المغرب ينفي المشاركة: المشكلة في جنوب أفريقيا وليست في بريكس
نفى مصدر من وزارة الخارجية المغربية التوقعات التي تحدثت عن مشاركة الرباط في اجتماع بريكس المقرر في جنوب أفريقيا بعد أيام، وهو نفي كان متوقعا، خاصة أن تلك التوقعات لم تستند إلى أيّ مصادر رسمية مغربية واعتمدت على تصريح صادر من الجهة المنظمة (جنوب أفريقيا) التي تمتلك علاقات متوترة مع المغرب بسبب موقفها السلبي من ملف الصحراء المغربية.
وقال المصدر إن دعوة المغرب لم تصدر بمبادرة من بريكس أو الاتحاد الأفريقي، وإنما بمبادرة “أحادية الجانب” عن جنوب أفريقيا، مضيفا أن “المغرب قام بتقييم هذه المبادرة على ضوء علاقته الثنائية المتوترة مع هذا البلد”.
وأضاف أن جنوب أفريقيا منحت، مرة أخرى، لنفسها حق الحديث عن المغرب وعن علاقته بدول بريكس دون استشارة مسبقة، معتبرا أن الأمر يتعلق بـ”تصورات” لا تعكس الواقع بأيّ حال من الأحوال.
مراقبون يربطون رفض المغرب لهذه الدعوة بموقفه من جنوب أفريقيا، التي لم تتعامل بالطرق الدبلوماسية من خلال الاتصال بالبلد المعني وسماع موقفه
ويرى مراقبون أن رفض الدعوة الصادرة عن جنوب أفريقيا لا يعني أن المغرب لديه موقف من بريكس أو من الدول الرئيسية فيها، والتي تمتلك كل على حدة علاقات متقدمة مع المغرب. وعلى العكس يمكن اعتباره الأكثر قدرة من بين الدول الأفريقية على دخول المجموعة وإفادته لامتلاكه اقتصادا متنوعا وأكثر تنافسية.
وقال مصدر دبلوماسي مغربي إن المملكة وفية لنهجها في تنويع شركائها الاقتصاديين وفي قطاعات وميادين مختلفة، وعلى هذا الأساس فهي لا تعارض من حيث المبدأ المشاركة في هذه المجموعة كملاحظ أو عضو إذا توفرت الشروط الموضوعية لذلك.
ومن بين الشروط، التي ذكرها المصدر، أن تكون المبادرة جادة وموجهة بشكل رسمي من طرف الدول الأعضاء داخل مجموعة بريكس.
ويربط المراقبون رفض المغرب لهذه الدعوة بموقفه من جنوب أفريقيا، التي يرى أنها لم تتعامل بالطرق الدبلوماسية من خلال الاتصال بالبلد المعني وسماع موقفه ومحاذيره من المشاركة، في إشارة إلى وجود نية مسبقة لاستهدافه، وإلا ما معنى توجيه دعوة إلى بلد في تصريح صحفي.
وكانت ناليدي باندور وزيرة خارجية جنوب أفريقيا قد قالت قبل أيام إن “مجموعة من الدول أبدت اهتمامها بالانضمام إلى المنظمة، من ضمنها المغرب والإمارات والسعودية والجزائر ونيجيريا وفنزويلا وإيران والكويت ودول أخرى”.
وعن عدم خروج وزارة الخارجية المغربية بشكل مباشر للرد على كلام باندور، أفاد مصدر مطلع بأن الأمر لا يتعلق بمراسلات دبلوماسية رسمية، وإنما مجرد إقحام المغرب في مبادرة لم تمرّ وفق القنوات الدبلوماسية، لهذا كان على الوزارة التعليق بهذه الطريقة، والأهم هو وصول الرسالة إلى من يهمه الأمر.
وأكد محمد الطيار الباحث المغربي في الدراسات الإستراتيجية والأمنية أن جنوب أفريقيا سبق وقامت بدعوة بوليساريو إلى ما اعتبرته اجتماعات تحضيرية لقمة بريكس، في إطار سلوكها المعادي للوحدة الترابية المغربية، ودون استشارة باقي دول مجموعة بريكس، الأمر الذي يجعل دعوة المغرب بمثابة فخ سياسي وبعيدة كل البعد عمّا تفرضه العلاقات الودية بين الدول .
