وزير خارجية الجزائر في مهمة لتبديد شكوك واشنطن
تعتبر أوساط سياسية جزائرية أن الهدف من زيارة وزير الخارجية أحمد عطاف إلى واشنطن هو تبديد شكوك إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن في ما يخص علاقات الجزائر بروسيا والصين، والتي تظهر أن نظام الرئيس عبدالمجيد تبون قد حسم أمره بالتوجه شرقا، وهو ما قد يثير غضب الأميركيين.
وقالت هذه الأوساط إن الزيارة في واقع الأمر هي “استدعاء” وليست “دعوة”، من أجل تقديم تفسير لخيارات السلطة الجزائرية ومواقفها حول عدة قضايا إقليمية ودولية، وتقديم إجابات عن أسئلة تعبر عن قلق أميركي من اندفاع الجزائر باتجاه خصميْ الولايات المتحدة اللدودين روسيا والصين.
غير أن مقربين من السلطة يقولون إن تزامن الزيارة مع انعقاد الجلسة الدورية للحوار الإستراتيجي يضفي عليها طابعا تشاوريا وتبادلا لوجهات النظر حول الملفات المختلفة أكثر من كونه مؤشرا على وجود ضغوط، حتى وإن كشف الطابع الاستعجالي للزيارة انشغالات أميركية مستجدة بشأن ما وصف بـ”الانحياز الجزائري لصالح رموز المعسكر الشرقي”.
ولم يجب بيان الخارجية الجزائرية عن انشغالات المراقبين للزيارة في حديثه عن مشاورات أحمد عطاف ونظيره الأميركي أنتوني بلينكن، واكتفى باستعراض العناوين المستهلكة في العلاقات الجزائرية – الأميركية، على غرار “تبادل وجهات النظر حول الوضع في النيجر ومالي وليبيا وعموم منطقة الساحل، والتوافق على أولوية الحلول السلمية في تسوية النزاعات”.
◙ الزيارة في واقع الأمر استدعاء وليست دعوة، من أجل تقديم تفسير لخيارات السلطة الجزائرية ومواقفها
وشكلت الخطوات المتسارعة التي قطعتها الجزائر تجاه خصوم أميركا والاتحاد الأوروبي مصدر قلق للغرب، خاصة بعد الزيارات الاستعراضية التي قادت الرئيس تبون إلى كل من روسيا والصين، والخطاب الذي أعرب من خلاله عن تماهي الجزائر مع سياسة الأقطاب الدولية المتعددة وانتقاده للآليات الاقتصادية والمالية المهيمنة على العالم.
ومنذ اندلاع الأزمة الأوكرانية قبل نحو عام ونصف العام، مثلت الجزائر وجهة لزيارات دبلوماسيين أوروبيين وأميركيين، كان الغرض منها حسب تقارير متطابقة تحييد الحليف التاريخي لموسكو وفك الارتباط بينهما، فضلا عن حشد الغاز الجزائري لدعم الأسواق الأوروبية.
غير أن خطاب الحياد الذي روجت له القيادة السياسية في الجزائر بشأن الصراع الغربي – الروسي في أوكرانيا أفرغ من محتواه تدريجيا بسبب خطوات التقارب المتتابعة مع الروس والصينيين، والرهان على دخول مجموعة بريكس.
وجاء الانقلاب العسكري في النيجر ليزيد متاعب الجزائر، فهي على رفضها له ودعوتها للعودة إلى الوضع الدستوري في البلاد رفضت أي تدخل عسكري لإعادة الرئيس الشرعي محمد بازوم إلى قصر الرئاسة، وهو موقف حمل رسالتين؛ الأولى لإرضاء المجموعة الدولية والثانية لإرضاء الروس الذين تحوم شكوك حول وقوفهم وراء الانقلاب.
وكانت الخارجية الجزائرية قد ذكرت أن الزيارة “تندرج في إطار الجهود الرامية إلى تعزيز التعاون الاقتصادي وتكثيف الحوار السياسي بين الجزائر والولايات المتحدة، بما يخدم تطلع الطرفين إلى بناء شراكة إستراتيجية ويسهم في دفع التزامهما المشترك بنشر الأمن والاستقرار إقليميّا ودوليّا”.
ولا يستبعد متابعون للملف أن تلوّح واشنطن بورقة الاقتصاد والاستثمار وتوسيع التعاون أسوة بإبرام روسيا والصين العديد من الاتفاقيات، الأمر الذي سيتيح لها تعزيز تواجدها ورفع وتيرة المنافسة -في الجزائر وفي عموم القارة الأفريقية- مع القوتين الروسية والصينية، اللتين أبانتا عن اهتمام بالغ بنقل نفوذهما إلى القارة السمراء.
ومن شأن لعب ورقة الاقتصاد أن يمكن واشنطن من تفكيك وفهم طبيعة وأهداف التقارب الجزائري المتسارع مع موسكو وبكين، والحفاظ على مكانتها خاصة وأن الإدارة الأميركية تجاهلت الدعوات والضغوط التي مارسها أعضاء الكونغرس من أجل إدراج الجزائر في خانة الدول المعادية للمصالح الأميركية.