لا حلول مستدامة لتطويق تدفق المهاجرين إلى أوروبا
يتواصل الجدل الرسمي داخل أوروبا بين مؤيد ومعارض لسيل الهجرة دون الاتفاق على طريق موحد للاتحاد الأوروبي لحل هذه المعضلة، إلا أن أوروبا المشتتة تجاه هذه القضية تسعى لعقد شراكات مع الدول المصدرة للهجرة.
بروكسل – باءت مساعي الاتحاد الأوروبي، منذ موجة اللجوء الكبيرة سنة 2015، لمكافحة الهجرة غير الشرعية بالفشل رغم الجهود المضنية المبذولة، فيما يرى محللون أن الخلافات الداخلية بشأن الهجرة وضعف الشراكات الخارجية يعرقلان هذه الجهود حتى الآن.
ويواجه الاتحاد الأوروبي العدد الأكبر من حالات وصول المهاجرين غير الشرعيين إلى أراضيه منذ عام 2015، مما يفرض ضغوطا شديدة على خدمات استقبالهم. ومن أجل مواجهة الأمر، يتطلع التكتل إلى إبرام اتفاق تعاون مع تونس، وإلى اتفاق أوروبي تاريخي يتعلق بقوانين اللجوء والهجرة يبدو أنه على مسار صعب.
ويرى المحللون أن الاتحاد الأوروبي لن يتمكن من استجراح حلول مستدامة وذات مردودية ما دامت دوله عاجزة عن تجاوز خلافاتها.
ويشير هؤلاء إلى أن الشراكات مع دول منشأ المهاجرين أيضا لا تزال هشة ومقترنة بتقديم مساعدات مالية، وهو نموذج مجرب ولم يأت بنتائج على الأرض منذ سنوات.
وقد أثارت أنباء غرق المهاجرين في البحر المتوسط، واحتجاز سفن الإنقاذ، والمعاملة اللا إنسانية التي يتردد أن المهاجرين يتلقونها – كما تردد مؤخرا عن اليونان – انتقادات وسائل الإعلام، والساسة، ومنظمات غير حكومية.
الاتحاد الأوروبي اتخذ عدة تحركات للتصدي للهجرة غير الشرعية، فبعد سنوات من الخلافات الحادة، توصلت الدول الأعضاء في يونيو الماضي إلى اتفاق يتعلق بنصين في “الاتفاق الجديد للجوء والهجرة”
ودعت إيطاليا إلى تقديم الدعم وسط تزايد أعداد الوافدين غير الشرعيين إلى الاتحاد على نحو واسع خلال الأشهر الأخيرة. كما تضاعفت الأعداد في العديد من دول جنوب أوروبا.
وقال وزير خارجية إيطاليا أنطونيو تاجاني مؤخرا “الوضع الدولي في تدهور، وهو ما يدفع الناس إلى الرحيل عن أفريقيا والبحث عن موطئ قدم في أوروبا، عبر البلقان والبحر المتوسط”.
وأضاف تاجاني “نعمل للسيطرة على الأوضاع، ولكن ثمة حاجة إلى تحرك من الاتحاد الأوروبي”.
وأعلنت رئيسة الوزراء الإيطالية جورجا ميلوني حالة الطوارئ على مستوى البلاد في أبريل الماضي، في مواجهة تزايد المهاجرين.
وحتى يوم الثالث والعشرين من أغسطس الماضي، وصل 105 آلاف و909 مهاجرين إلى إيطاليا بحرا، بحسب ما ذكرته وزارة الداخلية الإيطالية، مقارنة بـ51 ألفا و328 في نفس الفترة العام الماضي.
ودعت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين إلى إبرام المزيد من الاتفاقيات مع دول شريكة خارج الاتحاد الأوروبي، للسيطرة على الهجرة.
وقالت فون دير لاين في يوليو الماضي “يتعين علينا العمل بشكل أوثق مع بلدان المنشأ، والعبور (الترانزيت)”.
