بعد تجاهل المغرب.. هل يندم يامال على تمثيل إسبانيا؟
بينما تتسابق أغلب المواهب والجواهر الخام من أصحاب الجنسية المزدوجة في أوروبا بوجه عام وإسبانيا بالأخص، لدخول دائرة اهتمام الناخب الوطني وليد الركراكي في مشروعه المستقبلي لكأس العالم أمريكا الشمالية 2026 بقائمة عريضة من اللاعبين الشباب، الذين تخلوا بالفعل عن الجنسية الإسبانية الرياضية، لأجل الحصول على شرف تمثيل منتخب المغرب في المحافل الدولية، لعل آخرهم وأبرزهم اكتشاف ريال مدريد يوسف لخديم، عكس ما كان يحدث في العقود الماضية، بالأحرى قبل أن يتحول أسود أطلس إلى واحد من أقوى وأشرس منتخبات العالم، وفي رواية أخرى منتخب عربي بنكهة أوروبية خالصة، هناك أيضا مواهب أخرى في القارة العجوز، تتجاهل أو تعطي ظهرها للدعوة المغربية، أشهرهم في الأسابيع والأيام القليلة الماضية جوهرة برشلونة لامين يامال.
كابوس البدايات السعيدة
بصرف النظر عن الحقيقة المؤكدة، حول تعاظم قدرة المغرب على استقطاب النجوم والجواهر الثمينة، بعد ارتفاع سقف الطموح بالوصول إلى الدور نصف النهائي لكأس العالم قطر 2022 والنماذج السابقة التي تشاركه الدماء، وعانت الأمرين من تجربتها العابرة مع منتخب لا روخا، وفي مقدمتهم منير الحدادي، الذي تجمد سنوات على المستوى الدولي، بسبب اختياره تمثيل إسبانيا على حساب المغرب، قبل أن تعيده تعديلات الاتحاد الدولي «فيفا» الأخيرة، إلى الحياة، والتي على إثرها وجد أبواب الأسود مفتوحة له العام الماضي، لكن هناك مؤشرات أخرى، أقل ما يُقال عنها، إنها لا تبعث التفاؤل لمستقبل صاحب الـ16 عاما، بعد اتفاق «سبورت» و«موندو ديبورتيفو» وغيرها من المصادر الصحافية الإسبانية اللامعة، على المعلومة المتداولة وقت كتابة هذه الكلمات، حول موافقة أسرة يامال على تمثيل إسبانيا، وذلك بعد اجتماعه بالمدرب الركراكي في أحد أشهر مطاعم العاصمة الكاتالونية قبل أسبوعين، وسبقه رئيس الجامعة فوزي لقجع، باجتماع مع صاحب الشأن ووالده المغربي الأصل ووكيل أعماله أواخر العام الماضي، ولنا في تجارب شباب لا ماسيا والمراهقين الذين لعبوا لمنتخب إسبانيا الأول في سن مبكرة أكثر من نموذج ومثال حي، في مقدمتهم ساحر الوسط الصغير بيدري، الذي تعرض لعملية استنفاذ طاقة ومجهود ممنهجة، بدأت بحصوله على استدعاء من قبل المدير الفني السابق لمنتخب إسبانيا الأول لويس إنريكي، للتواجد في القائمة المشاركة في يورو 2020 ثم بالاعتماد عليه ضمن القوام الرئيسي، رغم الوفرة العددية الهائلة على مستوى لاعبي الوسط، متمثلة في أسماء بوزن وحجم وثقل مهندس الوسط سيرجيو بوسكيتس، وكوكي ورودري وتياغو ألكنتارا، ورغم التحول السريع في مسيرته منذ تلك اللحظة، بعدما فرض نفسه كواحد من ألمع المواهب الصاعدة في سماء النجومية العالمية بسرعة الصاروخ، كلاعب لا غنى عنه في التشكيل الأساسي للبلو غرانا ومنتخب لا روخا، ترك بصمته في قرابة الـ20 مباراة دولية قبل أن يحتفل بعيد ميلاده الـ21 على هذا الكوكب، سرعان ما أخذت مسيرته منحى مختلف، من مشروع لاعب وسط من الطراز العالمي، إلى لاعب لا يقوى على الحفاظ على لياقته البدنية، كأنه في منتصف عقد الثلاثينيات، بمعاناة بالكاد لا تتوقف مع الانتكاسات العضلية، وذلك نتيجة ما وصفه كاتب موقع «Goal» توماس هيندل بـ «الإفراط في استخدامه في أولى سنوات احتراف كرة القدم».
