الناشط الحقوقي المغربي محمد الغلوسي يحذر من حدوث تلاعبات وفساد في إحصاء المنكوبين ومنازلهم وحصر حجم الضرر وتكلفته
في موازاة مع التضامن الكبير الذي أبداه المغاربة تجاه تداعيات زلزال “الحوز” على مستوى مختلف المساعدات، وكذا العمل الميداني الذي قامت به فرق الجيش والحماية المدنية والكوادر الطبية والجمعيات الأهلية وغيرها، أعربت عدة هيئات حزبية وشخصيات حقوقية مغربية عن مخاوفها من تكرار سيناريو ما أسمته “تلاعبات في مساعدات زلزال مدينة الحسيمة لعام 2004″، في ملف إعادة إعمار منطقة “الحوز” والنواحي، خاصة في الشق المتعلق بجميع المساعدات المالية وتوزيعها على مُستحقّيها من المتضررين. كما دعا نشطاء إلى التعجيل بإصدار النصوص التنظيمية للقانون رقم 18.18 بتنظيم عمليات جمع التبرعات من العموم وتوزيع المساعدات لأغراض خيرية.
أسبوعية “الأيام”، من جهتها، نشرت في عددها الجديد تحقيقاً بعنوان “دقّت ساعة المُساءَلة”، حيث انتقلت من الريف إلى الأطلس لتكشف عن “خرائط شريط البؤس التي عرّتها الفواجع”، متسائلة أيضاً “أين تبخرت 5000 مليار المرصودة لتنمية ما كشفت الفاجعة أن لا تنمية فيه؟”، وحاولت تلمّس عناصر الإجابة عن السؤال من خلال “رحلة في دروب دواوير (قرى) الفاجعة المنسية”.
وأكّد “الحزب الاشتراكي الموحد” أن التعاطي مع ما أسفر عنه الزلزال لا ينبغي أن يكون ظرفياً فقط، مشدداً على أن “إنجاز المهام المطلوبة يستلزم النَّفس الطويل مع وضع استراتيجية مُحكمة، وتحديد الأولويات لتوفير كافة الحاجيات والمتطلبات التي يمكن أن تساعد على مواجهة الأوضاع القادمة، وعلى رأسها إنقاذ اليتامى من الضياع والإسراع بإعادة التمدرس”.
كما حثّ الحزب، على ضرورة الحفاظ على جمالية المساكن العتيقة والعمل على تحصينها وتحديث بنائها مع توفير الخدمات العمومية والبنيات التحتية وشبكات الكهرباء والماء الصالح للشرب والتطهير، ومختلف المصالح والمرافق الأساسية وفكّ العزلة على المناطق النائية، مؤكداً على ضرورة “وضع مخطط متكامل للنهوض بالعالم القروي (الأرياف) والمناطق الجبلية وبكلّ الجهات والمناطق المهمشة من المغرب، وتحقيق العدالة الاجتماعية والمناطقية مع تأمين التعليم والصحة والسكن اللائق ومتطلبات العيش الكريم”.
من جانبه، حذَّر رئيس “الجمعية المغربية لحماية المال العام” محمد الغلوسي، من حدوث “تلاعبات وفساد في إحصاء المنكوبين ومنازلهم المهدمة كلياً أو جزئياً وحصر حجم الضرر وتقييم تكلفته”.
وقال متحدثاً “نحن أمام مرحلة أخرى من مراحل تدبير تداعيات زلزال الحوز، فبعد الجهود التي بُذلت على مستوى الإنقاذ والإسعاف، نحن اليوم أمام مرحلة مهمة ومفصلية، حيث يتعلق الأمر بإعادة الإعمار والإيواء وتوزيع الدعم على الضحايا ومنكوبي الزلزال”.
وتابع قوله: “هي مرحلة غاية في الأهمية، على اعتبار أن هذا البرنامج الاستعجالي الموجه للضحايا، سيهم جوانب أساسية تتعلق بالجانب المادي، وتوزيع الدعم والمساعدات وإعادة الإعمار وإحصاء السكان والمنازل المتضررة، وحصر حجم الضرر وتقييم تكلفته”.
