الجزائر تصحو على كابوس النيجر وسط غموض بشأن قدرتها على احتواء تداعياته
تلقي أزمة النيجر المزيد من الأعباء على الجزائر لتكون بذلك من أكبر الدول المتضررة من التغييرات على الصعيد الأمني والإستراتيجي الجارية على حدودها الجنوبية. وتدفع هذه الأزمة الجزائر إلى تعبئة المزيد من الإمكانيات الأمنية والعسكرية لتأمين البلاد من تأثيرات التصعيد في النيجر في حال لجأت المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس) إلى تنفيذ تهديدها بالتدخل العسكري.
ويأتي هذا وسط مخاوف من مدى استعداد الجزائر للتعاطي مع هذه التغييرات والقدرة على احتواء تداعياتها، وأنها يمكن أن تواجه مشهدا أكبر من قدرتها، وأن الثقة العالية بالنفس قد تنتهي إلى الصدمة في حال واجهت تغييرات أكبر من توقعها مثل ما حصل مع فرنسا التي كانت تعتقد في قدرتها على التحكم بتحولات منطقة الساحل والصحراء لتستفيق على موجة تهز مناطق نفوذها دولة بعد أخرى.
◙ رفْض الجزائر للتدخل العسكري في النيجر يعكس خوفها من تحويل المنطقة إلى برميل بارود تطال شظاياه الجميع
ومن شأن توسع نطاق الفوضى أن يختبر مدى مصداقية الشعارات التي يرفعها المسؤولون الجزائريون بشأن جاهزية الجيش وقدرته على الحسم السريع في أيّ ملف إقليمي في وقت توجه فيه انتقادات إلى النظام بإغراق المؤسسة العسكرية في الصراعات السياسية وإلهائها عن الاستعداد لمثل هذه التطورات الطارئة في النيجر.
وأكد الوزير والدبلوماسي الجزائري السابق عبدالعزيز رحابي أن أزمة النيجر ستلقي بثقلها على الجيش الجزائري المطالب بالمزيد من اليقظة والانتشار وحشد الإمكانيات للتكيف مع حالة اللاحرب واللاسلم، وشبّه الوضع بالسيناريو الذي نفّذ في ليبيا وسوريا بكل ما يحمله من أبعاد ودلالات تستهدف إعادة رسم خارطة المنطقة.
وتختلف قراءة الوزير والدبلوماسي السابق عن التطمينات التي قدمها الرجل الأول في المؤسسة العسكرية الجزائرية الجنرال ، في تصريح له حول مدى جاهزية الجيش لمواجهة تأثير حركة الرمال في أكبر دول الساحل ودخول أكثر من لاعب في الساحة.
ويطرح اهتمام النخب السياسية والدبلوماسية بالأزمة المستجدة في المنطقة، مع إشارات الطمأنة للرجل الأول في المؤسسة العسكرية، حجم المخاوف التي تعتري دوائر القرار العسكري والسياسي في البلاد، والتساؤل عن مدى قدرة الجزائر على التعاطي مع الرمال المتحركة في الساحل الصحراوي.
وبادرت الجزائر بتبني موقف ترك المجال مفتوحا أمام أيّ من المخرجيْن الحتميّيْن للانقلاب في النيجر، وهما العودة إلى الوضع الدستوري الذي يبقي محمد بازوم رئيسا للبلاد، وهو ما يتماشى مع مقاربة المجموعتيْن الأفريقية والدولية، والحل السلمي الذي يمنح الانقلابيين فرصة المشاركة في إيجاد مخرج للأزمة، وهو ما يخدم الفرضية القائلة بوقوف قوة مؤثرة خلف الانقلاب.
