القانون.. ذلك الإطار الشامل الذي ينظم العلاقات بين الأفراد بعضهم ببعض من جهة وبينهم وبين مؤسسات الدولة من جهة أخرى والذي ابتكره الإنسان أول مرة لتنظيم المجتمعات بعد أن أضحت الضرورة ملحة لذلك مع تطورها السريع والمطرد، فبدأ بسيطا بساطتها ثم تطور شيئا فشيئا مواكبة لهذا التطور.
ولا شك أن تطور وتحظر المجتمعات يقاس -من بين ما يقاس به- بمدى تطبيق القانون فيها واحترام الشعوب في هذه المجتمعات للقوانين التي تؤطرها، وهو المعطى الذي نراه حاضرا بقوة في بلاد الغرب، حيث القانون هو الإطار التنظيمي الذي يحتكم له الجميع والذي لا أحد فوقه مهما بلغت مكانته في هذا المجتمع.
لكن وصول المجتمعات الغربية إلى هذا المستوى المتقدم من احترام القانون لم يأت مصادفة، فهو ليس فقط نتيجة سنوات طويلة من التربية وغرس القيم الأخلاقية في كل فرد من أفراد هذه المجتمعات منذ نعومة أظفاره، لكنه كذلك نتيجة إرادة راسخة لدى مسؤولي هذه الدول، حيث يتساوى الجميع أمام القانون، وتتلاشى تحت قبة العدالة كل الفوارق الاجتماعية والطبقية. كما أن مؤسسات حماية وتطبيق القانون تقوم بعملها على أكمل وجه، وتحظى باحترام وثقة الجميع، فيما تمت ترقية الصحافة لتصبح بمثابة سلطة جديدة تتمتع بقدسية وحصانة كبيرتين وتتقاسم نفوذها المعنوي مع السلطات الثلاث وتفضح كل تلاعب أو زيغ عن صراط القانون المستقيم.
أما في المغرب فإن المواطن يعرف تمام المعرفة أن تعابير إنشائية من قبيل “الجميع سواسية أمام القانون” أو “لا أحد فوق القانون” هي مجرد شعارات فارغة من أي معنى حقيقي. فهذا المواطن يرى كيف أن هذا القانون يطبق على فئة دون أخرى، وأنه هناك فعلا من هم فوق القانون، وأن هذا الأخير يده مغلولة حينما يتعلق الأمر بمسؤولين أو أصحاب مال وسلطة.
فليس ببعيد توصلت أخبارنا الجالية بمذكرة بحث عن الفنان المثير للجدل عادل الميلودي بتهمة التحريض على القتل عبر منصة اليوتوب من خلال مباشر نشره يهدد فيه رجال امن القنيطرة الذين أوقفوا زوجته بتهمة الضرب و تعنيف رجال الامن ، مذكرة البحث التي لا يعرف المواطن المغربي مآلها و كيف تمكن الفنان عادل الميلودي من عدم متابعته بالتهم الموجهة له .
فهل فعلا ما كان يروج في مواقع التواصل الاجتماعي من تدخل بعض المسؤولين الامنيين في قضية عادل الميلودي لعدم متابعته قضائيا حقيقية ؟
فمن هو عادل الميلودي لكي لا يطبق عليه القانون الجنائي المغربي ؟
و هل كل المغاربة يستفيدون من هذا العفو الغير القانوني الذي أستفاد منه عادل الميلودي؟
الاسئلة التي بإمكان المدير العام للامن الوطني و كذا النيابة العامة و ووزير الداخلية الاجابة عنها لمعرفة حقيقة هذه القضية و كيف يسمح بها في دولة الحق و القانون الذي تتكلمون عنه كل يوم .
وحتى إن سلط عليهم سيف القانون فإنهم يبحثون عن وسيلة ما لتجاوزه سواء عن طريق واسطة أو رشوة، إدراكا منهم بأن ذلك أمر ممكن بل وجار به العمل. ورغم كل المحاولات التي تبدلها ظاهريا الكثير من الدول العربية من أجل فرض احترام القانون في مجتمعاتنا بكل وسائل الترغيب والترهيب الممكنة والتي يتم الترويج لها على نطاق واسع على أنها إصلاحات جوهرية عميقة، إلا أن كل تلك المحاولات تذهب سدى، لأنها محض سياسات ترقيعية لا ترقى إلى مستوى السياسات المتكاملة المبنية على رؤية واضحة ومحددة.
إن إعادة الثقة للمواطن المغربي في القانون تبدو مهمة صعبة جدا وتحتاج عملا قاعديا يمتد لسنوات وربما لعقود أطول، والأهم من ذلك أنها تحتاج إرادة سياسية حقيقية من سياسيينا وحكومتنا، لأن المجتمعات التي لا يسود فيها القانون بشكل كامل لن تتقدم أبدا، وكما يعلم الجميع فإن تقدم ورخاء المجتمعات يعود في النهاية بالنفع على جميع أفرادها.
وإلى أن يأتي ذلك الوقت فإن دور المؤثرين والمثقفين في المغرب هو دور لا غنى عنه في ترسيخ قيم القانون والدفاع عنها، لذلك فإنهم لا يجب أن يألوا جهدا في ذلك خصوصا في أوساط الشباب والصغار الذين هم دعامة مجتمعنا في المستقبل.