ضعف دبلوماسي يرهن مبادرة الجزائر لحل أزمة النيجر
كشف وزير الخارجية الجزائري أحمد عطاف عن خارطة طريق سياسية أطلقتها بلاده من أجل حل أزمة النيجر، وذلك في تصريح أدلى به في العاصمة النيجيرية التي يزورها ضمن جولة أفريقية في عدة دول من مجموعة إيكواس، بينما نقل أمين عام الوزارة الخارطة إلى المسؤولين الجدد في نيامي، لتكون بذلك خطوة جديدة تضاف إلى زخم سياسي ودبلوماسي متصاعد، لكن حظوظها غير مضمونة في ظل المنافسة الإقليمية وعدم توفيق يرافق الدبلوماسية الجزائرية في السنوات الأخيرة بشأن الأزمات والتوترات المحيطة بها.
وأكد عطاف في تصريح أدلى به في أبوجا التي يزورها في إطار جولة أفريقية من أجل تفادي خيار التدخل العسكري في النيجر، على أن “الرئيس عبدالمجيد تبون الذي يؤمن بقوة أن المجال لا يزال متاحا لتحقيق هذا الهدف النبيل، قد وضع تصورا واضحا لحل هذه الأزمة، ورافع عنه بكل حزم وعزم في مضمونه وثوابته وضوابطه”. وأضاف “هو الحل الذي يضمن الاحترام الكامل للإطار القانوني الأفريقي الذي يحظر ويرفض التغييرات غير الدستورية للحكومات، ويحقق العودة إلى النظام الدستوري في النيجر”.
ولم يكشف الوزير الجزائري عن فحوى التصور المذكور، واكتفى بالحديث عن “أربعة محاور” تستهدف تجنيب التدخل العسكري في النيجر، بما له من تداعيات خطيرة على أمن واستقرار المنطقة، إلى جانب استعادة الشرعية الدستورية في النيجر وتحرير الرئيس محمد بازوم.
◙ الجزائر لم تكشف عن محتوى المبادرة السياسية التي أطلقتها، واكتفت بالتأكيد على رفض التدخل العسكري
وتأتي الخطوة الجزائرية في ظل مبادرات سياسية ودبلوماسية متباينة تدفع بها أطراف فاعلة في الشأن الأفريقي على غرار مجموعة إيكواس، ومجلس السلم والأمن الأفريقي ومن خلفهما فرنسا، وهي أطراف ترجح الخيار العسكري من أجل ثني الانقلابيين عن عملهم واستعادة الشرعية الدستورية في النيجر.
وفي المقابل تسعى الجزائر التي اكتفت في أول الأمر بإدانة الانقلاب العسكري، ودعت إلى العودة إلى الوضع الدستوري في نيامي، إلى بلورة خارطة طريق في الأنفاس الأخيرة قبل انتهاء مهلة التحذيرات التي أطلقتها القوى المذكورة للانقلابيين، وكلفت وزير خارجيتها وأمين عام الوزارة الوناس مقرمان بتبليغها لعواصم أفريقية من مجموعة إيكواس، وللانقلابيين أنفسهم في نيامي.
ولم تكشف الجزائر لحد الآن عن محتوى المبادرة السياسية التي أطلقتها، واكتفت بالتأكيد على ضرورة الإبقاء على مخرج “رفض التدخل العسكري، وعودة الشرعية الدستورية” دون تقديم أي تفاصيل أخرى، على أمل إقناع أطراف أفريقية بالمسعى، وانتظار دعم من دول أوروبية ومن الولايات المتحدة التي يتراوح موقفها بين التحفظ ورفض الخيار العسكري.
وتعتبر الجزائر من أكبر الدول عرضة للمخاطر والتداعيات التي يطرحها أي انفلات أمني وعسكري في النيجر بالنظر إلى طول الحدود البرية المشتركة بين البلدين التي تقارب الألف كيلومتر، وهو ما يمثل عبئا ثقيلا سيضاف إلى أعباء المؤسسة العسكرية المكلفة بتأمين الشريط الحدودي، خاصة في ظل اللبس الذي يكتنف انتشار السلاح بالمنطقة.