وأعرب المحامي المغربي عن تخوفاته من أن تمتد بعض الأيادي إلى هذا البرنامج الذي تبقى غايته وأهدافه نبيلة، وأن يتم تحريفه عن أهدافه وغايته، وأن تسعى بعض الجهات والأشخاص عند مستوى الإحصاء أو حصر الضرر أو المنازل التي ستستفيد من التعويض، إلى التلاعب، وأيضاً على مستوى بعض الصفقات الموجهة سواء للبنيات التحية والخدمات العمومية وإعادة الإيواء.
وأوصى الغلوسي أن تكون المؤسسات العمومية متيقظة للتصدي الاستباقي لأية محاولات ترمي إلى تحريف البرنامج عن أهدافه والتلاعب في الأموال المُخصصة له، وتفادي تكرار تجارب سابقة، وتابع: “نحن نُحذر ونُنبه من البعض الراغب في استغلال الأزمة والاغتناء على حساب المصالح العليا للوطن، ممن يمكن أن تكون لهم نية مُبيتة للاستيلاء على الأموال”. ويرى رئيس “الجمعية المغربية لحماية المال العام” أن من واجب كل المؤسسات المعنية أن تكون حذرة ويقظة وأن تتصدى بحزم لكل المحاولات الرامية إلى إفساد البرنامج، خاصة وأن الدولة تتوفر على كل الإمكانيات والآليات لضبط المتلاعبين المحتملين حتى لا تتكرر نفس الملاحظات الموجهة لبرامج أخرى مثل زلزال الحسيمة، وأن يصل الدعم إلى المعنيين به، وحتى لا يضطر المجتمع إلى تسجيل ملاحظات والاحتجاج على تلاعبات.
وختم المتحدث كلامه موصياً المجتمع المدني بأن يبقى متيقظاً، وأن تعمل ساكنة تلك المناطق على التبليغ عن أي تجاوزت، وأن يقوم الإعلام والمجتمع المدني بمراقبة العملية إلى جانب مؤسسات الدولة، مع توظيف مختلف الآليات للحرص على أن تأخذ هذه الأموال مجراها الطبيعي وأن تصل إلى المستفيدين منها.
في سياق متصل، دعت نقابة “الاتحاد الوطني للشغل بالمغرب” إلى “مراجعة البرامج التنموية الموجهة للمنطقة المنكوبة بالزلزال الذي ضرب أقاليم الحوز وشيشاوة وتارودانت وباقي المناطق المتضررة”.
وشددت على “ضرورة ترسيخ قيم الشفافية والنزاهة والمقاربة التشاركية في تنزيل الإجراءات المعتمدة قصد إعادة إعمار المجالات المعنية مع ضرورة تبني برامج تنموية مجالية مستدامة، تعيد الاعتبار للمعطى البشري، وفق مقاربة استشرافية قادرة على توفير بنية تحتية صلبة تعجل بتجاوز الصدمة ومخلفاتها النفسية والاجتماعية والاقتصادية والإنسانية، وتضمن حق ناشئتها في التمدرس الجيد والسكن والاستشفاء وشبكات الولوجية (الطرقية والإلكترونية والماء الشروب والكهرباء والتطهير…)، وتحافظ على الهوية المعمارية للمناطق المنكوبة ونمط عيشها”.
المنظمة النقابية الموالية لحزب “العدالة والتنمية” المعارض طالبت الحكومة المغربية ومختلف المؤسسات والتنظيمات المدنية والسياسية والحقوقية بـ”ضرورة ترصيد قيم التضامن والتآزر والمواساة التي عبر عنها المغاربة، سواء من خلال مواكب الدعم المستمرة أو من خلال حملات التبرع بالدم التي فاقت كل التوقعات، والعمل على ترسيخ هذه القيم كإرث للأجيال القادمة عبر ضمان تعليم ذي جودة ويحقق الإنصاف وتكافؤ الفرص بين كل فئات المجتمع، وخصوصاً ناشئة المناطق الهشة والنائية والصعبة”.