حمل خطاب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون اعترافا بتراجع نفوذ فرنسا في دول المغرب العربي، لكن ماكرون رفض الانتقادات الموجهة إليه بشأن دوره في تراجع مستوى العلاقات وتزايد التوترات بين باريس ومستعمراتها السابقة، وهو ما يعني أن الإليزيه لن يراجع مواقفه التي ساهمت في تعميق الفجوة بين فرنسا والدول المغاربية.
وخلال حديثه في باريس أمام مجموعة من السفراء الفرنسيين، شدد ماكرون على “أننا بحاجة إلى إعادة التفكير بعمق في شراكاتنا مع دول المغرب العربي والبحر الأبيض المتوسط. لقد أطلقنا في السنوات الأخيرة، مع المجتمعات المدنية، العديد من المبادرات لأفريقيا، ولكن أيضا للمغرب العربي”. واعتبر أن الجمود الحالي لا يمكن أن يكون “بسبب عدم التزام فرنسا مع هذه الدول، سواء في ما يتعلق بمسائل الذاكرة أو بالمسائل الاقتصادية”.
وأقرّ بأن السبب هو “أزمة تشهدها المنطقة حيث لا تغيب العداوات”، بالإضافة إلى “صعوبات متعددة وغير متجانسة”، وهو ما اعتبر تلميحا إلى تحميل الدول المغاربية مسؤولية تراجع العلاقات. ووعد رئيس الدولة الفرنسية، في السياق نفسه، بأنه “سيتخذ عدة مبادرات ثنائية مع العديد من هذه الدول في الأشهر المقبلة”.
وتشهد علاقات فرنسا توترا مع الجزائر وبرودا مع المغرب، في حين تشعر تونس التي تواجه أزمة اقتصادية غير مسبوقة بخيبة أمل بسبب عدم مساعدة باريس لها في تخطي هذه الأزمة، خاصة بعدما أبدت روما اهتماما أكبر بالمساعدة حيث قادت جهودا لتوقيع اتفاق بشأن الهجرة غير النظامية، وتحدثت تقارير إعلامية أوروبية عن جهود تبذلها الحكومة الإيطالية لتسهيل حصول تونس على قرض من صندوق النقد الدولي.
وفي حين يبدو التوتر مع الجزائر مرتبطا بتقاربها مع روسيا، يرجع محللون الجمود مع المغرب إلى غموض مواقف باريس من قضية الصحراء المغربية التي قال العاهل المغربي الملك محمد السادس في خطاب العام الماضي “إنها النظارة التي ينظر بها المغرب إلى العالم”.
وقال المحلل السياسي المغربي هشام معتضد إن “الرفض الذي يتشبث به الرئيس ماكرون بخصوص مسؤوليته عن تدهور علاقات بلده السياسية والدبلوماسية مع المغرب ودول أخرى في المنطقة يؤكد مرة أخرى على سوء التقدير وضبابية الرؤية التي تتشبث بها القيادة الفرنسية في إدارة علاقاتها مع المنطقة وفهم التحولات التي تعيشها”.
وأوضح معتضد في تصريح له أن “عجز الرئاسة الفرنسية ودوائرها المقربة عن استيعاب التحولات التي تعيشها دول الجنوب بشكل عام، والمغرب بشكل خاص، يدفعها إلى عدم تحمل مسؤوليتها واتخاذ قرارات مجانبة للصواب في إطار إدارتها لعلاقاتها التقليدية والإستراتيجية مع شريك مهم في المنطقة، وهو ما يؤثر بشكل عميق على جسر التواصل السياسي بين باريس والرباط على سبيل المثال”.
وينظر محللون لرسائل الرئيس الفرنسي إلى العاهل المغربي بمناسبة عيد العرش وعيد الشباب على أنها تحمل الكثير من كلام المجاملات أكثر مما تتضمن مبادرات عملية للقطع مع حالة الفتور. وقال ماكرون في رسالته بمناسبة عيد الشباب قبل أيام إن “الصداقة العميقة والراسخة بين بلدينا هي أفضل إرث لماضينا”.
ويقلق استمرار الجمود مع المغرب أوساطا فرنسية بدأت تضغط من أجل إعادة النظر في العلاقات. ووجه 94 نائبا فرنسيا رسالة مفتوحة إلى الرئيس إيمانويل ماكرون، خلال شهر أغسطس الجاري، تدعوه إلى “إبداء موقف صريح من مغربية الصحراء، والقطع مع المماطلة التي ينتهجها الرئيس ماكرون في هذا الملف في ظل اعتراف دولي واسع بالموقف المغربي، على غرار ألمانيا وإسبانيا، يدفع الرباط إلى البحث عن شركاء جدد في المجال الاقتصادي والعسكري، وهو ما يتم حاليا بشكل واسع”.
ولا تحظى السياسة التي ينتهجها الرئيس الفرنسي تجاه المغرب بإجماع الأوساط السياسية الفرنسية، بمن فيها السياسيون اليمينيون الذين أيدوا إعادة انتخابه في عام 2022. كما نبّه الرئيس الفرنسي الأسبق نيكولا ساركوزي الرئيس إيمانويل ماكرون، في مقابلة مع صحيفة “لوفيغارو”، إلى خطورة تدهور العلاقات بين باريس والرباط نتيجة محاولة “بناء صداقة مصطنعة” مع القادة الجزائريين.
◙ عجز الرئاسة الفرنسية عن استيعاب التحولات التي يعيشها المغرب يدفعها إلى عدم تحمل مسؤوليتها واتخاذ قرارات مجانبة للصواب
وفي السياق ذاته وجهت النائبة الفرنسية عن الحزب الجمهوري اليميني ميشيل تابارو انتقادات حادة إلى ماكرون، بسبب السياسة التي ينتهجها تجاه المغرب، حيث قالت خلال تجمع خطابي لحزبها مساء الأحد، بمناسبة الدخول السياسي في فرنسا، “لن تكون هناك سياسة متوسطية من دون المغرب وعلى رئيس الجمهورية أن يفهم ذلك”، داعية إلى إعادة العلاقات المتينة التي كانت تجمع الرباط وباريس إلى طبيعتها”.
وأضافت النائبة عن الحزب الجمهوري بالجمعية الوطنية الفرنسية، خلال النشاط الحزبي المنظم ببلدية لوكاني التي كانت عمدة لها، “أنا غاضبة على ماكرون أيضا لأنه ضحى بعلاقتنا مع المغرب في محاولة لإرضاء السلطة الجزائرية”، مبرزة رغبة حزبها في استعادة العلاقات بين البلدين.
ولفت معتضد إلى أن الرئيس ماكرون أبان عن نوع من التعنت السياسي في إدارته لملف علاقة بلاده مع المغرب والدول الأفريقية بشكل عام، حيث أن تشبثه بمواقف متجاوزة سياسيا يفوت على فرنسا فرصة الالتحاق بعدد من الدول التي تعتمد على البراغماتية كمقاربة في بناء تعاونها مع الأفارقة والعقلانية كمنهجية لتعميق شراكتها مع الدول الأفريقية، وهذا ما تحاول الكثير من الفعاليات السياسية تنبيه ماكرون إليه.