وكان الطريق عبر البحر المتوسط الأكثر تفضيلا بالنسبة للمهاجرين على مدار الأشهر السبعة الأولى من 2023، وغالبا ما ينطلق مهاجرو هذا الطريق من شمال أفريقيا وتركيا، لعبور البحر والوصول إلى إيطاليا. وتم تسجيل 89 ألفا و47 حالة وصول مهاجرين عبر هذا الطريق، بواقع أكثر من نصف محاولات الدخول، بحسب ما ذكرته الوكالة الأوروبية لحرس الحدود والسواحل (فرونتكس).
وأضافت فرونتكس أن من المتوقع وصول المزيد من المهاجرين عبر نفس الطريق خلال الأشهر المقبلة، حيث يتقاضى المهربون أسعارا أقل، في خضم منافسة شرسة بين هذه الجماعات الإجرامية.
اتفاق على مسار صعب
اتخذ الاتحاد الأوروبي عدة تحركات للتصدي للهجرة غير الشرعية، فبعد سنوات من الخلافات الحادة، توصلت الدول الأعضاء في يونيو الماضي إلى اتفاق يتعلق بنصين في “الاتفاق الجديد للجوء والهجرة”.
وينظر إلى الاتفاق، أو الإصلاح الشامل لسياسة اللجوء في الاتحاد الأوروبي، على أنه “تاريخي”، لكنه على مسار صعب.
واقترحت المفوضية الأوروبية الاتفاق في عام 2020 بهدف تحقيق هجرة ولجوء أكثر عدالة واستدامة في التكتل.
وبمقتضى الخطة الجديدة، يتم التعامل مع طلبات اللجوء خلال 12 أسبوعا، ويتعين توزيع جميع المهاجرين على دول الاتحاد الأوروبي الـ27 بناء على إجمالي الناتج المحلي لكل دولة وعدد سكانها، والهدف إنجاز 30 ألف عملية توطين سنويا.
ويضع هذا الحل التوافقي آلية تضامن جديدة، ويقضي بأن قبول المهاجرين المؤهلين للحصول على اللجوء، لا يجب أن يكون أمرا طوعيا، بل إلزاميا.
اتفاق اللجوء والهجرة يشكل أساسا لمفاوضات تمرير التشريع بين دول الاتحاد الأوروبي والبرلمان الأوروبي
وستدفع الدولة التي لا تريد استقبال مهاجرين مؤهلين تعويضا قدره 20 ألف يورو (21720 دولارا) عن كل مهاجر. وإذا ما اندلعت أزمة، تقرر المفوضية الأوروبية ما إذا كانت الدولة المعنية بحاجة إلى التضامن حال وجود زيادة في عدد المهاجرين لديها.
ويشكل اتفاق اللجوء والهجرة أساسا لمفاوضات تمرير التشريع بين دول الاتحاد الأوروبي والبرلمان الأوروبي.
وعلى الرغم من ذلك، واجه الاتفاق انتكاسة أولى في السادس والعشرين من يوليو، عندما أخفقت دول الاتحاد الأوروبي في التوصل إلى اتفاق بشأن جانب رئيسي من الخطة المقررة، والذي يتعلق بقواعد الهجرة واللجوء في حالات الأزمات، على وجه التحديد.
واقترحت الرئاسة الإسبانية الدورية للاتحاد الأوروبي، بدعم من إيطاليا ودول أخرى، حلا وسطا، لكنه لم يتمكن من نيل دعم عدة دول، هي بولندا والمجر وجمهورية التشيك والنمسا.
وقالت ألمانيا وسلوفاكيا وهولندا إنها سوف تمتنع عن التصويت بعدما أعربت عن مخاوفها من احتمال خفض معايير منح اللجوء بموجب الاتفاق.
وتعتزم بولندا، التي تعارض بشدة السياسة الجديدة للجوء، إجراء استفتاء في نفس يوم عقد الانتخابات البرلمانية بالبلاد، في الخامس عشر من أكتوبر.
