اليوم الوطني للمهاجر.. مناسبة لتعزيز الأواصر مع مغاربة العالم والوقوف على انشغالاتهم وتطلعاتهم
يكتسي الاحتفال باليوم الوطني للمهاجر (10 غشت)، دلالات إنسانية عميقة، حيث يشكل مناسبة لتعزيز الأواصر مع أفراد الجالية المغربية المقيمة بالخارج، والوقوف على مختلف انشغالاتها وتطلعاتها.
فمع التحولات التي تشهدها ظاهرة الهجرة بحكم العولمة وتعقيداتها، أصبحت مجموعة من القضايا تستأثر باهتمام المهاجرين سواء في بلدان الاستقبال أو في وطنهم، أبرزها إشكالات الهوية والاندماج، والمشاكل الاقتصادية، إضافة إلى بعض الصعوبات والعراقيل الاجتماعية والإدارية.
وكان صاحب الجلالة الملك محمد السادس قد أكد في أول خطاب للعرش سنة 1999 على أن “من الأمور التي سنوجه لها اهتمامنا الخاص قضايا جاليتنا القاطنة بالخارج والتفكير الجدي في تذليل الصعاب التي تعترض طريقها والعمل على حل مشاكلها وتمتين عرى انتمائها للوطن الأم”.
وهكذا، خص دستور 2011، لا سيما الفصول 16 و17 و18 و163، أفراد الجالية المغربية بمكاسب هامة ومكانة متميزة تستجيب لتطلعاتهم، وكرس لهم عددا من الحقوق الثقافية والاجتماعية والتنموية.
وفضلا عن مجلس الجالية المغربية المقيمة بالخارج ومؤسسة الحسن الثاني للمغاربة المقيمين بالخارج، وغيرها من المؤسسات التي تهتم بشؤون المهاجرين المغاربة، تم إحداث اللجنة الوزارية لشؤون المغاربة المقيمين بالخارج، التي تتولى التنسيق بين مختلف المتدخلين في هذا المجال، والسهر على تحقيق الالتقائية بين السياسات العامة، نظرا للتحديات التي تطرحها سياسات الهجرة والاندماج في عدد من دول الإقامة، ولتعدد الرهانات المتعلقة بتوطيد الصلة بين الأجيال الجديدة لمغاربة العالم وبلدهم الأصل.
وفي هذا الإطار، أضحى اليوم الوطني للمهاجر، الذي أقره جلالة الملك سنة 2003، موعدا بارزا لتعزيز الأواصر مع المغاربة المقيمين بالخارج، واستشراف آفاقهم المستقبلية، وكذا تقييم حصيلة الإنجازات التي تحققت لفائدة هذه الفئة التي ما فتئت تنخرط في مختلف الأوراش التنموية وتتجند دفاعا عن القيم والمصالح العليا للمملكة.
وبات هذا اليوم الوطني يشكل مناسبة للتأكيد على المساهمة الكبيرة للجالية المغربية لتحقيق التنمية على جميع المستويات العلمية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية وعلى دعمها لمجهودات تنمية المملكة وضمان إشعاعها على الصعيد العالمي.
وفي حديث خص به وكالة المغرب العربي للأنباء، بالمناسبة، قال الأمين العام لمجلس الجالية المغربية بالخارج، عبد الله بوصوف، إن المغرب “يعتبر من بين الدول القلائل على الصعيد العالمي التي تولي أهمية استراتيجية لجالياتها عبر العالم، وهو توجه رسمه صاحب الجلالة الملك محمد السادس، نصره الله، منذ اعتلاء جلالته عرش أسلافه الميامين”.
وأضاف قائلا إن تخليد اليوم الوطني للمهاجر يعد “واحدا من أوجه العناية الخاصة التي يوليها صاحب الجلالة للمواطنين المغاربة المقيمين بالخارج، والتي تتجلى أيضا في حرص جلالته على إعطاء مكانة مهمة لقضايا مغاربة العالم في مجموعة من الخطابات الملكية وتوجيه الفاعلين المؤسساتيين للاطلاع على مشاكل الجالية وتحسين الخدمات الموجهة إليهم ووضع سياسات عمومية فعالة تستجيب لمطالبهم، وتحافظ على هويتهم المغربية”.
