أوضاع حقوق الإنسان في المغرب وفق منظور جمعية معارضة
استعرضت الجمعية المغربية لحقوق الإنسان تقريرها الجديد حول أوضاع حقوق الإنسان بالمغرب لسنة 2022 توزع عبر محاور ثلاثة، أولها الحقوق المدنية والسياسية، وثانيها الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، أما المحور الأخير فقد خصصته لحقوق المرأة والطفل وذوي الاحتياجات الخاصة.
التقرير الذي لم يشكل حدثا كما توقعت الجمعية، طالته انتقادات عديدة من طرف متتبعين للشأن الحقوقي بالمغرب، ووصف بالأسود كما اتهم بالتحامل، وفئة أخرى قررت نعته بالاجترار، وذلك على خلفية العديد من المعطيات التي غلب عليها الهاجس السياسي أكثر من الحقوقي، ناهيك عن الهجوم الذي تضمنه أحد محاوره على المندوبية الوزارية المكلفة بحقوق الإنسان وأيضا المندوبية العامة لإدارة السجون.
واستحضر المنتقدون خلاف رئيس الجمعية المغربية لحقوق الإنسان مع المندوبية الوزارية المكلفة بحقوق الإنسان، حين اقتحم مقرها بدعوى التضامن مع موظفين اثنين، وهو ما اعتبرته المؤسسة الحكومية «تصرفا غريبا وشاذا غير مسبوق في أعراف وممارسات رؤساء جمعيات ومنظمات حقوق الإنسان» لتلجأ إلى القضاء في هذه الواقعة التي أسالت الكثير من مداد المنابر الإعلامية المغربية.
فيما يتعلق بتقرير الجمعية الذي اطّلعت عليه «القدس العربي» فقد جاء محوره الأول عن الحقوق المدنية والسياسية، وتطرق لعقوبة الإعدام والحق في الحياة، كما تحدثت عن الاعتقال السياسي والحريات العامة ومنها حرية المعتقد والحريات الفردية، وأيضا حرية الإعلام والصحافة والإنترنت، ولم يفته الإشارة إلى الحق في المحاكمة العادلة ووضعية السجون.
ويبدو أن المحور الأول يكتسي طبيعة سياسية، ما دفع الجمعية لتقول إن «المشهد الحقوقي بشكل عام ببلادنا خلال سنة 2022 ظلّ على حاله دون أن يطاله أي تغيير أو تطور إيجابي حقيقي يذكر، تجلّله الانتهاكات المتواترة والاعتداءات المتوالية على مختلف الحقوق والحريات».
ومرت الجمعية في تقديمها، إلى مهاجمة كل من «المندوبية الوزارية لحقوق الإنسان» و«المندوبية العامة لإدارة السجون» متهمة الدولة بمحاولة «التغطية على هذا الوضع» بتنصيب مؤسسات تتحدث بدلا عن الحكومة.
وخصّت الجمعية في تقريرها المندوبية الوزارية لحقوق الإنسان ونظيرتها لإدارة السجون «اللتين انبريتا، بشكل ملحوظ ومكشوف، للرد على أي تقرير وطني أو دولي حول الانتهاكات التي تطال حقوق الإنسان ببلادنا ببلاغات تجتر نفس الخطاب المغلوط وتكيل للحركة الحقوقية المستقلة الوطنية والدولية الاتهامات المجانية وغير المسؤولة» وفق ما جاء في التقرير.
