الجالية المغربية بالغابون: وضعنا لا يدعو إلى القلق.. والخوف ينحسر تدريجيا
عاشت الجالية المغربية بالغابون رعبا حقيقيا، أمس الأربعاء، على هامش اندلاع الانقلاب العسكري بزعامة قائد الحرس الجمهوري في الغابون، الجنرال بريس أوليغي نغيما، ضد الرئيس علي بانغو، بحيث تمكنت الأجهزة الانقلابية من الاستيلاء على السلطة وإحكام القبضة على مفاصل الدولة الغابونية وعزل رئيسها بعد ساعات قليلة من إعلان لجنة الانتخابات فوزه بولاية رئاسية ثالثة.
وكأي انقلاب عسكري، فإن اللحظات الأولى لبدايته لا تسعف كثيرا لمعرفة مآله أمنيا وسياسيا واقتصاديا، وهو ما خلق “حالة من الضبابية” أثرت بشكل كبير على نفسية المقيمين بالغابون، ومنهم المغاربة.
وظل الوضع يراوح مكانه طيلة اليوم الأول للانقلاب، قبل أن تنقشع الخيوط شيئا فشيئا على نحو أعاد نوعا من “الهدوء” و”الاطمئنان” إلى نفوس المغاربة هناك، حسب ما أكدته مصادر مطلعة.
نزهة كوبي، مغربية مقيمة بالغابون منذ 1980، قالت: “بعد اندلاع أخبار الانقلاب بالبلد الإفريقي أمس الأربعاء، بدأت المخاوف في صفوف الجالية المغربية تتصاعد بشكل مثير للاهتمام، وبدت عند العديد من المغاربة رغبات جدية وانفعالية للعودة إلى وطنهم بسرعة، خشية أن يتحول الانقلاب إلى أحداث دموية مدمرة”، مضيفة أن “المشاهد القاسية التي نعرفها عن الانقلابات العسكرية خيمت على أذهاننا لوهلة من الزمن”.
وأفادت المغربية التي تشتغل في إحدى السفارات بالعاصمة الغابونية ليبرفيل، بأن “حالة الفرح لدى الشعب الغابوني عشية الانقلاب خلقت أجواء مطمئنة لدى كل المقيمين من جنسيات مختلفة جعلت الخوف ينحسر تدريجيا، بعد التأكد أن الوضع الأمني متحكم فيه ولن تكون هناك حالات عنف معزولة أو ممنهجة”، مسجلة أن “القلق مازال يعتمل في صدور بعض المغاربة بالغابون حتى الآن، بينما المتواجدون بالعاصمة يشعرون بأن الحياة جد عادية الآن”.
وزادت كوبي، أن “أخبار الانقلاب بعد التهويلات الإعلامية خلقت هلعا حقيقيا نظرا لكونها تعد شيئا جديدا وطريفا في آن أن يعيشها أي مغربي”، مبرزة أن “السيناريوهات بدأت تنسج تدريجيا باستحضار الذاكرة بخصوص ما جرى في بعض البلدان غداة انقلابات عسكرية أدى إلى تخريبها على كافة الأصعدة”، موردة: “عشنا يوما عصيبا فعلا، لكن كل شيء يتجه للعودة إلى طبيعته لأنه لم نسجل أي اعتداء في حق المغاربة. نطمئن كل أهلنا بالمغرب الحبيب”.
جباري: لا شيء يدعو للقلق
من جهته، قال عز العرب جباري، أستاذ جامعي سابق بالغابون مقيم بالعاصمة ليبرفيل، إن “الجالية المغربية بالغابون رغم حالات الخوف التي شهدناها، مدركة أن قائد الحرس الجمهوري في الغابون، الجنرال بريس أوليغي نغيما، لن يؤذي المغاربة، لكونه درس في المغرب وله تقدير خاص لكل ما هو مغربي”، مضيفا أن “أي جالية تعيش في بلد يعرف انقلاباً ستبدو عليها تخوفات، لكن العائلة منذ أمس تتجه للعمل وتعود منه بلا أية إكراهات”.
