زيارة حلف الفضول الجديد إلى المغرب تفعل الدبلوماسية الدينية
تندرج زيارة حلف الفضول الجديد إلى المغرب في سياق جهوده ومساعيه للخروج من حيز التنظير إلى واقع التجسيد، وهو ما يعكسه الإعلان عن تشكيل فريق للوساطات والمصالحات مهمته التفاعل مع الأحداث في المنطقة.
ينظر متابعون إلى الزيارة التي قام بها حلف الفضول الجديد إلى المغرب والتفاهمات بتشكيل فريق للوساطات والمصالحات على أنها إشارة انطلاق للعمل الفعلي للدبلوماسية الدينية التي تراهن عليها عدة دول في المنطقة العربية وخاصة في المغرب والإمارات لحل النزاعات ونبذ التعصب والعنف وإرساء قيم التسامح.
وأعلنت مؤسسة حلف الفضول الجديد عن تشكيل فريق للوساطات والمصالحات مهمته التفاعل الحيوي مع الأحداث التي يمكن للدبلوماسية الدينية أن تسهم فيها بدور إيجابي.
جاء ذلك في الاجتماع الذي عقدته المؤسسة في الرباط يومي 3 و4 أغسطس بدعوة من عبدالله بن بيّه رئيس منتدى أبوظبي للسلم، والذي تدارس المجتمعون خلاله عدداً من القضايا المتعلقة بجهود تعزيز السلم والتعايش حول العالم، ومن ضمنها تكوين فريق للمصالحات والوساطات، وكذلك الدعوة إلى احترام المقدسات والرموز الدينية.
وأوضح بن بيّه أنه من المهم النظر في ابتكار آلية تسمح للقيادات الدينية بالتدخل الإيجابي لمحاولة الإسهام في إيجاد حلول للنزاعات حول العالم، منطلقة من الأمر الإلهي: “ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير”، وبروح الإطفائي الذي يسعى لإطفاء الحريق قبل السؤال عمن أشعله أو الحكم عليه أو وصفه أو وصمه بأي جرم، مركزاً أولا على إطفاء الحريق وإيقاف القتل والقتال قبل الحكم على الأعمال والأفعال.
حلف الفضول الجديد يستحضر في عمقه مناصرة استمرار الدعوة النبوية إلى الحق والعدل ضمن مجال التكاتف والتضامن الاجتماعي
ويأتي هذا الاهتمام تجسيدا لمبادئ حلف الفضول الجديد الموقع في العام 2019 في أبوظبي، والذي دعا ميثاقه إلى ضرورة انخراط رجال الدين في نشر السكينة وتعزيز السلم ووقف الصراعات ودعم روح الوئام والإخاء بين البلدان والشعوب والثقافات. وقبل ذلك التقى وفد حلف الفضول الجديد وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية المغربي أحمد توفيق.
وأطلع وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية خلال هذا اللقاء الوفد المكون من رئيس مجلس الإمارات للإفتاء، رئيس منتدى أبوظبي للسلم، والدكتور ويليام فندلي المدير التنفيذي للمؤسسة وعدد من قيادات الهيئة ذاتها، على مسيرة المغرب التاريخية في إقامة نموذج الوئام والتعايش السعيد والتمازج البناء بين المسلمين وغيرهم.
ومن خلال ما تم تداوله لم يكن اللقاء بروتوكوليا أو شكليا، بل لامس قضايا السّلم في العالم، ومحوريّة قيم التسامح والتعارف، وأهمية تعزيز العيش المشترك واحترام الآخر، وضرورة التصدّي لكافة أشكال ازدراء الأديان والاعتداء على المقدسات وكل خطابات التحريض والعنصرية، وارتباط كل كذلك بالنموذج الذي يقدمه المغرب كبلد عريق حضاري جسد قيم التسامح واحترام الآخر على مر العصور.
وكان العاهل المغربي الملك محمد السادس أكد في رسالة إلى المشاركين في أشغال المؤتمر البرلماني الدولي حول “حوار الأديان: لنتعاون من أجل مستقبل مشترك” في يونيو 2023 بمراكش أن “الصورة القاتمة التي يعيشها العالم اليوم بخصوص صراع المعتقدات، لا يمكن أن تحجب عنا الجوانب الإيجابية والمضيئة، والمبادرات المقدامة التي تسعى لتعزيز جسور التواصل، وترسيخ قيم التسامح والتفاهم والعيش المشترك بين مكونات المجتمع الدولي وبين أتباع ومعتنقي الديانات المختلفة”.
وأضاف العاهل المغربي “فما يبعث على الارتياح، أن هناك في الغرب كما في الشرق، وفي الجنوب كما في الشمال، رجالا ونساء، من أصحاب الضمائر الحية ومن صناع القرار السياسي العقلاء، ومن أصحاب الرأي الحر والفكر المتنور، من يتحمل مسؤولية التصدي للكراهية، ويمد جسور الحوار والتفاهم بين مختلف الديانات والحضارات والثقافات”.
