الجزائر ترفض فتح أجوائها أمام تدخل فرنسا عسكريا في النيجر
رفضت الجزائر طلبا من فرنسا يتضمن السماح لطائراتها العسكرية بعبور الأجواء الجزائرية من أجل مهاجمة البلد الجار النيجر، على خلفية الانقلاب العسكري الذي أطاح بالرئيس محمد بازوم، ما يشير إلى خوفها من إمكانية تحويل المنطقة إلى برميل بارود تطال شظاياه دول الجوار، وخاصة هي.
وكشف تقرير للإذاعة الجزائرية الحكومية مساء الاثنين، أن فرنسا تستعد لتنفيذ تهديداتها الموجهة إلى المجلس العسكري في النيجر والمتعلقة بتدخل عسكري في حال عدم إطلاق سراح الرئيس محمد بازوم.
ونقل التقرير عن مصادر مؤكدة قولها إن “التدخل العسكري بات وشيكا والترتيبات العسكرية جاهزة”.
ولفت إلى أن “الجزائر التي كانت دائما ضد استعمال القوة، لم تستجب للطلب الفرنسي بعبور الأجواء الجوية الجزائرية من أجل الهجوم على النيجر، وردها كان صارما وواضحا”.
ولدى فرنسا نحو 1500 جندي متمركزين في النيجر من قبل الانقلاب. ولم يتضح بعد ما هي العملية العسكرية التي كانت تشير إليها الجزائر، لكن فرنسا لم تقل إنها ستتدخل عسكريا لإسقاط الانقلاب العسكري.
وصرحت المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس) الأسبوع الماضي بأنها اتفقت على يوم لم تكشف عنه لتدخل عسكري محتمل إذا فشلت الجهود الدبلوماسية، وذلك في تصعيد قد يؤدي إلى زيادة زعزعة الاستقرار في منطقة فقيرة تمزقها الصراعات.
ويأتي موقف الجزائر التي تشهد علاقتها مع فرنسا توترا منذ أشهر، بعد رفضها طلب نيجيريا التي تترأس المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا “إيكواس” رغم تحالفها الإقليمي معها في القارة السمراء.
وكانت فرنسا قد أوعزت في وقت لحكومات المنطقة وللمفوضية الأوروبية باستمالة الموقف الجزائري إلى جانبها لفتح مجالها الجوي للتدخل العسكري في النيجر، لكن يبدو أن الجزائر تمسكت بالرفض حيث ذكر بيان للخارجية الجزائرية في الخامس من الشهر الحالي بأن الجانبان الجزائري والأوروبي اتفقا على ضرورة توحيد الضغوط السياسية والدبلوماسية من أجل ضمان عودة النظام الدستوري في النيجر.
وعبّرت الجزائر، الأحد الماضي، عن بالغ استيائها من قرار مجموعة “إيكواس” التي تدعمها باريس، اللجوء إلى الخيار العسكري لحل الأزمة في النيجر، وأكد بيان لوزارة الخارجية أنها “تأسف بشدة لإعطاء الأسبقية للجوء إلى العنف عوض مسار الحل السياسي والتفاوضي في النيجر”.
وتعتبر الجزائر، بحسب المصدر ذاته، أن الحل السياسي ما زال ممكنا، وحذرت من أن اعتماد الخيار العسكري “سيدخل المنطقة في دوامة عنف لا يمكن التنبؤ بعواقبها الوخيمة”.
وتخشى الجزائر من ارتدادات التدخل العسكري في النيجر عليها خصوصا في ظل انتشار الجماعات الجهادية والتنظيمات الاستقلالية، وعصابات الهجرة السرية والجريمة المنظمة، فضلا عن إمكانيات اللجوء الإنساني بنزوح المئات من اللاجئين، وهو ما سيكون عبئا ثقيلا الجيش الجزائري الذي أول من يتحمل نتائجه وتداعياته.
وقبل أيام، رصد موقع يتابع حركة الطيران في العالم يدعى “فلاي رادار”، عودة طائرة تابعة للقوات الجوية الفرنسية، كانت قادمة من فرنسا، أدراجها من حدود الأجواء الجزائرية، بعدما لم يسمح لها بعبور أجواء البلاد.
ويعتقد البعض أن موقف الجزائر الصارم والحازم إزاء طلب فرنسا سيعمّق هوة التوتر بين البلدين وقد يقود الاليزيه إلى وضع زيارة الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون إلى باريس التي تأجيلها مرتين منذ مطلع هذا العام على قائمة الانتظار أكثر فأكثر، خصوصا في ظل مزاج تبون المتقلب.
وكانت زيارة تبون إلى فرنسا مقررة في مايو الماضي قبل تأجيلها إلى الشهر التالي، لكنها لم تتم، واختار بدلا منها الذهاب إلى موسكو التي أمضى فيها أربعة أيام بين 13 و17 يونيو الماضي، وانطوت على رسالة ضمنية إلى باريس تقول إن الجزائر لديها حلفاء أقوياء من المعسكر الآخر، يُغنونها عن فرنسا.
والعلاقة بين الجزائر وفرنسا، القوة الاستعمارية السابقة (من 1830 إلى 1962)، مضطربة للغاية.
وتشكل مسألة ذاكرة الاستعمار الفرنسي في القرن التاسع عشر وحرب الاستقلال الجزائرية (1954 – 1962) إحدى النقاط الحساسة الكبرى في العلاقة بين باريس والجزائر، وقد تسببت في خلافات عديدة في السنوات الأخيرة.
وكثّف البلدان مؤخرا جهودهما للارتقاء بعلاقاتهما، لكن لا بوادر للتوافق بشأن العديد من الملفات الثنائية والإقليمية.