وأكد جباري أن ما يثير التخوفات حول الجالية المغربية، “هو تدخل رجال الأمن المغاربة وتعنيفهم للمهاجرين الغابونيين بالعاصمة الرباط، لكون هذا الحدث نجم عنه تهديد لعائلات مغربية بالرد بالمثل ضد مغاربة يقطنون بالغابون”، مبرزا أن “الوضع العام عموما يسير بشكل عادي ولا يدعو للقلق، لأن الحركية لم تتعطل، والانقلاب كان منحصرا في منطقة معينة ولم ينجم عنه أي عنف دموي أو مواجهات، وخرجت مسيرات شعبية تدعمه”.
وشدد جباري على أن “قرار حظر التجوال بين السادسة مساء والسادسة صباحا لا يؤثر على عمل المغاربة بالغابون، لكونهم يتحركون طيلة النهار بأريحية ويستطيعون ممارسة أنشطتهم الحياتية كأن لا شيء وقع”، وزاد أن “هذا البلد الإفريقي، قيادة وشعبا، مغرم بالفعل بالمغاربة، ولن يأتيهم منه سوء، وحتى الذين تخوفوا من جاليتنا وقالوا إن المغرب يجب أن يتدخل لإجلائهم، سرعان ما تبين لهم أن الوضع الأمني تحت السيطرة”.
الأمين: الوضع مرتبك
يمثل محمد الأمين، مغربي منحدر من سطات، شهادة متفردة، لكون هسبريس تواصلت معه ليلة الأربعاء التي كانت فيها الأوراق بالغابون لا تزال مبعثرة والرؤية غير واضحة، بحيث قال إن “الوضع الذي عاشته الغابون كان قاسيا على الغابونيين وحتى على المغاربة المقيمين، لأن التقاطبات الإعلامية والتحليلات كانت مثيرة للقلق، لكونها بدت وكأنها تنذر بالانهيار الاقتصادي في حال لم يكن هناك تفكك للحمة المجتمعية”، مؤكدا أنه “بدأ يفكر في طريقة للعودة إلى البلاد، حتى إن بعض الأصدقاء استفسروا حول تدخل الملك لإنقاذ الجالية المقيمة بالغابون”.
وقال الأمين، البالغ من العمر 41 سنة والمقيم بمدينة ليبرفيل منذ سنة 2012، إن “الخوف على فقدان مكتب المحاسبة الذي أملكه هنا ظل حاضرا، ارتبكت وحاولت اتخاذ قرار عقلاني”، لافتا إلى “حمله هم العديد من المغاربة المقيمين بالغابون بدون أوراق الإقامة، لكون الانقلاب سيؤزم الوضع ويعمق مشاكلهم في البحث عن عمل في ظل غلاء المعيشة الذي يعرفه هذا البلد في الفترة الأخيرة”، ونبه إلى “الدور المحدود الذي تقوم به سفارة الرباط في ليبرفيل لمواكبة العديد من المواطنين المغاربة الذين لا يتوفرون على تأهيل بالغابون”.
واسترسل المتحدث في شهادته قائلا: “الغابون مثل أي دولة إفريقية أخرى، يمكن أن تعيش الخطر في أي وقت، والشركات على ما يبدو ستعلق أنشطتها والعديد منها سينسحب من السوق الغابونية، وهو ما يمكن أن يهدد حركية الاقتصاد، بحكم أن الاقتصاد هو مجال اشتغال المكتب الذي أديره”، موردا: “هذا الانقلاب يمكن أن يخلق حالة من انعدام الأمن، مما سيؤثر على الجالية المغربية وتحركاتها واندماجها، مع أن لا أحد يستطيع وصف شعور الإقامة في بلد يعيش انقلابا عسكريا بدقة”.