الجزائر تتقصد الإعلان عن توقف سفينة حربية روسية في موانئها

كشفت وزارة الدفاع الجزائرية عن توقف سفينة حربية روسية من أسطول البحر الأسود الأحد بميناء الجزائر في إطار برنامج التعاون العسكري بين البلدين.

وقال متابعون للشأن الجزائري إن هذا الإعلان مقصود من الجزائر بهدف تحويل تعاونها العسكري مع روسيا إلى أمر علني ومألوف، وهي تعرف أن أنظار الغرب، وخاصة أوروبا، تراقب باستمرار تنقل السفن الروسية العسكرية وغير العسكرية.

لكن هذه القراءة الجزائرية قد تحقق نتائج عكسية، فهي ستثير غضب الغرب عليها، ذلك أن شراء أسلحة من روسيا شيء، والسماح لها بمحطة توقف أو عمليات لوجستية شيء آخر.

وإذا كان عقد صفقة لشراء أسلحة من روسيا يمكن أن يمر، فإن تردد السفن العسكرية الروسية على موانئ الجزائر لا يمكن تفهمه غربيا في ظل تزايد الدور الروسي غرب المتوسط وتمدد روسيا ومجموعة فاغنر العسكرية الموالية لها في منطقة الساحل والصحراء.

◙ المسؤولون الروس والجزائريون يتبادلون في السنوات الأخيرة زيارات رسمية لمختلف الوفود والمسؤولين في المؤسستين العسكريتين

كما أن تسرب الأسلحة الروسية إلى هذه المنطقة قد يعقّد أوضاع دول مثل فرنسا التي تكافح للحفاظ على مناطق نفوذها.

وقال بيان صادر عن وزارة الدفاع الجزائرية إنه “في إطار تجسيد برنامج التعاون العسكري الثنائي الجزائري – الروسي، رست الأحد 27 أوت (أغسطس) 2023 السفينة الغراب (ماركوري 734) من أسطول البحر الأسود الروسي بميناء الجزائر”.
وأوضح أنه “على هامش هذا التوقف سيتم تسطير عدة نشاطات ثقافية ورياضية لفائدة طاقم السفينة”.

ولم يكن توقف السفن الروسية في موانئ الجزائر أمرا طارئا، ففي يوليو 2022 زارت الجزائر مفرزة سفن حربية من أسطول البحر الأسود الروسي.

وقالت وزارة الدفاع الجزائرية وقتها إن هذا التوقف “يهدف إلى تعزيز علاقات التعاون العسكري الثنائي بين قواتنا البحرية والقوات البحرية الروسية وإلى تبادل الخبرات بالإضافة إلى تدعيم التنسيق المشترك بين الجيشين”.

ويرى مراقبون أن القيادة الجزائرية لا يبدو أنها واعية بما يجري من حولها من تطورات، خاصة أن الاقتراب المبالغ فيه من روسيا سيزيد من الضغوط الغربية وخاصة من قبل الولايات المتحدة، التي لا شك أنها لن تقبل بأيّ تبريرات من الجزائر بشأن تكرار زيارات مثيرة للشكوك تقوم بها سفن حربية روسية في وقت تعمل فيه واشنطن ما في وسعها لمحاصرة روسيا عبر سلسلة من العقوبات.

وكان أعضاء في الكونغرس الأميركي قد طالبوا إدارة جو بايدن بإدراج الجزائر في خانة الدول المعادية للمصالح الأميركية وفرض عقوبات عليها، بدعوى إبرام صفقة تسليح ضخمة مع روسيا تقدر بنحو 11 مليار دولار، مما سيوفر للروس سيولة مالية تسمح لهم بمواجهة العقوبات المفروضة عليهم من طرف الغرب في إطار الحرب القائمة بين روسيا وأوكرانيا.

وينظر الأوروبيون إلى قبول الجزائر بتردد السفن العسكرية الروسية على موانئها بالكثير من الحذر بشأن مستقبل علاقاتهم مع بلد يعرّض حدودهم الجنوبية للخطر. وهذا الحذر بدأ يتسع بشكل متزايد بعد سعي النظام الجزائري لتوظيف الغاز كورقة ضغط على إسبانيا بسبب موقفها المنحاز للمغرب في موضوع الصحراء.

ولا يستبعد المراقبون أن يكون الإعلان عن زيارة السفن الحربية الروسية رد فعل عكسيا بعد استبعاد الجزائر من عضوية بريكس، والهدف هو تأكيد أن علاقتها مع روسيا متطورة جدا، وأن ما حدث قوس صغير وسيغلق، وأنه لا يعكس بأيّ شكل وزن الجزائر لدى حلفائها.

وجعل هذا الاستبعاد الكثيرين في الداخل والخارج ينتقدون النظام الجزائري وسعيه نحو الشرق من دون مراعاة مصالحه مع الغرب.

◙ الجزائر تستفز الغرب، ذلك أن شراء أسلحة من روسيا شيء، والسماح لها بمحطة توقف أو عمليات لوجستية شيء آخر

وتراهن القيادة السياسية في الجزائر على الاندماج السريع في المعسكر الشرقي، وعلى العلاقات الانتقائية مع العواصم الأوروبية، حيث أبانت عن رغبة جامحة في عضوية مجموعة بريكس، وقدمت مليارا ونصف مليار دولار كمساهمة في بنك المجموعة، كما أبرمت اتفاقيات مهمة مع الصين تقدر بنحو 36 مليار دولار من دون التوصل إلى أيّ نتيجة.

ويتبادل المسؤولون الروس والجزائريون في السنوات الأخيرة زيارات رسمية لمختلف الوفود والمسؤولين في المؤسستين العسكريتين. كما أجرى البلدان عدة مناورات عسكرية بمختلف الأسلحة، كانت آخرها تلك التي جرت خلال شهر نوفمبر الماضي في محافظة بشار بأقصى الحدود الغربية، بحسب ما أعلن عنه مسؤولون روس، لكن الجزائر أعلنت عن إرجائها إلى وقت لاحق ضمن مسار تضليل الغرب والإيهام بالحياد.

وفي نهاية يوليو الماضي زار رئيس أركان الجيش الجزائري السعيد شنقريحة موسكو، بدعوة من سيرغي شويغو وزير الدفاع الروسي.

وفي منتصف يونيو الماضي أجرى الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون زيارة عمل رسمية إلى روسيا توجت بـ”إعلان الشراكة الإستراتيجية المعمقة” بين البلدين.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: