ثامن انقلاب عسكري في أفريقيا منذ 2020: مصائب فرنسا لا تأتي فرادى
تشكل الانقلابات المتتالية التي تشهدها القارة الأفريقية منذ 2020، والتي كان آخرها الانقلاب في الغابون الحليف الأهم لفرنسا وسط أفريقيا، سلسلة نكسات لباريس التي بات من الواضح أن مصائبها في أفريقيا لا تأتي فرادى.
ويعد انقلاب الغابون ثامن انقلاب عسكري في أفريقيا منذ 2020 بعد النيجر ومالي وبوركينا فاسو وغينيا وتشاد. وشهدت مالي وبوركينا فاسو انقلابين متتاليين في حين استولى الجيش في تشاد على السلطة عقب مقتل الرئيس السابق إدريس ديبي قبل أن يعود ابنه محمد ديبي إلى الحكم وهو حليف لباريس.
ونددت فرنسا بالانقلاب مجددة “التزامها بانتخابات حرة وشفافة”. وقالت رئيسة الوزراء الفرنسية إليزابيت بورن في وقت سابق إن بلادها تراقب الوضع في الغابون عن كثب.
◙ المغرب أبان عن موقف مسؤول وهادئ يراعي التوازنات التاريخية في القارة الأفريقية بعيدا عن الفتور مع فرنسا
ولدى الشركات الفرنسية مصالح اقتصادية كبيرة ومتنوعة في الغابون تأثرت جراء الانقلاب العسكري الذي وقع الأربعاء في المستعمرة الفرنسية السابقة في غرب أفريقيا.
وأصبحت الغابون في عام 2022 أهمّ وجهة للصادرات الفرنسية بين الدول الستّ الأعضاء في المجموعة الاقتصادية والنقدية لوسط أفريقيا (CEMAC) التي تضم أيضًا الكاميرون وجمهورية أفريقيا الوسطى وتشاد والكونغو وغينيا الاستوائية.
ويظهر تزايد عدد الانقلابات أن الغرب، وليس فرنسا وحدها، في طريقه لخسارة نفوذه في أفريقيا بما في ذلك الولايات المتحدة التي تتعامل مع ما يجري بحذر، خاصة أن توسع دائرة الانقلابات سيفتح الباب فعليا لمنافستيها روسيا والصين.
واستشعر مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل هذا الخطر حين قال إن الغابون ودول غرب أفريقيا بكاملها في وضع صعب، وينبغي التفكير بعمق كيف يمكن تحسين سياسة الاتحاد فيها كونها تمثل قضية كبيرة لأوروبا.
جاء ذلك في كلمة ألقاها بوريل خلال اجتماع لوزراء دفاع الاتحاد الأوروبي يُعقد في مدينة توليدو الإسبانية.
وأكد بوريل “على الوزراء، المجتمعين في توليدو، أن يفكروا بعمق فيما يحدث هناك وكيف يحدث، وكيف يمكننا تحسين سياستنا فيما يتعلق بهذه الدول، هذه قضية كبيرة لأوروبا”.
وأبان المغرب عن موقف مسؤول وهادئ يراعي التوازنات التاريخية في القارة الأفريقية بعيدا عن الفتور مع فرنسا على عكس دول أخرى اختارت تصفية الحسابات وإبداء مواقف مداهنة تدعم في باطنها توسع النفوذ الروسي في المنطقة.
وأكّد المغرب الأربعاء على “أهمية الحفاظ على الاستقرار” في الغابون. وقالت وزارة الخارجية المغربية في بيان إنّ المملكة “تتابع عن كثب تطور الوضع في الجمهورية الغابونية”.
وأضاف البيان أنّ الرباط “تؤكّد على أهمية الحفاظ على استقرار هذا البلد الشقيق وطمأنينة سكانه”.
وصباح الأربعاء، ظهرت مجموعة من العسكريين عبر التلفزيون الحكومي وأعلنت السيطرة على السلطة في الغابون، بعد وقت قصير من تأكيد فوز الرئيس الحالي علي بونغو بولاية رئاسية ثالثة بنسبة تجاوزت 67 في المئة، وأعلنوا إلغاء الانتخابات التي أجريت السبت، وحل جميع مؤسسات الدولة وإغلاق الحدود حتى إشعار آخر.
