زلزال فقراء المغرب: وجعكم وجعنا!
مادت الأرض في منطقة الحوز التي تعدّ سلّة غذاء المغرب في الساعة 23:11 من يوم الجمعة الماضي حين ضربها الزلزال الأكبر من حجمه في المغرب منذ 100 عام (7 درجات على مقياس ريختر) حاصدا في طريقه، آلاف القتلى والجرحى، ومئات آلاف المشردين وعشرات القرى المدمّرة.
شعر بالهزة الأرضية سكان المدن الواقعة في محيط 400 كيلومتر من قرية إيغيل قرب مدينة مراكش، التي تعتبر مركز الصدع، بما في ذلك سكان مناطق غير مغربية مثل الجزائر والبرتغال واسبانيا، كما حصلت هزة أرضية بقوة 2.9 درجات في ولاية بجاية الجزائرية.
ذكر الزلزال الأخير المغربيين بزلزال أغادير عام 1960، والذي وقع قرابة الوقت نفسه لزلزال الحوز (23:40) ورغم أنه كان أقل حجما على مقياس الزلازل (5.7 درجات) فقد قتل حوالي خمسة عشر ألف شخص، كما ذكر بزلزال الحسيمة (شمال البلاد) الذي حصد 628 ضحية، وكانت طبيعة الأبنية المبنية من الطين ومواد لا تتوافق مع قواعد مقاومة الهزات الأرضية في هذه الزلازل الثلاثة (إضافة لعوامل أخرى فيما يخص أغادير) أحد أسباب الارتفاع الكبير في عدد الضحايا، وهو ما يجعل «الفقراء يموتون أولا» كما أشار مقال للكاتب المغربي ـ الفرنسي الطاهر بن جلون، لأنهم يعيشون في بيوت يبنونها بأيديهم بمواد هشة لا تحميهم من غضب الطبيعة.
ولأن الطبيعة لا تعترف بالحدود السياسية للدول، فلابد من التذكير أيضا بزلزال الجزائر عام 1908 في ولاية الشلف، وكان بشدة الزلزال الأخير في المغرب (7 درجات) وأدى حينها لتدمير 80 في المئة من مدينة الأصنام، وخلّف خسائر بشرية تقدر بعشرة آلاف شخص، بينهم 2633 قتيلا. جدير بالذكر أيضا أن السلطات الفرنسية أعلنت مقتل أربعة من مواطنيها وإصابة 15 آخرين في زلزال المغرب.
يفترض بالصدع الكبير الذي أدى لزلزال الحوز ومراكش أن يفتح بابا، ولو صغيرا، للأم الجروح السياسية، وللانتباه لسخف الحدود الجغرافية والثقافية، وخصوصا بين المغرب والجزائر، البلدين اللذين يعاني شعباهما الشقيقان من إغلاق الحدود الكامل (وفقد مغربيان ـ فرنسيان مؤخرا حياتيهما بسبب دخولهما بالخطأ الحدود البحرية للجزائر) وكان طبيعيا أن تعلن الجزائر فتح مجالها الجوي لتسهيل وصول المساعدات الإنسانية لإغاثة ضحايا الزلزال، كما أعلن بيان رئاسي فيها استعدادها التام «لوضع كافة الإمكانيات المادية والبشرية تضامنا مع الشعب المغربي الشقيق».
كان طبيعيا أيضا أن تعلن الدول العربية وكذلك حكومات العالم القريبة والبعيدة عن أشكال تعاطفها وعزائها أو مباشرتها بالمساعدة، وأن نجد بين هؤلاء بابا الفاتيكان الذي يصلّي للضحايا، واللاعب البرتغالي كريستيانو رونالدو الذي يواسي أهاليهم، وأن يقوم رسام سوري برسم جدارية على أحد المباني الذي قصفته زلازل السياسة في مدينة إدلب يقول فيه للمغاربة «وجعكم وجعنا».
ضمن هذه القصة الكبيرة يسطّر الناس المفجوعون قصصهم الصغيرة التي تتركز فيها المعاني الإنسانية، مثل قصة إحدى المعلمات التي تكتب على وسائل التواصل الاجتماعي أنها فقدت كل تلاميذها.
إضافة إلى ضحاياه البشرية، فقد ضرب الزلزال مباني موجودة على قائمة اليونسكو للتراث الإنساني، وبينها جامع الفنا الشهير، في مراكش، حيث تشير مراسلة بريطانية إلى أن «مكبّر الصوت الذي يُرفع به أذان الجمعة انهار».
ما يبقى من هذه القصص هو التعاطف الحقيقي الذي ينشأ بين المغاربة أنفسهم، الذين هرعوا للتطوّع بدمائهم، ولمساعدة إخوتهم على إخراج العالقين تحت الأنقاض، وكذلك التعاطف الحقيقي بين المغاربة ونظرائهم في الإنسانية، عربا وأجانب، وتبقى الدروس التي يفترض بالدول والشعوب أن تتعلمها كي لا تتكرر المأساة.