خفر السواحل التونسي في مهمات لا تنتهي لإنقاذ المهاجرين
تؤرق الهجرة غير الشرعية دول العالم في مختلف القارات، لكن يبقى البحر المتوسط أخطر طريق في العالم. وفي محاولة للحد من هذه الظاهرة والتقليل من حوادث الغرق التي تتسبب فيها مراكب غير صالحة للإبحار يكافح خفر السواحل التونسي لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من المهاجرين الذين تتقطع بهم السبل في المياه العميقة.
قبالة محافظة صفاقس التونسية التي تحولت إلى مركز للمهاجرين الذين يتدفقون عبر الحدود الجزائرية، سيرا على الأقدام أو بمساعدة شبكات تهريب المهاجرين، وينطلقون منها في محاولة لعبور البحر الأبيض المتوسط باتجاه أوروبا، يقوم خفر السواحل التونسي بعمليات من أجل اعتراض وإنقاذ مهاجرين تونسيين ومن دول أفريقيا جنوب الصحراء مهدّدين بالغرق.
ويشكو المجتمع التونسي من تصاعد ظاهرة الهجرات البحرية، حيث باتت تشمل فئات مختلفة (شباب ونساء وأطفال قصّر)، كما تنوّعت بين فئات فقيرة وأخرى متوسطة الدخل وأصحاب شهادات عليا عاطلين عن العمل.
وقال رمضان بن عمر، متحدث المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، “ارتفاع عدد القصّر في الهجرة أدى إلى استفحال ظاهرة الانقطاع المدرسي المبكر وتراجع الإنفاق على المؤسسات العامة خاصة التي ترعى الأطفال”.
وأشار بن عمر إلى أن “الإجراءات الأوروبية المتعلقة بتشديد منح التأشيرة تغلق المجال أمام كل الراغبين في التنقل وتتركهم فريسة سهلة لشبكات التهريب وتدفعهم إلى دفع أموال طائلة لتسفيرهم إلى أوروبا”.
وقال محمد الجويلي، أستاذ علم الاجتماع في الجامعة التونسية، إن الهجرة غير النظامية هي “مقياس للوضع الاقتصادي والاجتماعي وانسداد الأفق”. وذكر الجويلي أنه “كلما ارتفعت حركة الهجرة بشكل مكثف، أحالتنا على واقع يزداد سوءا. ويبدو أن الآفاق أكثر انسدادا من ذي قبل”.
وأوضح الجويلي أن “التراب الإيطالي في الأغلب هو منصة عبور فحسب نحو الدول الأوروبية الأخرى”، حيث يختار الناجون من هذه الرحلة التنقل بعد ذلك إلى دول أخرى قد تكون فيها فرص العمل والإقامة أفضل، كما يرى العديد من المهاجرين التونسيين الذين يفضلون فرنسا بسبب اللغة ولأن لدى أغلبهم أقارب أو أصدقاء هناك.
وأردف الجويلي “ما نلاحظه من هجرة النساء والقصّر يعود إلى القوانين الأوروبية التي تحمي مثل هاتين الفئتين الهشتيْن”.
ويقول قائد عمليات نجدة المهاجرين غير النظاميين محمد برهان الشمتوري، بعد 24 ساعة في البحر بحثا عن مهاجرين كانوا قد غادروا صفاقس قبل يومين، “من أولى أولوياتنا إنقاذ الأرواح البشرية، هذا لا شك فيه”.
ووصل حوالي 94 ألف مهاجر إلى السواحل الإيطالية منذ بداية العام، أي أكثر من ضعف العدد المسجّل في الفترة نفسها من العام الماضي، وفق الأرقام التي نشرتها وزارة الداخلية الإيطالية.
ووفقًا لأرقام نشرتها الأمم المتحدة لقي أكثر من 1800 شخص مصرعهم منذ يناير في غرق مراكب في البحر الأبيض المتوسط، وهو أخطر طريق للهجرة في العالم، أي ضعف العدد المسجل في العام الماضي.
