تقارب إسبانيا مع المغرب خيار إستراتيجي لا تراجع عنه
مهما كان الحزب الذي سيقود الحكومة الإسبانية المقبلة فإن العلاقات مع المغرب لن تتراجع باعتبار أن التقارب بين البلدين يعد خيارا إستراتيجيا للدولة غير مرتبط بوجود حكومة بيدرو سانشيز.
عكست تصريحات وزير الخارجية الإسباني خوسيه مانويل ألباريس أن التقارب مع المغرب خيار إستراتيجي لا يمكن التراجع عنه حتى لو جاءت حكومة جديدة.
وتجري المفاوضات حاليا بين الأحزاب الإسبانية لتشكيل حكومة جديدة بعد الانتخابات التشريعية التي لم يحصل فيها أي حزب على الأغلبية.
وأكد ألباريس “نجاح خارطة الطريق” المتفق عليها بين إسبانيا والمغرب، لافتا إلى “النتائج الجيدة للمرحلة الجديدة من العلاقات القائمة بين البلدين”.
وشدد ألباريس في مقابلة مع وكالة الأنباء الإسبانية “يوروبا برس”، نشرت الأحد، على أن “خارطة الطريق مسلسل والتزام طويل الأمد بين البلدين”.
ويقول مراقبون إنه مهما كان الحزب الذي سيقود الحكومة المقبلة، لن يؤثر على العلاقات بين مدريد والرباط نظرا للالتزام الحاصل بين الدولتين الذي تعزز بالإعلان المشترك في الرباط الموقّع في فبراير الماضي، خصوصا بعد التوافق على مجموعة من الملفات والاتفاقيات في مجالات متعددة.
وكان ألبرتو نونيز فيجو، رئيس الحزب الشعبي الذي كلفه الملك فيلبي السادس بتشكيل الحكومة، بعد حصوله على أكبر عدد من المقاعد في البرلمان، قد أكد الأسبوع الماضي أنه إذا وصل إلى قصر مونكلوا، فإن أولويته الأولى ستكون إقامة علاقة “ممتازة” مع المغرب و”مستقرة وشفافة”.
وأكد نبيل الأندلوسي، رئيس المركز المغاربي للأبحاث والدراسات الإستراتيجية، أن العلاقات المغربية – الإسبانية من حيث التوجهات الإستراتيجية هي ثابتة عموما وتخضع لمنطق التراكم التاريخي في بلورة المواقف، ومن الصعب على أي حزب يتولى رئاسة الحكومة اتخاذ أي موقف يمكنه المس بالمصالح الإستراتيجية الإسبانية، مشيرا إلى أن الاعتراف بمغربية الصحراء مثلا هو قرار ذو بعد إستراتيجي واتخذ من طرف الجانب الإسباني في سياق هذا التراكم التاريخي الإيجابي في العلاقات بين البلدين، وفي سياق دولي أطره الاعتراف الأميركي، والتراجع عنه سيبقى مغامرة مهما كان قائد سفينة الحكومة الإسبانية.
وأضاف الأندلوسي في تصريح لـه، “لن يتم المساس بالمواقف والاتفاقيات ذات البعد الإستراتيجي باعتبارها قرارات دولة، لاعتبارات عديدة تتمثل في أن القضايا ذات الأولوية بالنسبة لليمين الإسباني ستكون في هذه المرحلة المقبلة، هي الأمن، الهجرة والاقتصاد بما فيه تجديد اتفاقية الصيد البحري مع المغرب.
وفي هذا السياق نوه ألباريس بانخفاض عدد المهاجرين الوافدين على السواحل الإسبانية مقارنة بإيطاليا أو اليونان، و”أرقام التجارة التي تستمر في النمو بشكل كبير شهرا بعد شهر”، و”التعاون الاستثنائي في مكافحة الإرهاب”.
ويخوض المغرب حربا ضد أفراد شبكات التهريب القادمين من بلدان أفريقيا جنوب الصحراء، الذين يقصدون شمال البلاد، لركوب أمواج البحر في اتجاه إسبانيا.
وتمكنت عناصر الدرك الملكي التّابعة للقيادة الجهوية بالنّاظور منتصف شهر أغسطس الماضي، من إجهاض محاولة للهجرة السّرية وتفكيك الشبكة المنظمة، وأسفرت العملية الأمنية عن حجز قارب من نوع “فانوتوم” ومعدّات بحرية متنوّعة، إضافة إلى مبالغ مالية مهمّة يرجح أن تكون من عائدات عمليات الهجرة السّرية.
كما تمكن خفر السواحل التابع للبحرية الملكية من توقيف قارب يواجه وضعية صعبة على متنه 194 مهاجرا غير شرعي.
ألبرتو نونيز فيجو رئيس الحزب الشعبي يؤكد أنه إذا وصل إلى قصر مونكلوا فإن أولويته الأولى ستكون إقامة علاقة ممتازة مع المغرب ومستقرة وشفافة
ويرى مرصد الشمال لحقوق الإنسان أن “المقاربة المغربية في مجال الحد من الهجرة غير النظامية تستند على ركيزتين أساسيتين، أولاهما الركيزة القانونية – القضائية، من حيث التعديلات التي يدخلها المغرب على القانون الجنائي والتشديد في الجزاءات على شبكات الاتجار بالبشر، والثانية هي البعد الأمني القائم على تفكيك شبكات الاتجار بالبشر والتعاون الأمني بين إسبانيا والمغرب، وهي مقاربة بعدية بحتة تجعل المغرب دائما في إطار مواجهة الجزء الظاهر من ظاهرة معقدة ذات طبيعة ديناميكية وعابرة للحدود.
وهذا ما دفع ألباريس إلى القول إن علاقات التعاون مع المغرب تشكل نموذجا يحتذى به بالنسبة لبلدان الجوار، وتابع “كل هذا يظهر لنا أن خارطة الطريق هذه كانت ناجحة وأنها ستستمر”.
وتعد خارطة الطريق التي تم اعتمادها في أبريل 2022، بمناسبة زيارة رئيس الحكومة الإسبانية بيدرو سانشيز للمغرب بدعوة من العاهل المغربي الملك محمد السادس، تجسيدا واضحا لإرادة وعزم البلدين على إرساء شراكة شاملة ومتجددة من أجل الاستجابة للتحديات الحالية، مثل الهجرة والإرهاب والتنمية المستدامة والبيئة، وكذلك تحديات المستقبل، مثل الأمن الغذائي والانتقال الإيكولوجي والذكاء الاصطناعي.
وكان وزير الشؤون الخارجية الإسباني قد شدد على أن المغرب يظل “أولى أولويات” إسبانيا في مجال السياسة الخارجية، مؤكدا في تصريحات للصحافة أن “جميع رؤساء الحكومة الإسبانية أشاروا إلى أن المغرب هو الأولوية الأولى للسياسة الخارجية”.
وتدرج إسبانيا والمغرب تعاونهما في إطار معاهدة الصداقة وحسن الجوار والتعاون والحوار السياسي المعزز المنبثقة عن البيان المشترك الصادر في السابع من أبريل 2022، القائمة على مبادئ الشفافية والحوار الدائم، والاحترام المتبادل، وتنفيذ الالتزامات والاتفاقيات الموقعة من قبل الجانبين، والتي تم التطرق فيها إلى القضايا ذات الاهتمام المشترك، بروح من الثقة، بعيدا عن الأعمال الأحادية أو الأمر الواقع.