عبّر المجلس الوطني لحقوق الإنسان في المغرب عن تخوفه من مقتضيات تضمنها مشروع قانون يتعلق بتنظيم وتدبير المؤسسات السجنية شرع البرلمان في مناقشته، مشيرا إلى أنه “يثير مجموعة من الملاحظات، التي رغم طابعها الشكلي، إلا أنها لا تخلو من تأثير على مضمون المشروع ووضوح مقتضياته”.
وسجل المجلس غياب ديباجة لنص مشروع القانون، علما أن الديباجة تضطلع بدور مهم في فهم أهداف القانون والدواعي التي دفعت المشرّع إلى سنّها، لافتا إلى أنه رغم وجود مذكرة تقديمية مرفقة بالمشروع إلا أنها لا يمكن أن تحل محل الديباجة وتظل غير ملزمة من الناحية القانونية.
وعلى المستوى الشكلي عبّر المجلس عن انشغاله بالمخاطر التي ينطوي عليها استعمال عبارات من قبيل “يجوز”، “إلا عند الضرورة”، “حسب الإمكانيات المتاحة”، “في حدود الإمكان”، “حسب الإمكان”، “قدر الإمكان”، “النظام والأمن”، مؤكدا أنها “تمنح للإدارة سلطة تقديرية واسعة قد يساء استخدامها، وتنزع الطابع الإلزامي عن بعض الحقوق الأساسية للسجناء، ويحوّل التزام الدولة لحماية حقوق السجناء من التزام بالنتائج إلى مجرد التزام بالوسائل”.
ونبّه مجلس حقوق الإنسان إلى إشكالية غموض مفهوم “النظام والأمن” ضمن النص التشريعي الذي قد يمنح مدير المؤسسة السجنية صلاحية منع أيّ معتقل من الحصص الرياضية بقرار معلل لأسباب تتعلق بالنظام والأمن، دون أن يوضح دلالة هذين المصطلحين، مسجلا أنه “من شأن هذا الغموض أن يمسّ بحق تمتع المعتقل بحصص التربية البدنية والرياضة والتي تعد جزءا مهما من النظام الصحي والنفسي”.
وأشار المجلس إلى كثرة الإحالات على نصوص تنظيمية مكملة للقانون، يرتبط معظمها بتفعيل الحقوق الأساسية للمعتقل، وأوضح أنها تطرح إشكاليات عديدة مرتبطة بآجال إخراج هذه النصوص إلى حيز الوجود وضمان انسجامها مع المعايير الدولية ذات الصلة بحماية حقوق السجناء.
وناقشت لجنة العدل والتشريع بمجلس النواب المغربي (الغرفة الأولى في البرلمان)، الثلاثاء، مشروع قانون جديد ينظم المؤسسات السجنية في البلاد.
ويمنع هذا المشروع إيداع أيّ شخص في مؤسسة سجنية، دون سند من سندات الاعتقال المنصوص عليها في القانون المتعلق بالإجراءات الجنائية. وينص على أنه يعدّ إيداع شخص أو الاحتفاظ به بالمؤسسة السجنية، دون سند قانوني، اعتقالا تعسفيا ويعرّض مرتكبه للعقوبات المنصوص عليها في القانون الجنائي.
وتم التنصيص في مشروع القانون على معاملة جميع المحرومين من حريتهم معاملة إنسانية، تحترم الكرامة الأصلية في الشخص الإنساني، وعلى فصل الأشخاص المعتقلين احتياطيا عن الأشخاص المدانين، والأحداث عن البالغين. وبصفة عامة، معاملة المسجونين معاملة يكون هدفها الأساسي إصلاحهم وإعادة تأهيلهم الاجتماعي.
