أثمرت وساطة مغربية عن الإفراج عن رهينة روماني يدعى يوليان غيرغوت ( 47 عاما ) بعد 8 سنوات على احتجازه من قبل مجموعة مرتبطة بتنظيم القاعدة في بوركينا فاسو، ما يعكس نفوذ أجهزة المخابرات المغربية في منطقة الساحل وأفريقيا. وتوجهت الحكومة الرومانية الأربعاء بالشكر للحكومة المغربية على “الدعم المهم” الذي أدى إلى تحرير الرهينة في نهاية المطاف.
وتؤكد هذه الوساطة قوة وفعالية الجهاز الاستخباراتي المغربي الذي قام بالعديد من عمليات الوساطة للإفراج عن محتجزين بمنطقة الساحل، مستعينا بشبكة العلاقات التي نسجها مع فاعلين محليين وزعماء قبائل بهذه المناطق، وهو ما يسهل مثل هذه الوساطات. واختُطف غيرغوت، من طرف خمسة رجال مسلحين، في الرابع من أبريل 2015 بينما كان يعمل في منجم منغنيز شمال شرق المغرب، قرب الحدود مع مالي والنيجر.
وأعلنت جماعة “المرابطون” الجهادية حينها مسؤوليتها عن اختطافه، والتي انضمت بعد فترة وجيزة إلى تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي. ورحّب الرئيس الروماني كلاوس يوهانيس على منصة “إكس” (تويتر سابقا) بالإفراج عن غيرغوت، وشكر المؤسسات الرومانية و”شركاءها الخارجيين” على جهودهم “في هذه المهمة الصعبة”.
وأكد محمد الطيار، الباحث في الدراسات الإستراتيجية والأمنية، أن الإفراج عن المواطن الروماني الذي تم بفضل المجهودات التي قام بها جهاز الاستخبارات الخارجية المغربية، يعكس الدور الرئيسي الذي يقوم به المغرب في بناء السلم والأمن في منطقة الساحل، إلى جانب المهنية العالية والمصداقية لجهاز الاستخبارات المغربية، والمكانة الكبيرة التي تحتلها المؤسسات الأمنية المغربية على المستوى الدولي.
وأضاف الطيار أن “هذه العملية تبرز الثقة التي تحظى بها المملكة في الإستراتيجية الدولية لمكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة، وكفاءة العنصر البشري الذي لعب دورا كبيرا في الإفراج أيضا عن 49 جنديا من كوت ديفوار كانوا محتجزين في مالي وتمت محكامتهم بتهمة التآمر وتهديد الأمن الخارجي لمالي”. وكانت مجموعة “المرابطون” المرتبطة بتنظيم القاعدة الإرهابي تبنّت خطف غيرغوت، ويُعتقد أنّه أحد المواطنين الغربيين الستة الذين مازالوا محتجزين في منطقة الساحل الأفريقي المضطرب.
وفي مايو الماضي أُفرج عن الجراح الأسترالي كينيث إليوت (88 عاما) بعد أكثر من سبع سنوات في الاحتجاز، وكان قد اختُطف مع زوجته على أيدي مرتبطين بالقاعدة في بوركينا فاسو، شهر يناير 2016، وأفرج عن الزوجة بعد ثلاثة أسابيع على ذلك. كما أُفرج في مارس الماضي عن الصحافي الفرنسي أوليفييه دوبوا، وعامل الإغاثة الأميركي جيفري وودك، اللذين اختطفا في 2021 و2016 على التوالي. ولا يزال ثلاثة إيطاليين وألماني محتجزين في منطقة الساحل، بالإضافة إلى جنوب أفريقي اختطفوا في عام 2017.
وأرجع الطيار في تصريح لـه تلك النتائج إلى المهنية العالية للأجهزة الاستخباراتية المغربية ودرجة العلاقات المتنوعة مع المجتمعات المحلية، وكذلك مع السلطات المركزية في دول الساحل. وأوضح الخبير المغربي أن عملية الإفراج نجحت بفضل التنسيق بين المصالح الاستخباراتية المغربية، من جهة، وبفضل السمعة والمصداقية التي يحظى بهما المغرب في مختلف أوساط المجتمعات القبلية المحلية في المنطقة، والدور الكبير الذي يقوم به المغرب في التخفيف من معاناة شعوب المنطقة.