وفي نهاية الأسبوع الماضي خلّف غرق مركب غادر صفاقس ما لا يقلّ عن 11 قتيلاً و 44 في عداد المفقودين.
ويوضح محمد برهان الشمتوري من على قارب نجدة خفر السواحل، الذي يقلّ العشرات من المهاجرين التونسيين ومن جنسيات دول أفريقيا جنوب الصحراء تمّ إنقاذهم قبالة سواحل صفاقس، أنه تمّ العثور على “ثلاثة قوارب معطّلة وتم إنقاذ المهاجرين الذين كانوا موجودين فيها، ولم تكن عمليات الإنقاذ سهلة بالنسبة إلينا”.
وندّدت منظمة هيومن رايتس ووتش غير الحكومية، في تقرير نشرته منتصف يوليو الماضي، “بالأعمال الخطيرة في البحر” التي تقوم بها بعض وحدات خفر السواحل أثناء عمليات اعتراض المهاجرين.
ورافق فريق من وكالة فرانس برس خفر السواحل خلال مهمة دامت 24 ساعة تمّ خلالها اعتراض 216 مهاجرا، “بينهم 75 تونسيا والباقي من جنسيات أفريقيا جنوب الصحراء”، وفقا للشمتوري الذي يضيف “منذ بداية هذا الشهر وفي غضون عشرة أيام فقط” تمكّنت وحدات إقليم الوسط (صفاقس ومحيطها) من اعتراض “حوالي ثلاثة آلاف مهاجر، 90 في المئة منهم من جنوب الصحراء والباقي تونسيون”.
ومع اقتراب مركب خفر السواحل من قارب مهاجرين هش في عرض البحر، بدأ بعضهم بالبكاء وطلبوا من خفر السواحل السماح لهم بالرحيل. وقال شاب من كوت ديفوار إن هذه العملية هي المحاولة السابعة التي يقوم بها للوصول إلى السواحل الإيطالية.
ويتوافد المهاجرون، وغالبيتهم من دول أفريقيا جنوب الصحراء، على تونس للانطلاق منها نحو السواحل الأوروبية في قوارب متهالكة، وغالبا ما تنتهي هذه الرحلات بمآسٍ ما جعل البعض يفكر جديا في العودة إلى بلاده.
ويقول التشادي أبوبكر أحمد (21 عاما) “جئت إلى تونس منذ ثلاثة أشهر قادمًا من ليبيا ثم النيجر فالجزائر. فقدت أوراقي الشخصية على الحدود الجزائرية وأنا اليوم عاطل عن العمل ولا أجد طريقة لتوفير المال للعيش بكرامة”. وأضاف أن “الوضع بات صعبا، بدأت التواصل مع سفارة بلدي وسأستعدّ للمغادرة في أقرب وقت ممكن”.
ويؤرق ملف الهجرة غير النظامية تونس كما إيطاليا ودول شمال أفريقيا والاتحاد الأوروبي. ووقّعت تونس والاتحاد الأوروبي في منتصف يوليو الماضي مذكرة تفاهم لإرساء “شراكة إستراتيجية وشاملة” تركز على مجالات التنمية الاقتصادية والطاقات المتجدّدة ومكافحة الهجرة غير النظامية، وتهدف أيضا إلى مساعدة البلد الأفريقي على مواجهة الصعوبات الاقتصادية الكبيرة.
وتنتقد عدة منظمات حقوقية تونسية ودولية طريقة تعامل السلطات المحلية مع ملف الهجرة في ما يتعلق بملاحقة المهاجرين وطردهم إلى خارج حدود البلاد. وفي تصريحات سابقة قال الناطق باسم منظمة الهجرة الدولية فلافيو دي جياكومو “البحر المتوسط هائج جدا (…)، إرسال مهاجرين إلى هذا البحر هو جريمة. المتاجرون بالبشر معدومو الضمير فعلا”.