خارطة المغرب المتضمنة لسبتة ومليلية تخلق توترا سياسيا في إسبانيا
أثارت خارطة المغرب المعروضة من قبل سفارة المملكة المغربية بمدريد كاملة تضم مدينتي سبتة ومليلية المحتلتين جدلا واسعا في إسبانيا، حيث دعا كارلوس إيتشيفاريا، مدير مرصد سبتة ومليلية، إلى “مواجهة تطلعات المغرب الإلحاقية من خلال تعزيز حضور وقوة المدينتين المتمتعتين بالحكم الذاتي عبر الاستثمار بهما”.
وطالب إيتشيفاريا الاتحاد الأوروبي بما أسماه “المساهمة في صلابة وجاذبية سبتة ومليلية عبر الحفاظ على الالتزام بالحريات والتعايش متعدد الثقافات، لجعل مطالبة المغرب بهما صعبة، فضلا عن الحفاظ على موقف ثابت وحازم من الحدود الخارجية للاتحاد الأوروبي”.
من جهته أصر رئيس مليلية المحتلة خوان خوسي إمبرودا، المنتمي إلى الحزب الشعبي، على مطالبة الحكومة الإسبانية الانتقالية التي يقودها بيدرو سانشيز بـ”توجيه احتجاج رسمي على ضم سبتة ومليلية كأراض مغربية في الخارطة الرسمية للبلاد، بدعوى أن المدينتين إسبانيتان وبالتالي يجب أن تكون هناك خطوط تفصلهما عن باقي التراب المغربي”.
وادعى خوان خوسي إمبرودا أن “المدينة لها تاريخ إسباني سيصل في 17 سبتمبر القادم إلى 526 سنة متواصلة، أي 459 عاما قبل تواجد المغرب”، ومع ذلك لم تقدم الخارجية الإسبانية أي احتجاج رسمي إلى الدولة المغربية، كما طالب بذلك رئيس مليلية.
وتتدخل أحزاب ووسائل إعلام مختلفة للتشويش على علاقات البلدين منذ أن عادت العلاقات الثنائية إلى طبيعتها بعد أزمة دبلوماسية وسياسية دامت قرابة السنة، واعتراف مدريد بسيادة المغرب على صحرائه.
وسبق لحزب “فوكس” المتطرف أن طالب بإدراج ثغريْ سبتة ومليلية المحتلتين تحت حماية منظمة حلف شمال الأطلسي (ناتو)، قصد ما اعتبره “محاولة تأمين المدينتين من أي هجوم أو غزو مغربييْن محتملين”، دون أن يحظى هذا الطلب بقبول الحكومة الإسبانية.
ولا يعترف المغرب بشكل رسمي بسيادة إسبانيا على سبتة ومليلية، ويعتبرهما أراضي مغربية محتلة، وبالتالي فإن فتح المعبرين الجمركيين بسبتة ومليلية سيكون ذا طبيعة “إقليمية”، أي خاصا بتبادل البضائع بين المدينتين ومحيطهما المغربي.
وهذه ليست المرة الأولى التي يثير فيها مرصد سبتة ومليلية الإسباني قضية المدينتين، إذ تقدم في يونيو الماضي بشكوى رسمية إلى شركة غوغل الأميركية عبر فرعها في إسبانيا، بشأن الخطوط المتقطعة التي يُحدد بها تطبيق الخرائط “غوغل ماب” الحدود الجغرافية لمدينتي سبتة ومليلية، وهي الخطوط التي تعني أن تينك المنطقتين متنازع عليهما بين إسبانيا والمغرب.
وقد وجه رئيس المرصد كارلوس إيتشيفاريا رسالة تتضمن شكاية إلى مدير غوغل في إسبانيا، يُطالبه فيها بتصحيح ما اعتبره “الخطأ” الذي يرتكبه تطبيق الخرائط التابع للشركة، والمتمثل في وضع خطوط متقطعة على حدود سبتة ومليلية وكأنهما منطقتين متنازع عليهما، في حين أنه لا يوجد نزاع ذو صبغة دولية في المنطقتين حسب تعبير رئيس المرصد، وبالتالي هما أراض إسبانية.