وقال مراقبون إن نجاح إستراتيجية المغرب المعتمدة في التصدي لمختلف المخاطر والتهديدات، يتكامل مع وساطة أجهزته الاستخباراتية في تحرير رهائن وقعوا في قبضة الجماعات المسلحة بالساحل والصحراء. وسبق لجهاز الاستخبارات المغربي أن تمكن من خلال عملية نوعية من الإفراج عن يورغ لانج البالغ من العمر 63 عاما، أقدم رهينة ألماني كان مختطفا من طرف الجماعات المسلحة بالساحل منذ سنة 2018، طيلة أكثر من أربع سنوات، بعد عدة محاولات فاشلة للمخابرات الألمانية وعدة وسطاء.
وكشفت صحيفة “دير شبيغل” الألمانية عن الدور الهام الذي لعبته أجهزة المخابرات المغربية في الإفراج عن الرجل، من خلال إقامة اتصالات مع الجماعات الإسلامية في منطقة الساحل، مشيرة إلى أن الخاطفين كانوا قد طالبوا بفدية من سبعة أرقام للإفراج عن الرهينة.
وعلق الطيار بأن هذا الاعتراف الغربي يوضح قوة ونفوذ الأجهزة الأمنية وانسجامها وقدرتها على التوفيق بين متطلبات الحفاظ على النظام العام وأولوية صيانة الأمن القومي للدولة، إلى جانب التعاون الثنائي أو الإقليمي في محاربة الإرهاب والجريمة المنظمة، حيث ساهم المغرب في تفكيك العديد من الخلايا الإرهابية، سواء في أوروبا أو في أفريقيا، وأفشل بالمعلومات الاستباقية العديد من الأعمال التخريبية والدموية، خاصة في دول كإسبانيا، فرنسا، بلجيكا وهولاندا، مما جعله شريكا رئيسيا ومرجعا في هذا المجال.
وقبل أيام جنب المغرب جارته إسبانيا عملية إرهابية بعد تقديمه معلومات استخباراتية دقيقة حول خلية إرهابية تنتمي إلى تنظيم داعش، “تستعمل مواقع التواصل الاجتماعي لجذب القاصرين إلى الأعمال الإرهابية”.
◙ قبل أيام جنب المغرب جارته إسبانيا عملية إرهابية بعد تقديمه معلومات استخباراتية دقيقة حول خلية إرهابية تنتمي إلى تنظيم داعش
وبناء على المعلومات الاستخباراتية اعتقلت مدريد شابا من أصل مغربي يدعى هوغو، يبلغ من العمر 18 سنة، يشتبه في تزعمه شبكة تنشط بمواقع التواصل الاجتماعي وتستهدف القاصرين والشباب لترويج الأفكار المتطرفة. وتؤشر العملية على أهمية التعاون الأمني الاستخباراتي في مجال مكافحة الإرهاب والتطرف العنيف بين الرباط وحلفائها، في سياق إقليمي وعالمي شديد المخاطر.
وقال هشام معتضد، الخبير في العلاقات الدولية والإستراتيجية، إن العملية الأخيرة “تبرهن على الانخراط المسؤول لمختلف المؤسسات الأمنية المغربية في مجال التعاون الدولي لاستتباب الأمن والاستقرار في المنطقة، بالإضافة إلى جدية أفرادها في التدخل في الوقت المناسب والحازم لاجتناب أي خسائر كيفما كان نوعها، ما عزز مكانة المغرب ضمن خارطة الدفاع الأمني في المنطقة المتوسطية والأوروبية، وهي ليست فقط ضرورية، ولكن إجبارية في الحفاظ على الأمن عبر التدخلات الاستباقية والتشخيص المبكر للعمليات”.
وأضاف معتضد في تصريح لـه أن “التعاون الأمني والاستخباراتي يتعلق أساسا بالحفاظ على الأمن القومي للبلدين، الذي يتجاوز الخطاب السياسي المبني على المزايدات السياسوية المرتبطة بتوجهات الأحزاب الإسبانية أو مواقفها الأيديولوجية، وخصوصا اليمينية منها، مشيرا إلى أن هذا التعاون الاستخباراتي بين البلدين يجعل الحكومة الإسبانية، كيفما كان توجهها، تحترم الاختيارات الإستراتيجية للدولة في ما يخص رؤيتها الدفاعية أو ديناميكية تعاونها الأمني”.
ويقود المغرب جهودا إقليمية ودولية لمواجهة العديد من التحديات الأمنية غرب المتوسط، سواء المتعلقة بمكافحة الإرهاب أو الهجرة السرية والاتجار بالبشر، ما جعل المملكة تحظى بثقة العديد من الدول والقوى الغربية.