وبالنسبة للجمعية، «فإن الوضع الحقوقي ما انفك يطالعنا، سنة بعد سنة، بمشاهد قلما تخلو من المتابعات والاعتقالات والمحاكمات المنصوبة لقص الألسن الناقدة والمنددة بالسلطوية وأذرعها الأمنية، وتحجيم أي نزوع احتجاجي يروم المطالبة بالكرامة والحرية والحق في العيش الكريم، أو وقف نزيف التراجعات التي باتت تقوّض مجمل المكتسبات الاجتماعية، وتسلّع الخدمات العمومية الأساسية وتخوصصها». (أي تحولها إلى القطاع الخاص)
ثم استعرضت الجمعية تفاصيل المحاور، لتتوقف عند المحور الأول المتعلق بالحقوق المدنية والسياسية، مبرزة أن التقرير السنوي «وقف على مجموعة من الخروقات التي مسّت الحقوق المدنية والسياسية سنة 2022؛ حيث ما زال الحق في الحياة ينتهك لأسباب شتى وفي مواقع متعددة» موضحة «أن عددا كبيرا من المواطنين والمواطنات يفقدون أرواحهم، سواء جراء الإهمال وغياب الرعاية الطبية اللازمة في المستشفيات، أو بسبب عدم التقيد بقواعد ومعايير السلامة في الأوراش والمعامل، أو بسبب انعدام المساءلة وسيادة الإفلات من العقاب للمسؤولين عن إنفاذ القوانين في المخافر والسجون، أو غرقا في البحار بحثا عن الحرية وظروف العيش الكريم، أو في السدود والوديان والشواطئ بسبب غياب فضاءات آمنة للاستجمام، أو منتحرين بسبب الضغوط النفسية والاجتماعية والاقتصادية، أو بسبب سم العقارب والأفاعي وعضات الكلاب المسعورة أو الضالة».
ورغم غياب المعطيات المتعلقة بمحور الحق في الحياة، وهو ما أكدته الجمعية في تقريرها، فقد أصرت على أن تقول إنها رصدت «نماذج كلها تضع السياسات العمومية للدولة المغربية موضع مساءلة».
أما في حديثها عن عقوبة الإعدام، فقد قالت إن «المغرب رغم أنه ملتزم في إطار توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة بالتصديق على البرتوكول الاختياري الثاني الملحق بالعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية والهادف إلى إلغاء عقوبة الإعدام» إلا أن «الدولة ما زالت لم تصادق على البروتوكول المشار إليه، وما زالت تمتنع عن التصويت لصالح وقف تنفيذ عقوبة الإعدام، رغم أن المغرب أوقف عمليا تنفيذ هذه العقوبة منذ ثلاثة عقود (1993) وما زالت المحاكم المغربية تصدر أحكاما بالإعدام».
وجاءت أغلب المعطيات والبيانات الواردة في التقرير، من إحصائيات رسمية عممتها المؤسسات الحكومية والأمنية في حينه، ولم تكن محض اجتهاد، وهو ما أشارت إليه الجمعية بصريح العبارة، ومنها محور الوفيات في السجون والمستشفيات وأماكن العمل وغيرها.
وعرضت الجمعية في التقرير السنوي، «18 حالة وفاة في مراكز الشرطة والدرك والسلطات وفي السجون أو بسبب الإحساس بالغبن (الحكرة) أو تدخل القوات العمومية؛ و 13 حالة وفاة في المستشفيات والمراكز الصحية جراء الإهمال الطبي أو الأخطاء الطبية أو ضعف البنية الاستشفائية؛ و90 حالة وفاة في أماكن العمل بسبب حوادث الشغل الناتجة عن غياب شروط السلامة بأماكن العمل والأوراش أو أثناء التنقل للعمل؛ و 16 حالة بسبب لسعات العقارب ولدغات الحيات وعضات الكلاب والسعار؛ و49 وفاة بسبب الاختناق الناتج عن تسرب الغاز أو بسبب الحرائق، و31 حالة وفاة بسبب التسمم الغذائي والكحول الفاسدة.».
ويضيف التقرير، أن حوادث السير، حسب الإحصاءات الرسمية، تسببت خلال سنة 2022 في وفاة حوالي 3200 وفاة بمعدل تسع وفيات في اليوم.
ولم يفت الجمعية التطرق لحالات الانتحار، قائلة إن عددها في المغرب «يتعدى ألف حالة سنويا بمعدل يفوق ثلاث حالات في اليوم».
ووصلت الجمعية في تقريرها إلى محور الاعتقال السياسي، مفيدة بأنه «يوجد بالسجون المغربية العديد من المعتقلين السياسيين ومعتقلي الرأي، الذين علمت وتابعت الجمعية حالات الكثيرين منهم» واستعرضت أرقاما لسجناء يختلف الرأي العام حول تسميتهم بمعتقلي الرأي أو السياسة، كما عادت في تقريرها إلى حالات أخرى تمت في إطار مكافحة الإرهاب، وأخرى لمكافحة الشغب والتخريب.
