من المغرب إلى ليبيا: من ينقذ الأبرياء من غضب الطبيعة!
بالأحلام والآمال نمضي في الحياة، في رحلة قد تمتلئ بأضواء الفجر، وأحياناً كثيرة تنطوي في ثنايا لياليها الحالكة، لكن حين تمتد هذه ليلة بعد ليلة، وخيبة بعد أخرى، ومصيبة فوقها مصيبة أشرس منها، تصبح الأنوار بأفراحها وآمالها مجرد فكرة غائبة تافهة. فكرة لا لون لها ولا رائحة تنبعث منها ولا معنى تنبض به.
إنه زمن العجز بكل ما يحتويه من خيبات، فالعجز هو الشعور الحقيقي الوحيد، الذي نعيشه جميعنا. عجز أمام أوجاع الآخرين. وعجز في تغيير الواقع أو التأثير ولو قليلاً على أحداثه الكارثية. فما نفع الكتابة والكتاب والمقالات والأبحاث والندوات والعلوم جميعها، حين يغرق العالم كله وبشكل كامل داخل دمعة مكثفة كبيرة. لقد أصبحنا من أتباع اللطم والقهر والبكاء والفجيعة.
حتى الكتابة ما عادت تشفي جروحنا الغائرة. وما عادت تنبعث من جروحها الأضواء. لقد أنهكت أرواحنا وتشردت في دواخلنا الكلمات، وأصبحنا عبارة عن نصوص فارغة من كثرة ما استنزفتها الآلام!
إن ذاكرتنا، التي أجهضت الفرح فوق ناصيات شوارعنا العربية، وانهزمت على مرأى من العالم كله، حُبلى منذ أعوام طويلة بكتيبة من الأحزان. تمشي مثقلة. تقع أحياناً وهي تتمسك بالفراغ، لتستيقظ في كل مرة على ركلات أحزانها.
من أين نبدأ؟ هل من مغربنا الملكوم والموجوع، الذي ضربه زلزال مدمر أسقط ما يزيد عن 2681 قتيلاً وقضت بسببه آلاف العائلات المغربية لياليها في العراء. زلزال وصفته الـ»صنداي تايمز» أنه يوازي قوة 30 قنبلة ذرية.
قصص تُبكي الحجر انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي، وتناقلها رواد الـ»سوشيال ميديا» في سيل من الدموع والآلام.
أمهات مفجوعات يصرخن بحرقة: أولادنا لا يجدون ما يأكلون!
عائلات مغربية عديدة باتت تفترش الشوارع، بعد أن سقطت منازلها وخسرت كل ما تملكه.
هناك من أمام ركام حيّها تقف امراة لا تعرف بقايا منزلها من بقايا منازل جيرانها. لقد هدم الحي بالكامل، حتى اختفت معالمه. تقف منهارة، وهي ترتعش من رأسها حتى أسفل قدميها، وكأنها على وشك أن تتساقط وتهوي مرة واحدة، كما تساقطت معالم الحياة في بلدتها. تبكي وتندب أفراد عائلتها العشر، الذين ماتوا جميعهم ولم يبق منهم أثر.
هل نخبركم عن ذلك الطفل، الذي كان يقف وقد أسقط الحزن وجهه، وهو بالكاد يتلفظ بجملته اليتيمة، التي تعثر بها مئات المرات، وهو يحاول استيعاب كلماتها قبل أن تخذله المعاني ويعجز عن هضمها: «ماتت أمي وجدتي وإخواني وبقيت وحدي»؟!
هل نحكي لكم كيف وقف رفاقه الصغار مرعوبين ليودعوا أهلهم، وهم لا يفهمون ما معنى الموت. هل الموت رحلة قصيرة ينام فيها الأشخاص لفترة زمنية محددة، ثم يعودون ليحضنوا أبناءهم من جديد؟ هل الموت شبح هبط على المدينة وحين يغادر ستستيقظ الحارات من غبارها، وتعود كما كانت؟ هل الموت يعني الوداع الأخير، وما معنى الوداع الأخير؟ وكيف تموت الأمهات والآباء في لحظات؟ وكيف تنطفئ القناديل في الحارات؟ آلاف الأسئلة المعقدة قد تداهم هؤلاء الصغار وتخنق أنفاسهم وتعذبها بشدة وتلغي طفولتهم .
آلاف المتضامنين في البلدان العربية والعالم عبروا عن محبتهم ودعمهم للمغرب الحزين. من مشاهير ومؤثرين وأندية رياضة ومنظمات إنسانية. كما تدافعت المبادرات الفردية في محاولة لبث الحياة من جديد في الأحياء المدمرة ومساندة من بقي من سكانها.
ويبقى السؤال: هل الزلزال المغربي صفعة قوية جديدة لتصحو إنسانية العالم من غفوتها العميقة؟
ولكن كم من صفعة نحتاج؟ لقد أتعبتنا الحياة كثيراً حتى أشبعتنا ألماً. نعم لقد ذاكرنا وحفظنا دروس العذاب جميعها.
«دانيال» يدمر ليبيا
لم تمر أيام على زلزال المغرب لنسمع بكارثة جديدة تُلبس ليبيا وأهلها الأسود. إنها العاصفة «دانيال». هكذا اجتاحت مدناً ليبية عديدة، وجرفتها كما هي إلى البحر، لتترك جثث آلاف الأشخاص مكدسة على الطرقات في مشهد لا يمكن تصديقه.
أحياء كاملة اختفت بسكانها، تماماً كأنها لم تكن يوما.
آلاف القتلى والمفقودين، جراء السيول الجارفة، التي اجتاحت مناطق واسعة وخلفت وراءها دماراً مرعباً، بعد انهيار سدين في جنوب درنة بسبب العاصفة. لقد كان لمدينة درنة الليبية الحصة الأكبر من الدمار المخيف. وكذلك مدن البيضاء والمرج وطبرق والبياضة وبنغازي.
وقد توقع وزير الصحة تجاوز ضحايا السيول 10 آلاف قتيل.
أما الإعصار فقد تغذى من دماء الليبيين، الذين لم يعرفوا له مثيلاً عبر التاريخ، وهو الآن يهدد الساحل المصري ومدينة الإسكندرية تحديداً.
هل هناك من كارثة أكبر؟ وهل الكرة الأرضية العجوز تلفظ أنفاسها الأخيرة؟ ماذا يحصل في عالمنا المتعب من شروره؟ هل الطبيعة انقلبت على ذاتها بعد محاولاتنا الكثيرة في ايذائها؟ وكأن الطبيعة تعلن اليوم ثورة مفتوحة على البشرية؟
تعجز الكلمات في تعزية أشقائنا في المغرب وليبيا. وندعو الله أن يلطف بنا.
ولا نعرف أي شعور أقوى، هل هو الحزن أم العجز أم الخوف من الآتي؟!