من جهته أكد رشيد فارس، الكاتب العام للمواطنة والتعاون بالحزب الاشتراكي العمالي الإسباني، أن “مشكلة سبتة ومليلة المحتلتين تأتي في إطار استغلال واضح من قبل حزب ‘فوكس’ والحزب الشعبي اليمينييْن، وذلك من أجل ضرب العلاقات المغربية – الإسبانية”.
ويرى متخصصون في العلاقات المغربية – الإسبانية أن ملف المدينتين سبتة ومليلية سيبقى ضمن الحدود المعقولة في التناول دون أن يشكل حاجزا يمنع تطوير العلاقات الثنائية بين البلدين، مع استمرار المغرب في رفض الاعتراف بالسيادة الإسبانية على المدينتين ويعتبرهما أراضي مغربية محتلة، في حين ترفض مدريد هذا الموقف وتصر على أن المدينتين هما حدود إسبانيا في الجنوب.
وأكد محمد الطيار، الباحث في الدراسات الإستراتيجية والأمنية، أن “المغرب يعي جيدا المناورات المتصاعدة لتكريس سبتة ومليلية مدينتين ضمن الحدود الأوروبية، من طرف تركيبة من السياسيين والأحزاب والإعلام التابع لهم، الذين يستغلون خوف أوروبا من تسرب المهاجرين من الثغرين المحتلين لإضفاء شرعية على تحركها ضد المغرب، الذي عبر دائما في العديد من المراسلات الرسمية عن مغربية المدينتين”.
ملف المدينتين سبتة ومليلية سيبقى ضمن الحدود المعقولة في التناول دون أن يشكل حاجزا يمنع تطوير العلاقات الثنائية بين البلدين
وأوضح أن “هناك دوافع واضحة من أطراف متعددة للتشويش على التناغم في العلاقات الإسبانية – المغربية، خصوصا في مجال الهجرة ومحاربة المنظمات الإرهابية التي تتاجر في البشر”، مشيرا إلى أن “الرباط ومدريد اتفقتا ضمن خارطة الطريق على ألا تثيرا أي موضوع حساس بخصوص ملف سبتة ومليلية، وهو ما التزم به المغرب”.
وسبق أن وجّه المغرب مذكرة إلى الاتحاد الأوروبي في نهاية مايو الماضي، أعرب فيها عن رفضه واستنكاره للتصريحات التي أدلى بها نائب رئيس المفوضية الأوروبية المكلف بالهجرة، اليوناني مارغريتيس شيناس، والتي اعتبر فيها أن المدينتين تمثلان حدودا لأوروبا ودعا إلى حمايتها”.
ولفت إلى أنه “لا أحد يستطيع ابتزاز الاتحاد الأوروبي، نحن أقوياء ولا يمكن أن نكون ضحايا لتلك التكتيكات غير المقبولة في أوروبا اليوم”، مضيفا “ما يحدث ليس مشكلة مدريد وحدها، وإنما هو مشكلة الجميع”.
وأعرب آنذاك المدير التنفيذي لرئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز عبر وزارة الخارجية الإسبانية، في “شكوى شفهية” إلى الرباط، عن رفض مدريد لما أقدم عليه المغرب عندما وجه احتجاجا إلى المفوضية الأوروبية يُعلن فيه رفضه لاعتبار سبتة ومليلية حدودا أوروبية.
وأشادت المتحدثة الرسمية باسم الحكومة الإسبانية في تصريحات سابقة بما قامت به حكومة بيدرو سانشيز من إصلاح للعلاقات مع المغرب وإعادة توجيهها من جديد، في إشارة إلى ما تم الاتفاق عليه بين الرباط ومدريد في إطار خارطة الطريق الجديدة خلال الاجتماع رفيع المستوى الذي تم عقده بالرباط بين 1 و2 فبراير الماضي.