ليس الإنقلاب الذي وقع في النيجر واطاح الرئيس الشرعي محمد بازوم سوى تتويج للفشل الفرنسي في افريقيا، وهو فشل على كلّ المستويات. في أساس الفشل عدم استيعاب الرئيس ايمانويل ماكرون أنّ بلده لم يعد تلك القوة التي تمتلك القدرة على تنفيذ سياساتها، خصوصا في افريقيا.
في مرحلة ما بعد الإنقلاب النيجري، تواجه فرنسا، التي فقدت قبل ذلك مالي وبوركينا فاسو، تحديات كبيرة تتعلّق أوّلا بموقعها الإفريقي المميّز والدفاع عنه مباشرة أو بالواسطة. هل سينفع التدخل العسكري في النيجر ومن سيكون المستفيد الأوّل منه؟ يطرح السؤال نفسه على الرغم من استيعاب المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا (إكواس)، في مقدّمها نيجيريا، خطورة الوضع في البلد الفقير الذي يمتلك ثروات كبيرة، بينها اليورانيوم، من جهة وانعكاسات انقلاب النيجر على القارة السمراء كلها من جهة أخرى.
ماذا إذا فشل التدخل العسكري في النيجر وما هي انعكاساته على الصعيد الإفريقي وعلى التوازنات القائمة في القارة حيث التنافس الحقيقي بين الولايات المتحدة من جهة وكلّ من الصين وروسيا، التي صارت تابعة للصين، من جهة أخرى؟ تبدو كلّ المخاوف مشروعة، خصوصا إذا أخذنا في الإعتبار أن منطقة الساحل الممتدة من موريتانيا إلى البحر الأحمر تعجّ بالحركات المتطرفة التي تدفع في اتجاه نشر الإرهاب الذي يهدّد كلّ دولة من دول المنطقة، بمن في ذلك نيجيريا.
يصبّ في مصلحة الموقف الفرنسي كون رأس الحربة في أي تدخل عسكري يستهدف إعادة بازوم إلى موقع رئيس الجمهوريّة سيكون افريقيا وليس فرنسيا. لا شكّ أنّ احتمال حصول مثل هذا التدخل وارد. لذلك، قرّر المجلس العسكري الانقلابي في النيجر إغلاق المجال الجوي للبلد.
لن يكون قرار التدخل العسكري الإفريقي في النيجر سهلا، خصوصا أن موقف دول مجموعة “اكواس” ليس متماسكا. ما على المحكّ كبير جدا في قارة تشهد غير منطقة فيها تجاذبات اخذت طابعا دمويا. في نيجيريا نفسها، توجد انقسامات. فقد حضّ سياسيون كبار في نيجيريا الرئيس بولا تينوبو على إعادة النظر في التهديد بالتدخل عسكريا. دعا مجلس الشيوخ النيجيري رئيس جمهورية نيجيريا الاتحادية بصفته رئيسا للمجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا إلى “تشجيع القادة الآخرين في المجموعة والعمل على تعزيز الخيارات السياسية والديبلوماسية”.
وفق دستور البلاد، لا يمكن للجيش في نيجيريا المشاركة في عمليات خارج الحدود من دون مصادقة مجلس الشيوخ، باستثناء حالات “التهديد الداهم أو الخطر” على الأمن القومي. كان الرئيس النيجيري حضّ هذا الأسبوع على ايجاد “حلّ شامل وودّي للوضع في النيجر”. لم يحدّد كيف يمكن التوصل إلى حلّ “شامل وودي” في ظلّ إصرار الإنقلابيين على التخلص من الرئيس المنتخب الذي يبدو أنّه يعاني من مشاكل كثيرة، بينها ان سلفه محمد يوسفو يريد تصفية حساباته معه، فضلا عن أنّه ينتمي إلى الأقليّة العربية في البلد.
كان لافتا أيضا موقف النظام الجزائري الذي يكشف رغبة في ممارسة ضغوط على فرنسا مستغلا الحدث النيجري. حذّرت الجزائر من أي تدخل عسكري في جارتها الجنوبية الشرقية التي تتشارك معها حدودا بطول ألف كلم. قال الرئيس عبدالمجيد تبون في مقابلة تلفزيونية أجريت معه قبل أيّام: “نرفض رفضا تاما وقطعيا التدخل العسكري في النيجر. ما يحدث في النيجر تهديد مباشر للجزائر”.
هل عودة الشرعيّة في النيجر تهديد للجزائر، فيما استيلاء العسكريين على السلطة ورفع اعلام روسيا في نيامي واحراق العلم الفرنسي مساهمة في الاستقرار في هذا البلد وفي المنطقة؟
قد يكون تبون على حقّ عندما يقول أن “التدخل العسكري لا يحل أي مشكلة بل يجعل الأمور اكثر تعقيدا… الجزائر لن تستعمل القوة مع جيرانها”. نسي تبون أن بلاده تشنّ حرب استنزاف على الجار المغربي عبر أداة اسمها “بوليساريو” منذ العام 1975 وأن مثل هذا النوع من الحروب بالواسطة جزء من سياسة تعتمدها المجموعة العسكريّة، الحاكمة فعلا في الجزائر، والتي ليس عبد المجيد تبون سوى واجهة لها.
يكفي ما يحدث في السودان حيث حرب داخلية من دون افق سياسي مستمرّة منذ منتصف نيسان – ابريل الماضي للتأكّد من أن القارة الإفريقية دخلت مرحلة جديدة. من النيجر إلى السودان، ليس ما يشير إلى وجود حلّ ممكن. لا يلوح في الوقت الحاضر أي امل في السودان. يبدو البلد مقبلا على مزيد من التفتت في المستقبل المنظور في ضوء عناد الجنرالين عبدالفتاح البرهان ومحمد حمدان دقلو (حميدتي) المصرّين على استمرار الصراع بينهما.
إلى أين سيأخذ عناد جنرالات النيجر ذلك البلد؟
كلّ ما يمكن قوله أن ليس في افريقيا ما يدعو إلى التفاؤل بالمستقبل، هذا اذا وضعنا جانب استثناءات قليلة. دخلت معظم دول القارة نفقا مظلما في وقت تظهر فرنسا في كلّ يوم يمر مزيدا من الضعف. فرنسا في مأزق. يزداد هذا المأزق تعقيدا. لا يدلّ على ذلك اكثر من سؤال في غاية البساطة: هل التدخل العسكري في النيجر ممكن وما النتائج التي ستترتب عليه؟
مثل هذا التدخل ممكن وغير ممكن. إذا حصل تدخل ليس معروفا كيف سيكون الرد عليه داخل النيجر وفي المنطقة المحيطة بها. هناك دعم من مالي وبوركينا فاسو، حيث العسكر في السلطة، للإنقلاب العسكري على محمد بازوم… وهناك دول مثل الجزائر تسعى إلى الإنتهاء من أي وجود فرنسي في افريقيا مستغلة الإنقلاب العسكري في النيجر. هناك أخيرا الصين وروسيا ومجموعة “فاغنر” التي لا يهما سوى دعم أنظمة مارقة ونهب دول افريقية وتخفيف الضغط على روسيا في أوكرانيا في عالم يتغيّر بسرعة كبيرة. العالم يتغيّر لماذا لا تتغيّر افريقيا أيضا؟