لكن ذلك لا يغفل التطورات المتسارعة التي قد تدفع الوضع إلى فوضى مسلحة ستكون نتائجها وخيمة على الوضع السياسي والأمني وحتى الاجتماعي والاقتصادي في الجزائر، فألف كيلومتر من الحدود البرية المشتركة بين البلدين تدخلها في خانة الخاصرة الرخوة التي يصعب التحكم فيها، فهناك الجماعات الجهادية والمجموعات المسلحة والجريمة المنظمة والهجرة السرية وإمكانية النزوح، وهي أمور ستنهك الجيش الجزائري وتختبر إمكانياته العسكرية التقليدية المكونة من ترسانة روسية ثقيلة ذات كلفة عالية وحركة بطيئة.
ويعكس محتوى المساهمة التي نشرها رحابي في حسابه الرسمي على فيسبوك، وتناقلتها عدة صحف ومواقع محلية، حجم القلق المتصاعد لدى النخب السياسية والدبلوماسية في البلاد، فقد ذكر بأنه “لا يمكن أن يكون تكاثر بؤر التوتر في شرق الجزائر وغربها وجنوبها، إلا نتيجة لإستراتيجية متعمدة لإضعاف الجيش الجزائري، من خلال وضعه تحت التوتر الدائم في حرب استنزاف غير معلنة”.
وشدد على أنه ” حتى لو كانت الجزائر واثقة من قدراتها على أداء مهامها الدستورية على أكمل وجه فيما يتعلق بالتهديدات المتنوعة على حدودها، فإن مسألة هيمنة الخيار العسكري في المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا وترحيب فرنسا به بشكل خاص وغياب الاتحاد الأفريقي غير المبرر، تثير أسئلة جدية حول الأضرار الجانبية ذات الطبيعة الإنسانية والأمنية والاقتصادية”.
وفي المقابل صرح الجنرال شنقريحة “سنبقى دائما وأبدا على استعداد لمواجهة أيّ خطر قد يمس بأمن وطننا وسلامته، مهما كان نوعه أو حجمه”.
وأضاف “إستراتيجيتنا بعيدة النظر، تأخذ في الحسبان جميع التعقيدات والسياقات والظروف الأمنية التي يعرفها العالم وتحيط بمنطقتنا الإقليمية، بما في ذلك التهديدات المزمنة ومتعددة الأشكال التي استفحلت خلال السنوات الماضية، على غرار انتشار الإرهاب والجريمة المنظمة العابرة للحدود والتهريب والاتجار بالمخدرات”.
ويطرح مراقبون تساؤلات عن مدى قدرة الجزائر على مواجهة التداعيات المنتظرة للأزمة المستجدة في النيجر، في ظل التغيرات الميدانية المتسارعة، وتأمين المصالح الإستراتيجية خاصة وأن مسافة ألف كيلومتر من الحدود البرية المشتركة تعتبر امتحانا صعبا ومعقدا لقدرات المؤسسة العسكرية.
ويبرز تمسك الجزائر برفض التدخل العسكري لحل أزمة النيجر خوفها من إمكانية تحويل المنطقة إلى برميل بارود تطال شظاياه دول الجوار، وخاصة هي، ولذلك تم الرد السلبي على الطلبات التي تقدمت بها نيجيريا رغم تحالفها الإقليمي معها في القارة السمراء.
ورغم أن القمة الاستثنائية لمجموعة إيكواس التي انعقدت الخميس بأبوجا قد تركت التدخل العسكري كخيار أخير ورجحت الاستمرار في المسار الدبلوماسي، إلا أن ذلك يبقى رهين أهداف اللاعبين الكبار ونواياهم.
وإذا كان الأميركيون لم يغلقوا بعد قناة التواصل مع العسكريين في النيجر فإن الرافضين للتدخل العسكري، خاصة منهم الأوروبيين، يراهنون على حل سياسي ينقذ البلاد والمنطقة، ويجنبها نقل الصراع الغربي – الروسي في أوكرانيا إلى تخوم أوروبا، بينما تقف فرنسا خلف الهضبة تلعب جميع أوراقها، فهي إذا لوحت بالحل السياسي فغرضها عودة الرئيس المنتخب وكيلها في آخر معاقلها الأفريقية، وإذا فقدت كل أوراقها ومصالحها فلا مخرج لها إلا الدفع نحو التصعيد الذي قد يحرق المنطقة.