قبل إصدار تقرير مجلس الأمن المرتقب في نهاية أكتوبر القادم، تكثف واشنطن جهودها في ملف الصحراء المغربية، فبعد زيارة باربرا ليف مساعدة وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأدنى، توجه نائبها جوشوا هاريس للقاء قيادة جبهة بوليساريو في الجزائر، في وقت يستعد فيه المبعوث الأممي إلى الصحراء ستافان دي ميستورا لزيارة مدينة العيون المغربية.
بدأ ملف الصحراء المغربية في التحرك برعاية أميركية، فبعد أن شهدت العلاقات المغربية – الجزائرية توترا شديدا في الفترة الأخيرة، يقوم جوشوا هاريس نائب مساعدة وزير الخارجية المكلف بشؤون شمال أفريقيا بزيارة إلى مخيمات تندوف بالجزائر وبعدها إلى المغرب، في إطار مشاورات أمنية إقليمية وإعادة التأكيد على دعم الولايات المتحدة الكامل للعملية السياسية الأممية في الصحراء المغربية.
وشدد هاريس في ختام زيارته إلى مخيمات تندوف على “أهمية دعم جهود ستافان دي ميستورا المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة إلى الصحراء بروح من الواقعية والتوافق”.
كما أفادت الخارجية الأميركية في بيان مقتضب أنه في إطار السعي لدعم العملية السياسية للأمم المتحدة بشأن الصحراء المغربية، قام نائب مساعدة وزير الخارجية بزيارة إلى تندوف الجزائرية للتشاور مع مجموعة من الشركاء، بمن في ذلك أمين عام جبهة بوليساريو إبراهيم غالي وكبار ممثلي الجبهة بالإضافة إلى وكالات الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية والمنظمات الإنسانية.
وأكد محمد سالم عبدالفتاح رئيس المرصد الصحراوي للإعلام وحقوق الإنسان، أن “زيارة المسؤول الأميركي تأتي في سياق الجهود التي تقوم بها واشنطن لأجل دعم جهود المبعوث الأممي ستافان دي ميستورا، خاصة مع اقتراب صدور تقرير الأمين العام للأمم المتحدة بخصوص الملف وانتهاء عهدة بعثة مينورسو المتواجدة بالصحراء، وأيضا كمحاولة لتسريع مساعي الحل السياسي بمنطقة الساحل وغرب أفريقيا”.
وأضاف أن “ما يحدث في منطقة الساحل والصحراء وتكاثر الجماعات الإرهابية والمشاريع الانفصالية يشكل قلقا لدوائر صنع القرار لمجموعة من الدول وعلى رأسها المغرب والولايات المتحدة، لاسيما مع تواتر الأدلة والقرائن التي تربط مشاريع الانفصال ومنها بوليساريو والجماعات المسلحة المتطرفة وما تشكله من مخاطر على المنطقة التي تضعف فيها الحكومة المركزية وتصبح مجالا لتسويق المساعدات المنهوبة من مخيمات تندوف”.
ولفت سالم عبدالفتاح إلى أن “الزيارة تأتي ضمن الجهود المبذولة من طرف واشنطن لحث الأطراف المعرقلة للوساطة الأممية لحل النزاع المفتعل حول الصحراء المغربية، حيث ينبغي استحضار أن واشنطن هي الممسكة بالقلم في ما يتعلق بصياغة مسودات قرارات مجلس الأمن ذات الصلة بملف الصحراء”، مؤكدا أن “الولايات المتحدة مارست نوعا من الضغط على الطرف الجزائري لاستئناف مناقشات آلية المائدة المستديرة حيث أعرب وزير الخارجية الجزائري أحمد عطاف عن دعمه للمقاربة الأممية”، مضيفا أن “المغرب يبدي دوما مواقف صريحة وداعمة للوساطة الأممية والشرعية الدولية”.
وبخصوص موقف واشنطن من سيادة المغرب على الصحراء، فقد سبق للمتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية ماثيو ميلر، في يوليو الماضي، أن أكد أنّ اعتراف بلاده بالسيادة المغربية على الصحراء لم يتغير، وأنّ الإدارة الأميركية الحالية لم تتراجع عن القرار الذي اتخذته إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب بهذا الخصوص.
وتابع ميلر في مؤتمر صحفي رداً على سؤال عما إذا كانت إدارة الرئيس جو بايدن تعتبر الصحراء جزءاً من المغرب “أود أن أقول إنّ السياسة التي تم الإعلان عنها في ديسمبر2020 لم تتغير، وفي نفس الوقت إننا نؤيد بالكامل المبعوث الشخصي للأمم المتحدة للأمين العام، وهو يكثف جهوده للتوصل إلى حلّ سياسي دائم ومقبول للصحراء”.
وتأتي زيارة نائب مساعدة وزير الخارجية الأميركي تزامنا مع زيارة دي ميستورا إلى المنطقة، وذلك يوم الاثنين 4 سبتمبر الجاري، في إطار التحضير لتقديم تقريره أمام مجلس الأمن الدولي.
ويقوم المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة بجولة جديدة في منطقة الصحراء المغربية، حيث سيعقد لقاءات مع أطراف مهتمة بالقضية، وذلك في إطار التحضيرات للاجتماع المقبل لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بشأن قضية الصحراء في أكتوبر المقبل.
زيارة دي ميستورا إلى الصحراء تعتبر الأولى من نوعها لإحدى مدن الأقاليم الجنوبية بعد زيارته السابقة إلى المنطقة باستثناء مدينتي العيون والداخلة
وسيلتقي دي ميستورا مع ممثلي السلطات المحلية والمنتخبين وشيوخ وأعيان القبائل الصحراوية وفعاليات مدنية محلية، وستكون فرصة سانحة لممثلي السكان للتأكيد على تمسكهم بمبادرة الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية، باعتبارها الحل الوحيد والمثالي الكفيل بتسوية هذا النزاع المفتعل.
ومن المنتظر أن تكون هذه الزيارة استطلاعية ليقف دي ميستورا على الوضع في الأقاليم الجنوبية للمملكة بعد ما اطلع عليه في مخيمات تندوف، ومن هنا يمكن أن يبدأ جهوده لمناقشة تفاصيل الملف وخطته ضمن حيثيات متوفرة.
وتأتي زيارة المبعوث الأممي في سياق الأحداث المتسارعة التي تشهدها المنطقة وبعد أن شهدت العلاقات المغربية – الجزائرية توترا شديدا في الآونة الأخيرة.
وتعتبر زيارة دي ميستورا إلى الصحراء الأولى من نوعها لإحدى مدن الأقاليم الجنوبية بعد زيارته السابقة إلى المنطقة باستثناء مدينتي العيون والداخلة.
ويقول مراقبون إن دي ميستورا يريد توقيع بصمته على الملف بعد المشاورات غير الرسمية في شهر مارس الماضي لكي تصل قوافل الإمداد إلى عناصر بعثة مينورسو شرق الجدار الرملي بعد منعها من طرف بوليساريو.
وتتوافق زيارة دي ميستورا مع التحركات التي تقودها الولايات المتحدة، وتأتي بعد الزيارة التي قام بها وزير الخارجية الجزائري إلى واشنطن بتاريخ 8 أغسطس الماضي، ناقش فيها الجانبان ملف الصحراء المغربية.