وسوف تطلب الحكومة البولندية من مواطنيها الإعراب عن آرائهم بشأن الإصلاحات المزمعة لسياسة اللجوء في الاتحاد الأوروبي، وهل يجب أن يكون الأمر إلزاميا بقبول حصة من المهاجرين، من عدمه.
شراكات هشة
تلعب العوامل الخارجية دورا أساسيا في تدفق المهاجرين على الاتحاد الأوروبي. ووقّع الاتحاد الأوروبي اتفاقا مع حكومة الرئيس التونسي قيس سعيد في يوليو الماضي، بهدف العمل معا من أجل كبح العدد المتزايد من المهاجرين الذين يستخدمون تونس كنقطة عبور، أو مغادرة، إلى أراضي الاتحاد الأوروبي، في إيطاليا على وجه التحديد.
وتهكم منتقدون على الاتفاق ووصفوه بأنه غير أخلاقي، كما اتهموا تونس بمعاملة المهاجرين بشكل غير إنساني، في حين وصفه آخرون بأنه خطوة صائبة للحد من الهجرة على نحو دائم.
ووصفت رئيسة وزراء إيطاليا جورجا ميلوني مذكرة التفاهم بين تونس والاتحاد الأوروبي بأنها “نموذج للشراكة” مع دول شمال أفريقيا.
وترغب المفوضية الأوروبية في توفير 105 ملايين يورو لعمليات البحث والإنقاذ وإعادة المهاجرين إلى بلدانهم الأصلية، إلى جانب 150 مليون يورو لدعم موازنة تونس.
الشراكات مع دول منشأ المهاجرين لا تزال مقترنة بتقديم مساعدات مالية وهو نموذج مجرب ولم يأت بنتائج
وبالإضافة إلى ذلك، يمكن لتونس أن تتوقع الحصول على قروض تصل إلى 900 مليون يورو، بأسعار فائدة منخفضة، لتحقيق الاستقرار الاقتصادي والمالي على المدى البعيد.
ومذكرة التفاهم مع تونس جزء من نهج المفوضية الأوروبية لربط التعاون في مجال مكافحة الهجرة والاتجار بالبشر بالاتفاقات في مجال الاقتصاد والطاقة.
ويقول الباحث في علم الاجتماع مهدي مبروك “لسنا بصدد اقتراح لشراكة حقيقية تهدف إلى التنقّل أو إدارة متضافرة للهجرة مع تونس، بل هي شراكة تركّز على ‘مكافحة’ الهجرة غير النظامية. لسوء الحظ، يعتمد هذا الاقتراح نهجا اختزاليا وأمنيا، يهدف فقط إلى كبح تدفقات الهجرة بطريقة صارمة ويمكن وصفها بالعنيفة”.
ويضيف مبروك “في قاموس الهجرة، لا يوجد وقف مفاجئ لتدفقات المهاجرين. عندما يتم إغلاق باب الهجرة في مكان ما، تُفتح أبواب أخرى، ويتم اختراع طرق جديدة، على سبيل المثال عبر القرن الأفريقي أو عبر حتى دول الخليج”.
وتابع “لن تُحل مشكلة الهجرة باعتماد نهج أمني بحت ما دامت الأسباب الموضوعية البحتة للهجرة قائمة. هل تستهدف هذه الشراكة الأسباب الحقيقية للهجرة، سواء من تونس أو من جنوب الصحراء الكبرى؟ البطالة والحروب الأهلية وتغير المناخ، مثل الجفاف الحالي في الصومال، كل هذه العوامل حقيقة واقعية. بدل هذه الرؤية الاختزالية، يجب أن نحاول تغيير واقع الأفارقة الذين يركزون على تونس كدولة عبور. وفي حين أن هذه المسؤولية أفريقية في المقام الأول، يمكن أيضا أن يساهم المجتمع الدولي في معالجتها”.