ويقول مراقبون إن دولا غربية كانت تضمر نوعا من التشفي لخسارة فرنسا مواقع نفوذ تاريخية لها خاصة في النيجر ومالي، لكن لحاق الغابون بسلسلة الانقلابات سيدفع الجميع لمراجعة موقفهم خاصة أن نار الانقلابات قد تتمدد سريعا من غرب القارة إلى وسطها، وهو مسار سيكون من الصعب مواجهته.
ويشير المراقبون إلى أن التحذيرات الغربية من وقوف روسيا وراء الانقلابات باتت عنصرا مشجعا للعسكريين في دول غرب أفريقيا من أجل تنفيذ انقلابات سهلة وغير مكلفة على ديمقراطيات صورية غير مسنودة شعبيا.
وتجد روسيا، مرة أخرى، نفسها في موقع من يربح معركة نفوذ كبيرة في أفريقيا من دون جهود ولا خطط سوى بيانات التفهم والدعم للعسكريين الصاعدين إلى الحكم. ويمكن أن تمثل هذه المكاسب فرصة لمجموعة فاغنر العسكرية الروسية بأن تستعيد فاعليتها في أفريقيا وتتجاوز مخلفات مقتل قائدها.
◙ انقلاب الغابون يعد ثامن انقلاب عسكري في أفريقيا منذ 2020 بعد النيجر ومالي وبوركينا فاسو وغينيا وتشاد
وشجع التعامل الغربي اللين مع انقلاب النيجر العسكريين في الغابون على اتخاذ خطوة مشابهة، وخاصة سلبية موقف واشنطن التي كانت تراهن على أن الحوار يمكن أن يسحب الانقلابيين في نيامي إلى صفها.
وأعلن البيت الأبيض الأربعاء أنّه “يتابع عن كثب” الوضع في الغابون. وقال المتحدّث باسم مجلس الأمن القومي الأميركي جون كيربي إنّ “الوضع مقلق جداً. نراقب ذلك عن كثب وسنواصل بذل كلّ ما في وسعنا لدعم فكرة المُثل الديمقراطية التي يعبّر عنها الشعب الأفريقي”.
ورفض كيربي التعليق على إعادة انتخاب بونغو الحاكم منذ 14 عامًا، مؤكّداً أنّ الولايات المتحدة “تركّز على العمل مع شركائنا في أفريقيا وجميع سكّان القارة للمساعدة على دعم الديمقراطية”.
ودعت الصين إلى “ضمان أمن” الرئيس علي بونغو فيما أدانت فرنسا، القوة الاستعمارية السابقة، “الانقلاب العسكري” وأعربت روسيا عن “قلقها العميق”، بينما اعتبرت دول الكومنولث الوضع في الغابون “مثيرا للقلق” مذكّرة البلاد بالتزاماتها في ما يتعلق باحترام الديمقراطية.
واستمرت المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس) في إطلاق تهديدات كتلك التي أطلقتها في النيجر دون نتائج. وقال الرئيس النيجيري بولا أحمد تينوبو، الذي يرأس المجموعة، إنه يعمل بشكل وثيق مع الزعماء الأفارقة الآخرين بخصوص كيفية الرد على الانقلاب العسكري في الغابون.
من جهته، طالب الرئيس المعزول “جميع الأصدقاء” إلى “رفع أصواتهم” وذلك في مقطع فيديو انتشر على وسائل التواصل الاجتماعي.
وقال بونغو في الفيديو الذي ظهر فيه جالسا على كرسي وتبدو عليه ملامح القلق “أنا علي بونغو أونديمبا، رئيس الغابون أوجّه رسالة إلى جميع أصدقائنا في كل أنحاء العالم لأطلب منهم أن يرفعوا أصواتهم بشأن الأشخاص الذين اعتقلوني وعائلتي”، مؤكّدا أنه في “منزله”.