جرائم الأغنياء ضد الفقراء من الشعب تثير جدلا في المغرب
ما زالت قضية مقتل شاب مغربي، يسمى بدر بولجواهل، تثير الكثير من الجدال والانتقادات والاستهجان، عقب تلقيه ضربة على الرأس أسقطته أرضا، قبل أن يعمد شاب آخر إلى دهسه بسيارته في مرآب أحد المطاعم في مدينة الدار البيضاء.
وأثار مقطع من شريط فيديو متداول على مواقع التواصل الاجتماعي، يوثق لمقتل الشاب المغربي، كان قيد حياته طالبا باحثا في سلك الدكتوراه، حفيظة واستهجان المغاربة، حيث أحالت فرقة الشرطة القضائية في مدينة الدار البيضاء على أنظار الوكيل العام للملك (المدعي العام) لدى محكمة الاستئناف في المدينة ذاتها، خمسة أشخاص يشتبه في تورطهم في قضية قتل الشاب بدر.
المشتبه فيهم الخمسة، بمن فيهم المتهم الرئيسي، فرّوا إلى مدينة العيون (أقصى الجنوب) استعدادا لمغادرة البلاد، ليتم القبض عليهم عقب 35 ساعة من جريمة القتل، وتم تكييف الأفعال الإجرامية المنسوبة للمشتبه فيهم على أنها تكوين عصابة إجرامية والقتل العمد والسرقة الموصوفة ومحاولة القتل العمد والمشاركة.
إلا أن أكثر ما استفز المغاربة وأثار غضبهم، أنه اتضح أن المتهم الرئيسي في قضية مقتل الشاب بدر في الدار البيضاء، سبق له وأن كان سببا في مقتل شابين آخرين سنة 2018، إلا أنه لم يتم اعتقاله، وتم صدور حكم في حقه سنة 2019، بأداء غرامة مالية فقط، دون عقوبة حبسية.
ووفقا لقرار الحكم، قررت المحكمة الابتدائية الزجرية في الدار البيضاء، في آب/ أغسطس2019، مؤاخذة المتهم بارتكابه “القتل غير العمدي بسبب حادثة سير وعدم التحكم وعدم القيام بالمناورات لتفادي الحادث والأفعال المنصوص عليها وعلى عقوبتها في الفصل 182- 186 من مدونة السير”، والحكم عليه بأداء غرامة مالية قدرها 7500 درهم (750 دولارا).
وحسب المعطيات ذاتها، فإن المتهم بمقتل بدر، هو من مواليد 1997، وقد كان سببا في وقوع حادثة سير مميتة سنة 2018، بسيارته من نوع “بورش”، راح ضحيتها آنذاك شاب من مواليد 1994، وكان المتهم عقب جلسات المحاكمة التي كانت تجرى في هذه قضية، يتخلف عن الحضور، رغم التواصل معه، وكان يحضر مؤازره.
الحكم الابتدائي لحادثة السير الأولى، والتي لم يتابع القاتل على إثرها آنذاك، جعلت الصحافي مصطفى الفن يطرح جملة من الأسئلة حول ما ورد فيه من معطيات انطلاقا مما جاء في محضر الأمن من كونه كان يسير بسرعة ما بين 50 و60 كلم في الساعة والتي لم يستطع التحكم بها، زيادة على أن المتهم رفض حتى مجرد حضور جلسة الحكم ودون أي عذر مقبول رغم أنه توصل شخصيا بالاستدعاء وبتاريخ الجلسة.
واستغرب الصحافي المغربي من قيمة الغرامة المالية والتي لم تتجاوز 7500 درهم (750 دولارا)، وتابع: “كما لو أن القتيل مجرد ذبابة وليس بشرا، مشيرا إلى ما اعتبره “التعاطف البين” الذي كُتبت به لغة الحكم الذي تحدث عن الظروف الاجتماعية للمتهم لكنه لم يذكر هذه الظروف ولم يفصل فيها واكتفى بالإشارة إلى كونه طالبا ومن مواليد سنة 1997”.
وخلص المتحدث إلى أن “الذي يتحرك على سيارة فارهة ومن نوع “بورش” وهو ما زال مجرد طالب وتسبب في إزهاق روح، فهذا ظرف تشديد وليس ظرف تخفيف”.
عقب كل هذه الانتقادات التي طالت “الحكم المخفف” لحادث السيارة الأول عام 2018، والذي اعتبر المغاربةُ أنه لو كان عادلا ومشددا كفاية لما أعطى الفرصة أمام القاتل لارتكاب جريمة أخرى، خرج الوكيل العام للملك (المدعي العام) لدى محكمة الاستئناف في الدار البيضاء، ببلاغ يؤكد فيه أنه “بعد الاطلاع على وثائق الملف تبين أنه قد تم استئناف الحكم المذكور من طرف النيابة العامة لدى المحكمة الابتدائية الزجرية في الدار البيضاء بتاريخ 12/03/2019، أي بنفس التاريخ الذي صدر فيه الحكم المذكور، صدر فيه قرار عن غرفة الجنح الاستئنافية سير بتاريخ 25/07/2019، قضى غيابيا على المتسبب في الحادثة بتأييد الحكم الابتدائي في مبدئه مع إضافة الحكم على المدان بسنة واحدة حبسا نافذا وتعديله برفع الغرامة المحكوم بها من أجل القتل غير العمدي إلى مبلغ 30.000 درهم (3000 دولار أمريكي) وتتميمه بتوقيف رخصة السياقة لمدة سنتين ابتداء من تاريخ السحب الفعلي لها مع تحميل المدان الصائر مجبرا في الأدنى”.
المحامي والأمين العام “للحزب المغربي الحر”، إسحاق شارية، اعتبر أن النتيجة التي تم التوصل إليها بعد سنوات من “الإصلاح السطحي للقضاء” في المغرب، هي ظهور طينة جديدة من المجرمين والقتلة من أبناء الطبقات المخملية وذوي النفوذ، ذلك أن جريمة مقتل الطالب بدر، ما كان لها أن تكون لولا استفادة القاتل من تكييفات ملتوية وامتيازات وعقوبات صورية وإجراءات بطيئة في قضايا سابقة، وهو ما يؤكد أن دماء الضحية تلطخ كل من ساهم في إفلات القاتل من العقاب عن جرائمه السابقة.
وتابع شارية وفق ما خطّه على صفحته الرسمية بموقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك”، أن الوقت قد حان للعودة إلى الجدية في قطاع العدل والقضاء، كما نبه إلى ذلك الملك محمد السادس في خطاب العرش الأخير، نظرا “لما أصبح يشكله فساد هذه المؤسسة من خطر حقيقي على استقرار المجتمع وطمأنينته على أرواحه وأمواله، وهو ما يدفعني إلى رفع النداء عاليا لكافة الشرفاء في منظومة القضاء من أجل ضرورة المراجعة النقدية لمشروع إصلاح منظومة العدالة التي اهتمت كثيرا بالشكل والعمران على حساب بناء ضمير القاضي الحي وإرساء قيمه القائمة على التجرد والنزاهة والحرية والقناعة والاستقلالية بمعناها الذي ينشد العدالة، ولا ضير من النقد الذاتي البناء والاعتراف بمكامن الخلل خصوصا ما يتعلق منه بتعطيل آليات الرقابة والمحاسبة وهو الدور الذي كانت تضطلع به باحتراف وصرامة لجان تفتيش القضاة بوزارة العدل، كما أن هدم حصانة المحامي وتخريب استقلاليته وحريته في الترافع والدفاع عن حقوق الناس كان له بالغ الأثر في استفراد السماسرة بالمتقاضين”.