ضحية محتملة
نلاحظ الهالة الإعلامية الضخمة على يامال، بعد تألقه اللافت تحت قيادة تشافي هيرنانديز منذ بداية موسم الليغا الجديد، خاصة عرضه الهوليودي في ليلة تخطي غواصات فياريال الصفراء بنتيجة 4-3، وحال صدقت الأنباء الإسبانية، التي تؤكد تواجده في القائمة المستدعاة من قبل مدرب المنتخب الأول لويس دي لا فوينتي، لخوض مباراتي قبرص وجورجيا في التصفيات المؤهلة ليورو 2024 لا سيما بعد اعتراف الركراكي الصريح بصعوبة انضمام الصغير إلى منتخب الأسود، ستكون أشبه بالقصة الإسبانية الكاتالونية المألوفة في السنوات القليلة الماضية، بعد الجرائم الكروية التي ارتكبت من قبل في حق أنسو فاتي، ذاك الشاب الذي كان يُنظر إليه على أنه الوريث الشرعي المحتمل للأسطورة والهداف التاريخي ليونيل ميسي، بعد صعوده النايزكي، الذي جعله يتحول إلى ركيزة أساسية في برشلونة ومنتخب إسبانيا الأول، ومثله أو ثالثهم غافي، المعروف بإنييستا الجديد، هو أيضا اُستهلك بدنيا وذهنيا بطريقة انتحارية في سنوات المراهق، وصلت لحد إشراكه في أكثر من 4000 دقيقة قبل أن يتجاوز عامه الـ16، منهم 44 مباراة أساسيا من 57 مناسبة مع برشلونة والمنتخب الأول في موسم واحد، مقتربا من الرقم القياسي المسجل باسم بيدري، بالظهور في 74 مباراة وهو في الثامنة عشر من عمره، ورغم أن فاتي كان محميا بصورة أفضل نوعا ما، كونه ظهر في فترة استقرار الفريق في نهاية حقبة البرغوث، لكنه دفع فاتورة باهظة الثمن، بسبب مشاركته في أكثر من 1300 دقيقة، تجلت في الإصابة المروعة التي قضت على موسمه الثاني في عالم الساحرة المستديرة، بتمزق الغضروف المفصلي، قبل أن يدخل في دوامة الانتكاسات السيئة، التي أجبرته على دخول غرفة العمليات الجراحية 4 مرات، لينتهي به المطاف بإرساله إلى برايتون الإنكليزي، على أمل أن ينجح المدرب دي زيربي، في إنقاذ مسيرته وإعادة بريقه المفقود، ويبدو أنه نفس الطريق الذي بدأ يسير عليه يامال، بعد مشاركته في 175 دقيقة في أول ثلاث مباريات مع البرسا في حملة الاحتفاظ بلقب الدوري الإسباني، مقارنة بوضعه في الموسم الماضي، عندما اكتفى المايسترو بإشراكه في دقائق تعد على أصابع اليد أمام ريال بيتيس على مدار موسم 2022-2023 وكان ذلك حفاظا على ساق المراهق البالغ من العمر 15 عاما آنذاك، رغم أن الصغير أثبت قدرته على المنافسة على مكان في التشكيل الأساسي، وذلك قبل أن تتغير الأوضاع بعد فقدان الجناح الفرنسي عثمان ديمبيلي، الذي ورط تشافي والإدارة بقراره المفاجئ بمغادرة برشلونة من أجل العودة إلى وطنه عبر بوابة باريس سان جيرمان، وما زاد الطين بلة، العقوبة التي تعرض لها البرازيلي رافينيا، بإيقافه لمباراتين لسوء السلوك في المباراة الافتتاحية أمام خيتافي، ما جعل المدرب يخرج لامين من على مقاعد البدلاء، لتنفجر موهبته، بتلك الصورة التي جعلته حديث الساعة في وسائل الإعلام المغربية والإسبانية، بعدما أعاد إلى الأذهان القليل من لمحات ليو الخيالية، بلمساته السحرية بقدمه اليسرى، في نفس المركز الذي كان يشغله قائد أبطال العالم في سنوات مجده في «كامب نو» كجناح مقلوب على الجانب الأيمن.
العادة الإسبانية
ما يُثير المخاوف حول مسيرة يامال على المدى المتوسط وربما على القريب، تلك المبالغة الواضحة في الإعلام الإسباني في وضع مقارنات بين الصغير والأسطورة، أخطرهم المقارنة المخيفة التي انفردت بها صحيفة «آس» بعد الظهور اللافت للصغير في مباراة كأس غامبر ضد توتنهام، وذلك بوضعه في جملة مفيدة في بداية تعارف جمهور البرسا على اسم ليونيل ميسي في العام 2005 حين خطف الأنظار وسحب البساط من تحت أقدام الأساطير في مباراة نفس الكأس أمام يوفنتوس، وقبلها بسنوات، تحديدا عندما كان بعمر 12 عاما، قالت عنه ماركا «لامين يامال يظعهر ظلالا من ميسي» بعد مشاهدة ومضاته السحرية في مقطع فيديو عبر حساب النادي على منصة «تويتر» سابقا و«إكس» حاليا، بعنوان «ليو ميسي الصغير» حتى المدرب تشافي هيرنانديز اعترف صراحة بوجود تشابه بين مراهق لا ماسيا والأسطورة ميسي، كاعتراف ضمني