ولفت الطيار في تصريح لـه إلى أنه من غير المستبعد أن تقوم جنوب أفريقيا مرة أخرى بإقحام ميليشيات بوليساريو في الاجتماع المرتقب، في تناقض سافر مع طبيعة وأهداف مجموعة بريكس المسطرة كمنظمة اقتصادية، في خطوة منها قد تكون مفاجأة المغرب وإرباك مشاركته لو تمت.
ويرفض المغرب المشاركة في تظاهرة تظهر الدولة المستضيفة لها عدوانية مطلقة تجاه المملكة، وتتخذ بطريقة ممنهجة مواقف سلبية تجاه قضية الصحراء وتضع نفسها في صف الجزائر ومن ورائها بوليساريو. ويمكن أن تفهم مشاركة المغرب على أنها سكوت عن استفزازات بريتوريا في حقه، وهو ما سيؤدي إلى استفزازات أكبر.
ولم يستبعد مصدر وزارة الخارجية المغربية أن تكون “العديد من الدول والكيانات دعيت بشكل تعسفي من قبل البلد المضيف دون أيّ أساس حقيقي، أو استشارة مسبقة مع البلدان الأعضاء الأخرى في مجموعة بريكس”، في إشارة إلى أن جنوب أفريقيا تتصرف من دون الرجوع إلى الدول الكبرى المشكلة للمجموعة، وأنها تريد أن تتصرف فيها كما تتصرف داخل الاتحاد الأفريقي بالسعي لاستدعاء كيانات غير مرحب بها.
لا يستبعد أن العديد من الدول والكيانات دعيت بشكل تعسفي من قبل البلد المضيف دون أيّ أساس حقيقي، أو استشارة مسبقة مع البلدان الأعضاء الأخرى في مجموعة “بريكس”
وقال المصدر “أصبح واضحا أن جنوب أفريقيا ستعمل على تحريف طبيعة هذا الحدث وهدفه من أجل خدمة أجندة غير معلنة”، مشيرا إلى أن المغرب استبعد، منذ البداية، أي رد فعل إيجابي تجاه دعوة جنوب أفريقيا.
وشدد المصدر على أن المغرب يقيم علاقات ثنائية هامة وواعدة مع الأعضاء الأربعة الآخرين للمجموعة، بل تربطه بثلاثة منها اتفاقيات شراكة إستراتيجية، وأن “مستقبل علاقات المغرب مع هذا التجمع، سواء على مستوى طبيعتها أو حمولتها، ستندرج في الإطار العام والتوجهات الإستراتيجية للسياسة الخارجية للمملكة”.
وكانت دوائر مختلفة قد تعاملت بإيجابية مع مشاركة المغرب في بريكس معتبرة أنه يمثل إضافة حقيقية للمجموعة لكونه أبرز الاقتصادات الأفريقية وباعتبار تنوع شراكاته في أفريقيا وقناة ربط متينة بين أفريقيا أوروبا.
يذكر أن مجموعة “بريكس” تكتل اقتصادي يضم كلاّ من جنوب أفريقيا والهند والبرازيل والصين وروسيا، تأسس سنة 2006 تحت مسمى “بريك” من طرف أربع دول، قبل أن تنضم إليه جنوب أفريقيا بشكل رسمي في الـ14 من أبريل من العام 2011، ليتحول اسم المنظمة إلى مسماها الحالي، كما تضم المجموعة الاقتصادية ذاتها أكبر خمس دول في العالم من حيث المساحة، إذ تشغل مساحة دولها مجتمعة ما يناهز 40 في المئة من مساحة العالم، وتضم النسبة ذاتها من مجموع سكان العالم.
وسبق أن نفت الهند والبرازيل “وجود اعتراض” من قبلهما على انضمام دول جديدة إلى تكتل “بريكس”، مؤكدتين أن “توسيع المنظمة الاقتصادية أمر ضروري ومهم في السياق العالمي الحالي”.