الحكومة الجزائرية تطلق تدابير استباقية تحسبا لاحتقان شعبي
أطلقت وزارة الداخلية الجزائرية حزمة من التوصيات الى ولاة (المحافظون) الجمهورية للتكفل واستشراف بؤر التوتر الاجتماعي، وحضتهم على الاستعداد لأيّ تطور، وذلك بغية تنفيس الاحتقان المتصاعد، في ظل ظهور بوادر احتجاجات شعبية على تدهور الأوضاع الاجتماعية والمعيشية في البلاد.
وخرج مواطنون بإحدى بلدات مدينة قسنطينة الواقعة شرقي العاصمة وتبعد عنها بنحو 450 كيلومترا الجمعة للاحتجاج على الأوضاع السياسية والاجتماعية، حيث ردد هؤلاء لأول مرة منذ انتهاء مظاهرات الحراك الشعبي شعارات سياسية توحي بأن جذوة رفض الوضع القائم لا زالت مشتعلة، رغم القبضة التي تحكمها السلطة على قنوات التعبير السياسي والإعلامي.
وتذكر مصادر مطلعة عن رفع الأجهزة الأمنية لتقارير إلى السلطات العليا تتحدث عن بوادر تجدد الاحتجاجات في ربوع البلاد، مستفيدة في ذلك من تدهور الوضع الاجتماعي بشكل غير مسبوق في البلاد، وهو ما يكون وراء صدور تعليمات حول انتشار أمني كثيف تحسبا لأي ّانفجار شعبي مفاجئ.
وظل الدخول الاجتماعي محطة صداع في رأس السلطة منذ سنوات، خاصة لما كان العمل النقابي والجمعوي في أوج قوته، حيث عادة يتم الدفع الى احتجاجات وإضرابات اجتماعية وعمالية، لتحقيق مطالب مختلفة، ولذلك كانت تلجأ إلى ما يعرف بلقاء ” الثلاثية “، الذي يجمع الحكومة والنقابات وأرباب العمل، من أجل التوافق على تدابير مرضية تكفل دخولا اجتماعيا سلسا وهادئا.
غير أن السلطة الجديدة في البلاد عمدت منذ العام 2020 إلى إطلاق مبادرات اجتماعية أحادية الجانب لامتصاص الغضب الاجتماعي، على غرار الرفع التدريجي في الرواتب والمعاشات ومنحة البطالة، دون العودة إلى رأي النقابات أو أرباب العمل، وهو ما شكل إقصاء تغذّى بالتراجع اللافت لدور الشركاء الاجتماعيين.
السلطة الجديدة في الجزائر عمدت منذ 2020 إلى إطلاق مبادرات اجتماعية أحادية الجانب لامتصاص الغضب الاجتماعي
ولا يستبعد أن تكون تعليمات وزير الداخلية والجماعات المحلية إبراهيم مراد، إلى ولاة الجمهورية، خطوة في طريق استباق التوترات الاجتماعية أو الاحتجاجات التي تهدد الاستقرار الاجتماعي، عاما قبل الانتخابات الرئاسية وغداة سلسلة من الإخفاقات في مسار السلطة.
وأعادت برقية وزير الداخلية التذكير بـ”استمرار سياسة الدولة في المجال الاجتماعي، بغية الرفع من المستوى المعيشي للمواطن، تطبيقا لتعليمات رئيس الجمهورية، الذي توعد في أكثر من مناسبة كل من تسول له نفسه المساس بالقدرة الشرائية للمواطن”.
كما لفتت إلى “جدوى التدابير المتعلقة بالرفع التدريجي للرواتب والمعاشات ومنحة البطالة في تحقيق توازن اجتماعي يحفظ كرامة الطبقات الهشة، لكنها تبقى غير كافية، إذا لم تتوازى بالاستعداد والجاهزية الكاملتين لتحقيق مختلف المطالب والانشغالات المعيشية الأخرى، لاسيما على مستوى الخدمات العمومية”.
ويبقى الدخول المدرسي والجامعي الضلع الأساسي في الدخول الاجتماعي بالجزائر، قياسا بالتعداد الذي يقدر بنحو 11 مليون تلميذ ينتسبون إلى مختلف أطوار التعليم، وضمان سلاسة الدخول المذكور يمثل تحديا حقيقيا للحكومة، خاصة وأن القطاع يتطلب إمكانات بشرية ومادية ضخمة.
ولأجل ذلك حضت البرقية الحكومية على “ضبط كافة الأمور التنظيمية بهدف ضمان دخول مدرسي ناجح وآمن على مستوى المدارس، وتكثيف التنسيق مع كافة الفاعلين على المستوى المحلي، وضرورة استلام كافة الهياكل المدرسية المقرر أن تدخل حيز الخدمة مع الدخول المدرسي قصد تخفيف الضغط الذي قد تعرفه بعض المناطق، والتأكد من جاهزيتها وتوفير كل المتطلبات الأساسية واستكمال مختلف أشغال الصيانة والتدفئة المدرسية مع ضمان تأمين محيط المدارس الابتدائية والسهر على توفير السلامة المرورية في الطريق العمومي بالتنسيق مع مختلف مصالح الأمن”.
السلطة في الجزائر تسعى إلى العزل بين الاحتجاجات الاجتماعية والاحتجاجات السياسية، تفاديا لأيّ انزلاق قد يعيد المشهد إلى العام 2019
هذا إلى جانب التأكيد على “وجوب الإسراع في المصادقة على قائمة التلاميذ المعنيين بالمنحة المدرسية حتى يتسنى دفعها لمستحقيها قبل موعد الدخول المدرسي، بالإضافة إلى توفير المناخ الملائم للتمدرس عبر الالتزام بتوفير الإطعام والنقل المدرسيين”.
لكن أمام تفاقم التضخم وتراجع القدرة الشرائية لدى الجزائريين تحول الدخول المدرسي والجامعي الى مصدر قلق حقيقي لدى الأولياء، بسبب الصعوبات التي تكتنف توفير الحاجيات الأساسية لأبنائهم، فضلا عن تراجع الخدمات المتصلة بتوفير النقل والإطعام المدرسي.
ورغم تراجع احتجاجات النقابات الناشطة في القطاع خلال السنوات الأخيرة، إلا أن ذلك لا يعكس حالة ارتياح داخل قطاع ينتسب إليه أكثر من ربع التعداد العام للجزائريين، وإنما يعكس احتقانا صامتا بحسب ناشطين نقابيين، لأن الوضع الاجتماعي المتدهور طال جميع الفئات بما فيها الأولياء والعاملين في القطاع.
كما يبدو أن الحكومة باتت تركز على تسيير وإدارة الكوارث الكبرى، بما لها من تداعيات على استقرار الجبهة الاجتماعية، خاصة بعد تجارب الحرائق التي كانت وراء غضب شعبي من أداء السلط المختصة، ولذلك حرص وزير الداخلية على ضرورة “الوضع في الحسبان التقلبات الجوية المنتظرة”، تفاديا لأيّ كوارث جديدة قد تزيد من حالة الاحتقان.
وتسعى السلطة في الجزائر إلى العزل بين الاحتجاجات الاجتماعية والاحتجاجات السياسية، تفاديا لأيّ انزلاق قد يعيد المشهد إلى العام 2019، خاصة في ظل المعطيات التي أوردتها تقارير أمنية عن تفاقم الغضب الشعبي، وتحذيرها من فوران ينصهر فيه الاجتماعي والسياسي، الأمر الذي ينغّص على طموح الرئيس عبدالمجيد تبون، في المرور إلى ولاية رئاسية ثانية نهاية العام القادم.