. ولذلك يجب إعادة قراءة وضع مدارس آخر الأسبوع بموضوعية وحياد بهدف تحديد كيفية العمل في تطويرها بالأساليب المناسبة.
و أخيرا, يعتبر النهوض بعملية تعليم اللغة العربية أمرا استراتيجيا يهدف الحفاظ علىالهوية المغربية للأجيال القادمة و ذلك عبر تطوير الاتفاقيات الثنائية المبرمة بين المغرب والبلدان المستقبلة للمهاجرين, مضاعفة عدد الحصص المخصصة خلال الأسبوع و الزيادة في عدد الأساتذة التابعين لمؤسسة الحسن الثاني , كما أنه من الضروري توعية الآباء المقيمين في بلاد المهجر بأن يوظفوا اللهجات المغربية داخل بيوتهم و بين أفراد أسرهم.