وأكد منتصر حمادة رئيس مركز المغرب الأقصى للدراسات والأبحاث أن هذا اللقاء منسجم مع الخيارات المغربية بخصوص قضايا السلم والتسامح والانفتاح، وهي خيارات مؤسسة على مرجعية مركبة ومتعددة الأبعاد، دينية وتاريخية وثقافية، وهي المؤسسة للنموذج المغربي في التدين والذي أصبح محط أنظار العديد من الباحثين والمتتبعين إقليميا ودوليا.
وأضاف أنه “ليس صدفة أن المغرب هو الدولة الوحيدة في محور طنجة – جاكرتا التي استقبلت بابا الفاتيكان في مناسبتين، كانت الأولى في عهد الراحل الملك الحسن الثاني والثانية في 2019”.
وتطرّق الوفد بالمناسبة إلى ذكرى إعلان مراكش التَّاريخي لحقوق الأقليات الدينية، والذي صدر سنة 2016 تحت رعاية الملك محمد السادس، وكان ثمرة من ثمار التعاون البناء بين المملكة المغربية ودولة الإمارات العربية المتحدة، والذي حظي بتقدير دولي واسع وإشادة كبيرة من صناع القرار والقادة الدينيين حول العالم، مثنين على راهنيته وأهميّته وقوته الإلهامية، في دعم مواثيق المواطنة الحاضنة للتنوع عبر العالم.
وركز إعلان مراكش، الصادر في 27 يناير 2016، على ضرورة تأسيس تيار مجتمعي عريض لإنصاف الأقليات الدينية في المجتمعات المسلمة ونشر الوعي بحقوقها، وتهيئة التربة الفكرية والثقافية والتربوية والإعلامية الحاضنة لهذا التيار، وعدم توظيف الدين في تبرير أي نيل من حقوق الأقليات الدينية في البلدان الإسلامية.
وإذا كان السلم عنوان دين الإسلام، وأعلى مقصد من مقاصد الشريعة في الاجتماع البشري، فقد دعا الإعلان -الذي اعتبر “صحيفة المدينة” الأساس المرجعي المبدئي لضمان حقوق الأقليات الدينية في العالم الإسلامي- المؤسسات العلمية والمرجعيات الدينية إلى القيام بمراجعات شجاعة ومسؤولة للمناهج الدراسية للتصدي لأخلاق الثقافة المأزومة، التي تولد التطرف والعدوانية، وتغذي الحروب والفتن.
انطلاق للعمل الفعلي للدبلوماسية الدينية التي تراهن عليها عدة دول في المنطقة العربية وخاصة في المغرب والإمارات لحل النزاعات ونبذ التعصب والعنف وإرساء قيم التسامح
وحلف الفضول الجديد يستحضر في عمقه مناصرة استمرار الدعوة النبوية إلى الحق والعدل ضمن مجال التكاتف والتضامن الاجتماعي، والذي يتقاطع مع مبادئ إعلان مراكش التي تحث على البِرّ بالآخرين وإيثارهم على النفس دون تفريق بين الموافق والمخالف في المعتقد، كما يتطلع إلى استمرارية تعزيز أواصر التّعاون مع المؤسسات الدينية المغربية، بما يخدم الرواية الحضارية والرؤية الإستراتيجية لبناء السلام العالمي.
وقال عبدالله بوصوف المؤرخ والأمين العام لمجلس الجالية المغربية بالخارج إن كنا نعتقد أن العالم الغربي الذي يتغنى بالديمقراطية وحقوق الإنسان وحرية المعتقد قد قطع مع كل أشكال التطرف الفكري وكل أشكال إلغاء ثقافة الآخر، كما كِدنا نعتقد أن الفكر الإنساني قد وسع من هامش ثقافة قبول اختلاف ثقافة الآخر، فقبل وقت قليل سُمِح بإحراق نسخ من القرآن الكريم في أكثر من عاصمة غربية تحت يافطة حرية التعبير دون مراعاة شعور كل المسلمين في العالم والسخرية من رموزهم ومعتقداتهم وضدا في الحق في حرية المعتقد وممارسة الشعائر الدينية الإسلامية”.
وخدمة لرؤيته العابرة للحدود أعلن الحلف مطلع العام الجاري عن إنشاء مؤسسته وافتتاح مكتبه في العاصمة الأميركية واشنطن، ليكون منصة تسهم في تفعيل ميثاق حلف الفضول والانتقال به من حيز التنظير إلى واقع التجسيد من خلال أنشطته المتنوعة وبرامجه الخلاّقة.
وبالعودة إلى الجلسة الافتتاحية للدورة التاسعة لمنتدى أبوظبي للسلم في نوفمبر الماضي، أكد بوصوف على ضرورة إحداث تراكم معرفي انطلاقا من مصادر علمية من أجل معرفة الديانات الأخرى وفهم الآخر المختلف وبناء السلم معه، انطلاقا من معرفة علمية محققة تحارب خطاب الكراهية، لافتا إلى السلم والاستقرار الديني اللذين ينعم بهما المغرب.
ودعا بوصوف إلى خلق تحالف لكل القوى الحية من أجل الدفاع عن حلف الفضول الجديد الذي يدعو إلى قيم الخير ومحاربة الصور النمطية وخطاب الكراهية الذي يجد انتشارا أوسع من المبادرات الإنسانية والسلم.