كل ما يمكن أن يفخر به عسكر الجزائر هو تعطيلهم التنمية داخل بلدان المغرب العربي
لا خلاف، اليوم، بين معارضي ومؤيدي “بوليساريو” من المنطقة وخارجها، في أن الحركة تعيش آخر أيامها، وسط تزايد الفشل واتساع دائرة الإخفاقات، وكذلك تخلي العديد من الدول و”الحلفاء” عن هذا الكيان ومشروعه، الذي لم يعد يقنع حتى الذين أوجدوه وواكبوه بالتسليح والتمويل والمساندة الدبلوماسية، ليحصدوا، في آخر المطاف، الهزائم، بعدما تغلب المنطق والواقع فوق الأرض على ترهات وغوغائية عسكر زيرالدة، الذين جرتهم عقدة هزيمة حرب الرمال إلى محاولة استغلال قضية الصحراء ضد المغرب، ما أسقطهم، على مر خمسة عقود الماضية، في منحدر الإخفاقات المتتالية.
ومكنت الواقعية والصرامة المغرب، في آخر الأمر، من فرض مقترح الحكم الذاتي حلا منطقيا لمشكل الصحراء، بعدما راكم مساندة القوى الدولية الفاعلة لدى الأمم المتحدة، على غرار أمريكا، التي اعترفت بمغربية الصحراء وإسبانيا وألمانيا، بينما قامت عدة دول، من مختلف القارات، بخطوة حتمية تروم فتح قنصليات بمدن الصحراء، التي تعتبر أسمى تعبير عن الاعتراف بسيادة المغرب على هذه الأقاليم.
وإذا ما استثنينا الاستغلال الداخلي لملف الصحراء، من أجل إسكات الشعب الجزائري وصرفه، بالقوة، عن المطالبة بالدولة المدنية، التي من شأنها تحقيق تطلعاته السياسية والاجتماعية والاقتصادية، فكل ما يمكن أن يفخر به عسكر الجزائر من نتائج تشبثه بـ “بوليساريو” هو تعطيل التنمية داخل كل بلدان المغرب العربي، وقطع الطريق على كل محاولة للتكتل والتكامل الاقتصادي لمواجهة التحديات التي تفرضها التحولات العميقة، التي يشهدها المحيط المباشر للمغرب العربي، سواء كانت اقتصادية، شمالا، أو أمنية، جنوبا وشرقا، رغم وصول جنرالات ثكنة بن عكنون إلى درجة عالية من اليقين بفشل مشروعهم السياسي، وعدم قدرتهم على إحداث أي نقلة مهما كانت في الصحراء، خصوصا بعد تسرب الوعي للعديد من صحراويي مخيمات تندوف إلى درجة اقتناعهم بعدم جدوى تعنت النظام الجزائري، الذي لا يزال مستمرا في هدر الكثير من الفرص لتجنيب المنطقة المزيد من الخسائر، وعلى رأسها رفع القهر والاستبداد عن ضحايا الجوع والفقر في مخيمات تندوف، الذين تتصاعد أصواتهم، يوما بعد آخر، في ظروف أشبه ما يقال عنها إنها “جحيم على الأرض”.
إن ما تعيشه “بوليساريو” من حالة الفراغ والتيه السياسي، وما تشهده مخيمات الصحراويين من جوع وعطش وتقتيل وإحراق للشباب، وغيرها من المظاهر البشعة، تعطي تصورا عن المشروع الذي حمله “بوخروبة” للصحراويين، منذ تأسيس تنظيم “بوليساريو”، فلم ينعم صحراويو المخيمات بيوم واحد من الاستقرار، بدءا باختطافهم وتهجيرهم من أراضيهم على متن الشاحنات العسكرية الجزائرية، وحشرهم في فيافي حمادة تندوف، في تجمعات تفتقد لأدنى شروط الحياة الكريمة، ثم تسليط عصابة من المجرمين على رقابهم لتعيث فيهم تعذيبا وتقتيلا وتجويعا، على مر خمسة عقود، حرص خلالها الجنرالات على تعطيل كل المسارات الممكنة، لوضع حد لهذا النزاع المفتعل، بما في ذلك عرقلة مساعي قياديين في “بوليساريو” لدى ملك المغرب، المرحوم الحسن الثاني، ثم ولي عهده آنذاك، والملك الحالي، محمد السادس، خلال استقبالهما لهم بمراكش والرباط، إلى الحصول على ضمانات من أعلى هرم الدولة المغربية لترتيب عودة الصحراويين لأرضهم تحت السيادة المغربية، انطلاقا من إيمانهم بانتمائهم الأزلي للمغرب.
لكن عسكر الجزائر تدخلوا ووضعوا حدا لكل تواصل بين قادة “بوليساريو” والقصر، نظرا لعقدتهم التاريخية تجاهه، والتي ذهبت بهم بعيدا، إلى حد اغتيال الرئيس الجزائري الأسبق، محمد بوضياف، بعدما أعلن صراحة نيته حل مشكل الصحراء مع المغرب، كما جاء في اعتراف الرجل القوي في زيرالدة، آنذاك، الجنرال نزار، الذي صرح أن استقلالية بوضياف، خصوصا قراره بالتوجه للرباط دون استئذان قادة الجيش، عجلا باغتياله.
اليوم، وبعد أن ثبت للعالم فشل عسكر الجزائر، وعدم قدرتهم على مسايرة الأمواج السياسية التي ابتدعتها الدبلوماسية المغربية، على قيادة “بوليساريو” ألا تضيع فرصتها الأخيرة، وهي تعيش المرحلة النهائية لانهيارها، للتكفير عن ذنوبها تجاه الصحراويين، وتنهي مأساتهم في حمادة الجزائر، بالتحلي بالشجاعة الكافية لاستغلال فتح قنوات الاتصال مع قوات عظمى، كما تجلى ذلك من خلال زيارة نائب مساعد كاتب الدولة الأمريكي، جوشوا هاريس، للمخيمات، وكذلك حلول مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة، ستافان ديمستورا بها، من أجل مجاهرتهم بحقيقة النزاع حول الصحراء بين المغرب والجزائر، ومطالبتهم برفع الحجر السياسي المفروض عليهم، والحصار العسكري المطبق على مخيمات الصحراويين من قبل العسكر. وبهذا يكونون على الأقل تحملوا مسؤوليتهم التاريخية والأخلاقية تجاه بني عمومتهم، عوض تقديمهم قرابين للجنرالات، من أجل تضخيم أرصدتهم البنكية، وتوسيع شبكات تجارتهم بمآسيهم المتزايدة.