أنه واحد من أفضل اكتشافات الأكاديمية المرشحة للانفجار مع الفريق الأول في المستقبل، لما يملك من سحر بين قدميه، خصوصا قدمه اليسرى الأنيقة، كلاعب أقل ما يُقال عنه بارع في المراوغة في موقف لاعب ضد لاعب، وبحيل مختلفة، بقدرات مذهلة على تصدير كل معاني الذعر الكروي للمدافعين، تتجلى في مرونته في اختراق الدفاع سواء من العمق لتقديم الهدايا لزميله المهاجم بتمريرات حريرية من وراء ظهر المدافعين، أو بالطريقة الكلاسيكية التسعينية، باستعراض مهارته في الاحتفاظ بالكرة والمراوغة من وضع الحركة من أقصى الطرف الأيمن، لإرسال عرضيات في مستوى قاتل للمدافعين ومميز للمهاجمين، وإضافة إلى كل ما سبق، نتحدث عن لاعب يعرف متى يقوم بالمراوغة لمصلحة الفريق، ومتى يقوم بالتمرير في الوقت المناسب، أشبه بلاعب في منتصف العشرينات، وليس مراهقا بعمر الـ16 عاما، وقد أثبت ذلك بشكل عملي في أول مباراتين في الليغا، بأرقام فردية لا يحققها إلا لاعب لديه رصيد سابق من الخبرة، منها إكمال 7 مراوغات من أصل 8، ودقة تمرير بلغت 80 في المئة، ونجاح نصف محاولاته الجريئة في تهديد مرمى الحراس بين القائمين والعارضة، والأهم بطبيعة الحال، صناعة هدفين في ليلة الانتصار الثمين على فياريال، كمؤشر لا غبار عليه، على امتلاك برشلونة لمشروع جناح أيمن مهاجم من الطراز العالمي، أو كما يقولون موهبة تجمع بين الفوضى الخلاقة لمدرسة مدارس الشوارع الحواري، وبين المطلوب في أعلى مستوى تكتيكي في أعلى مستوى تنافسي في كرة القدم، بيد أن اختياره اللعب لمنتخب إسبانيا الأول بهذه المرحلة العمرية المبكرة، بدلا تدرج السلم مع منتخب أجداد وآباء الوالد، قد يكون بداية دخوله طريق اللا عودة، كرابع ضحايا حرق المواهب الإسبانية في بداية عقد العشرينات، بعد الثلاثي فاتي وغافي وبيدري، ولو أن هذا سيتوقف على مدى حكمة أصحاب القرار في الاتحاد الإسباني ونادي برشلونة، لتقديم الحماية الكاملة لوحش البرسا المستقبلي، بدلا من الذهاب إلى السيناريو، الذي يعاني منه بيدري في الوقت الراهن، نتيجة تفاقم إصابته العضلية، التي ستحرمه من التواجد في استراحة أيلول/سبتمبر.
مفترق طريق
ربما على الورق يأتي استدعاء لقائمة منتخب إسبانيا الأول هذا الشهر، بنتائج إيجابية، خاصة إذا حالفه التوفيق وظهر بنفس نسخته الحالية مع برشلونة، أمام منتخب قبرص، المصنف رقم 118 في العالم، وجورجيا صاحبة المركز الـ78 بقيادة ساحر نابولي كفاراتسخيليا، وهذا هو المتوقع والمحتمل حدوثه، لعدم وجود ضغوط جماهيرية وإعلامية في المباراتين، لكن الخوف أن يكون تألقه سببا في حصوله على استدعاء شبه دائم في المعسكرات القادمة، وبالتبعية ستكون بداية لصداع مع مشاكل عضلية وتقصير لمسيرته المهنية، أو على أقل تقدير وضعها على المحك في بداية العشرينات، كما حدث الأسبوع الماضي مع أنسو فاتي، عكس الوضع إذا سارت الأمور كما هو مخطط لها، كان سيبقى في المسافة الآمنة بين الشباب وفريق تشافي الأول، بعيدا عن الضغوط الجماهيرية والإعلامية في هذا السن، لكن كما أشرنا أعلاه، رحيل ديمبيلي المفاجئ وخروج رافينيا من الحسابات مباراتين على التوالي، جعل المدرب ينظر إلى الشاب الذي من المفترض أن يقضي معظم الوقت هذا الموسم على مقاعد البدلاء، أو يتقاسم دقائق اللعب مع رافينيا في الأشهر القادمة، إذا حافظ على صعوده الصاروخي، وهذا في حد ذاته قد يكون أشبه بشهادة ميلاد نجما جديدا في عملاق الليغا، وبالطبع لاحظه الاتحاد الإسباني، الذي أعطى الضوء الأخضر للمدرب دي لا فوينتي، للاستفادة من موهبة البلو غرانا المتفجرة، قبل أن ينضم لقائمة الزاحفين من أوروبا إلى أسود أطلس، لكن بإلقاء نظرة على الماضي غير البعيد ومراجعة أخطاء برشلونة ومنتخب إسبانيا التي تسببت بشكل أو بآخر في عرقلة مسيرة بعض المواهب اللامعة في البلاد، لن نتفاجأ بأنها لا تصب في مصلحة اللاعب، إلا إذا أنقذته العناية الإلهية باستخدام طاقته ومجهوده البدني بشكل صحيح مع فريقه والمنتخب في سنواته الاحترافية الأولى، أو سيعض أصابع الندم على تجاهل دعوة الركراكي.