المثلية وإفطار رمضان
وأوضحت الجمعية موقفها مما يصنف في خانة الحريات الشخصية، لتتحدث عن اعتقال شبان أفطروا عمدا في رمضان بالدار البيضاء، وكان المواطنون هم من أبلغوا عنهم بسبب إقدامهم على انتهاك قدسية شهر الصيام في دولة إسلامية، كما تحدثت عن ما أسمته «حرمان» المغاربة الشيعة والمسيحيين «من ممارسة طقوسهم الدينية بشكل علني، والتضييق عليهم» وتطرقت أيضا للاعتداء الذي وصفته بـ«الهمجي» على رجل يرتدي ملابس نسائية بمدينة طنجة في عام 2022» وكانت كلمة «الهمجي» بالنسبة للمتتبعين كافية لتعلن الجمعية انحيازها، إلى جانب خوضها في «منع عرض كتاب (مذكرات مثلية) للكاتبة المغربية فاطمة الزهراء أذكار، بتهمة الدفاع عن (الشذوذ والانحرافات)؛ من طرف إدارة معرض الكتاب، الذي أقيم في الرباط عام 2022».
وواصلت الجمعية في هذا المحور سرد وقائع تداولها الرأي العام بكثير من الاستهجان، حول سهرة للمثليين بالنواصر القريبة من الدار البيضاء، حيث قامت قوات الدرك الملكي بمداهمة أحد المنازل واعتقال 100 شخص من الجنسين بتهمة المثلية.
ومن المثلية، عادت إلى الحديث عن الإفطار العلني في رمضان، وساقت نموذجا لما اعتبرته خرقا للحريات الشخصية حين أدانت «المحكمة الابتدائية بالحسيمة مواطنا بتهمة الإفطار في رمضان، بشهرين موقوفي التنفيذ وغرامة مالية قدرها 500 درهم» وختاما «اعتقال طالبة مغربية بتهمة (المس بالمعتقدات الدينية للشعب المغربي) بسبب تدوينة لها، والحكم عليها بالسجن لمدة ثلاث سنوات نافذة وغرامة مالية قدرها 50 ألف درهم». وهذه الواقعة كانت قد أثارت غضب المغاربة بعد تعمد شابة تحريف سورة من القرآن الكريم بشكل قدحي ومشين.
وحسب تقرير الجمعية، فـ «فيما يخص حرية الرأي والتعبير، بما في ذلك على الإنترنت، واصلت السلطات المغربية اعتقال ومحاكمة والحكم بالسجن وبغرامات مالية ثقيلة على الصحفيين والمدونين والمدافعين عن حقوق الإنسان أو غيرهم من المواطنين الذين عبروا بشكل سلمي عن آراء انتقادية من خلال المنشورات ومقاطع الفيديو على وسائل التواصل الاجتماعي فيسبوك ويوتوب وغيرها».
التقرير تطرق إلى الحق في التعليم ليقول عنه، إنه «يعاني من شتى ضروب التمييز والفوارق، ومن خصاص مهول ومتراكم في بناء وتأهيل المؤسسات التعليمية والداخليات والمطاعم المدرسية وتجهيزها بالأثاث والعتاد، والوسائل التعليمية والديداكتيكية، خصوصا بالوسط القروي (الأرياف)؛ كما يشكو من نقص مهول في تكوين وتوظيف أطر التدريس والتوجيه وأطر (كوادر) الدعم والكوادر الإدارية».
وبخصوص الحق في الصحة أفاد التقرير، بأنه «مع تنامي تدهور الوضعية في قطاع الصحة حسب جهات المغرب خلال سنة 2022 ما زالت الجمعية تؤكد على ضرورة مضاعفة الجهود لمواجهة هزالة الغلاف المادي المخصص للقطاع الصحي».
الحقوق الثقافية بالنسبة للتقرير، هي أيضا، تفاقمت الأوضاع فيها «تدهورا نظرا لغياب مجموعة من الشروط الموضوعية للنهوض بالقطاع، ونظرا لأن الحكومات المتعاقبة لم تعتبر الثقافة ضمن أولوياتها وأولويات السياسات العمومية، بالإضافة إلى تهميش الثقافة الجادة والاهتمام بمجالات أخرى لا تنتج إلا التفاهة والرداءة.».
وختمت الجمعية مشيرة «هذا التقرير، بقدر ما يعكس واقعا مقلقا يخيّب آمالنا وتطلعاتنا، بقدر ما يسائل الدولة المغربية حول مدى وعيها بخطورة سياساتها».