وبمقتضى نص القانون، يُمنع على الموظف استعمال القوة تجاه المعتقل إلا في حالة الدفاع الشرعي عن النفس، أو عند محاولة الهروب، أو عند إلقاء القبض على المعتقل الهارب أو عند المقاومة باستعمال العنف، أو عند عدم الامتثال للأوامر القانونية، وفي حال اللجوء إلى استعمال القوة يجب أن يراعى مبدأ التناسب وينحصر في حدود ما هو ضروري للسيطرة على المعتقل.
وقال مصطفى بايتاس الناطق الرسمي باسم الحكومة إن “هناك قوانين يتم الاشتغال عليها مثل قانون السجون، والمتعلقة بالسياسة الجنائية، تأتي بحلول للمشاكل التي تعرفها السجون”.
مشروع القانون الجديد يمنع إيداع أيّ شخص في مؤسسة سجنية، دون سند من سندات الاعتقال المنصوص عليها في القانون المتعلق بالإجراءات الجنائية
وأضاف في تصريح إعلامي “هناك خطوات مقبلة لتأخذ هذه المؤسسات إطارا يتناسب مع القوانين والقيم المنصوص عليها في الدستور”.
وسجل عدد سجناء المؤسسات السجنية في المغرب رقما قياسيا، حيث بلغ إلى غاية أغسطس الماضي أكثر من 100 ألف سجين، في حين أن طاقة استيعاب السجون لا تتعدى 64 ألفا و600 سرير، وفق المعطيات الرسمية الصادرة عن المندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج.
وركزت أمينة بوعياش رئيسة المجلس الوطني لحقوق الإنسان، في تصريح صحفي على أننا “نتعاون مع كافة المؤسسات كي يتمتع المواطن أينما كان بحقوقه، سواء لجأ إلى المحكمة، أو تم اعتقاله من طرف الشرطة أو الشرطة القضائية، أو داخل المؤسسة السجنية”.
وشددت على “ضرورة أن يفهم المواطن المغربي والفاعلون أن هذا هو الغرض من الاشتغال على هذه الملفات”، مؤكدة في تصريحات صحفية أننا “اليوم أصبحنا أمام مؤسسات تتشابك بشكل عرضاني كي تمكن من احترام الديمقراطية وحقوق الإنسان”.
ولتعزيز الحقوق داخل المؤسسات السجنية، يحظر مشروع القانون “استخدام أدوات تقييد الحرية من أصفاد وقيود لمعاقبة المعتقل إلا استثناء وبأمر من مدير المؤسسة السجنية أو بناء على تعليمات الطبيب”.
وأكد عبداللطيف رفوع رئيس المرصد المغربي للسجون أن “المغرب أصبح يلائم القوانين الوطنية مع الاتفاقيات الدولية التي صادق عليها، ففي ما يتعلق، مثلا، بقضاء العقوبة الذي يركز على التدابير الإصلاحية بالدرجة الأولى، أي إعادة تأهيل الحدث، فإذا كان الحدث يدرس يتمّ تمكينه من إتمام دراسته، وإذا لم يكن يدرس يتم توفير تكوين معين له من أجل مساعدته على الاندماج في المجتمع بعد قضاء مدة عقوبته”.
ولمعالجة الثغرات الشكلية المذكورة، أوصى المجلس الوطني لحقوق الإنسان بتدقيق لغة المشروع المتعلق بتدبير المؤسسات السجنية، ووضع تعريفات دقيقة لعبارات ”المؤسسة السجنية”، “النظام والأمن”، “مراكز الإصلاح والتأهيل”، “المؤسسات السجنية ذات نظام شبه مفتوح”، مطالبا باستبدال كلمة “لا يجوز” بمصطلح “يمنع “ في جميع مواد مشروع القانون المرتبطة بفعل أو تدبير أو إجراء من قبل الموظف أو المؤسسة السجنية أو الإدارة المكلفة بالسجون أو أيّ شخص آخر، من أجل ضمان التحقق من عدم تعرض المعتقل لأيّ نوع من التعسف أو المعاملة المهينة الماسة بالكرامة الإنسانية.