وذكر عطاف في تصريحه “من الطبيعي أن تشكل الأزمة في النيجر الموضوع الرئيسي لهذه الزيارة وللمشاورات التي جمعتني بزميلي وزير خارجية نيجيريا الشقيقة بالنظر إلى ما تنطوي عليه هذه الأزمة من انعكاسات وتداعيات تتجاوز بكثير حدود هذا البلد المجاور لكل من نيجيريا والجزائر”.
وأوضح أنه “تم الاتفاق في هذا الإطار، بصفة خاصة، على ضرورة تنسيق الجهود المبذولة من قبل البلدين، لاسيما المبادرات التي اتخذها الرئيس عبدالمجيد تبون، ونظيره النيجيري بولا أحمد تينوبو بصفته الرئيس الحالي للمجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا، وذلك بهدف تعزيز الزخم الدولي والإقليمي وتشجيع التفاف الجميع حول المسار السياسي والسلمي لحل الأزمة القائمة في النيجر”.
ولفت إلى أن “المحادثات مع الأشقاء في نيجيريا أكدت بالفعل أن هذه المعايير الأربعة هي محل توافق كبير وموضوع إجماع أكبر من شأنه أن يسهل تفعيل مبدأ الحلول الأفريقية لمشاكل أفريقيا في التعامل مع الأزمة في النيجر”، دون أن يكشف عن طبيعة المحاور المذكورة. لكن عدم التوفيق الذي لازم أداء الدبلوماسية الجزائرية في السنوات الأخيرة يطرح جدوى وحظوظ نجاح مبادرتها في ظل تصاعد الزخم وتعدد المبادرات واللاعبين المؤثرين في المشهد النيجيري الذي تتضارب وتتقاطع فيه المصالح والأهداف الجيوسياسية والإقليمية والدولية.
◙ الجزائر ارتبطت بعلاقات متوترة في محيطها الإقليمي فإلى جانب القطيعة مع المغرب وإسبانيا تعرف علاقاتها مع فرنسا فتورا غير مسبوق
ولم تستطع الجزائر التي ترعى لحد الآن اتفاق السلام والمصالحة الوطنية في مالي، تحقيق هدفها رغم مرور نحو ثماني سنوات على توقيعه بين الحكومة وأطراف الصراع في مالي، وفوق ذلك يجري التنصل منه تدريجيا من طرف القيادة العسكرية الحاكمة في باماكو.
وارتبطت الجزائر مؤخرا بعلاقات متوترة وأزمات في محيطها الإقليمي، فإلى جانب القطيعة المعلنة مع المغرب وإسبانيا، تعرف علاقاتها مع فرنسا فتورا غير مسبوق، فضلا عن الحذر مع ليبيا، والتذبذب مع دول خليجية، وهو أمر إلى جانب مساهمته في عزلة آلية للبلاد يقلص من حظوظ نجاح أي جهد يحتاج إلى دعم إقليمي.
وكان إيفاد الرئيس تبون للدبلوماسي مقرمان إلى نيامي أول اتصال تجريه الجزائر مع الانقلابيين في النيجر من أجل تبليغهم تصورها لحل أزمة البلاد وفق مقاربة تكفل عدم التدخل العسكري واستعادة الوضع الدستوري، لكن دون الكشف عن التفاصيل المؤدية إلى ذلك. وصرح مقرمان للإذاعة الحكومية بالقول “إن التدخل في النيجر ستكون له عواقب وخيمة ليس على النيجر فحسب لكن أيضا على كل دول المنطقة”.
أما تغريدة وزارة الخارجية في منصة “إكس” فقد ذكرت بأن مقرمان “سيجري خلال زيارته سلسلة لقاءات مع شخصيات ومسؤولين كبار من النيجر، وذلك في إطار المساعي الحثيثة والمتواصلة للجزائر بشأن الإسهام في إيجاد حل سياسي للأزمة التي تعيشها النيجر بما يجنبها والمنطقة بأكملها المزيد من المخاطر”. وذكرت إذاعة “صوت الساحل” الوطنية في النيجر أن “المبعوث الجزائري التقى رئيس وزراء النيجر المعين علي محمد الأمين زين بحضور عدد من أعضاء حكومته”.