وبخصوص أبرز الإنجازات التي حققها مجلس الجالية المغربية بالخارج منذ تأسيسه سنة 2007، سجل السيد بوصوف أن المجلس استطاع أن يحيط بمختلف القضايا الكبرى التي تطرحها الهجرة المغربية، وكذا التحولات التي تعرفها سياقات دول إقامة مغاربة العالم، وذلك وفق مقاربة علمية تشاركية تعتمد على الدراسة العلمية والإنصات وإشراك الفاعلين في الميدان.
وتابع أن هذا العمل توج بإصدار مئات الدراسات والمؤلفات التي اهتمت بمختلف جوانب الهجرة المغربية وأغنت الخزانة الوطنية بأكثر من 200 مؤلف، إلى جانب تسليط الأضواء على الكفاءات المغربية عبر العالم في مختلف المجالات العلمية والثقافية والرياضية والفنية، ودعوة مختلف الفاعلين إلى الاستفادة من خزان الكفاءات الذي توفره الجالية المغربية.
وباعتباره مؤسسة استشارية واستشرافية تعنى بقضايا المغاربة عبر العالم، يضيف المتحدث ذاته، يعمل المجلس على أن يكون “محامي ” الجالية أمام المؤسسات المغربية، إما بالترافع في النقاشات العمومية حول قضاياها أو بتنبيه الفاعل الحكومي، كلما اقتضت الضرورة، حول إشكاليات مغاربة العالم ودعواته المتواصلة بضرورة إشراكهم في مختلف الأوراش الوطنية تطبيقا للبنود الدستورية ذات الصلة.
أما في ما يتعلق بالتحديات التي يواجهها مغاربة المهجر، فقد أوضح السيد بوصوف أنها ذات طابع كوني في المجمل، مع بعض الخصوصيات المرتبطة بسياق كل بلد من بلدان الإقامة، مشيرا، في هذا الصدد، إلى بعض الإشكاليات الناجمة عن تداعيات جائحة كوفيد-19 على المستوى الاقتصادي والاجتماعي والنفسي، وبلوغ نسب التضخم مستويات قياسية في بعض البلدان بسبب النزاع الروسي-الأوكراني، وكذا تبعات التغيرات المناخية التي تزيد من تدفقات الهجرة نحو الشمال.
وشدد على أن “كل هذه التحديات تفرض علينا المتابعة الدائمة للتحولات في مختلف بلدان الاستقبال وإشراك النسيج المدني ومختلف الفاعلين في الجالية من أجل الفهم العميق للتحديات وبلورة عناصر تمكننا من استشراف الإجابات الواقعية والدقيقة على تلك الإشكاليات”.
وفي معرض حديثه عن سبل تعزيز الأواصر بين مغاربة المهجر وبلدهم الأم، قال السيد بوصوف “لدينا في مجلس الجالية المغربية بالخارج قناعة راسخة مفادها أن الجالية المغربية هي جسر المغرب نحو العالم وهي أكبر سفير لصورة المغرب في الخارج”، لافتا إلى أن “الجالية المغربية استطاعت من خلال اعتزازها بملكها ووطنها ومكونات ثقافتها وقيمها الوطنية أن تعطي صورة مشرفة للمغرب في الخارج”.
وخلص إلى أن مغاربة العالم يضطلعون بدور هام في “تشكيل صورة حقيقة ومشرقة عن المغرب في الخارج لا تقدر بثمن، وهو ما انعكس بشكل ملموس على السياحة الوطنية التي حققت نتائج مهمة في الأشهر الأخيرة”.
وإذا كان المغرب يولي، على الدوام، اهتماما خاصا بأبنائه المغتربين، فإنه ما فتئ يهتم أيضا بالمهاجرين الأجانب، لا سيما في ظل التحولات التي شهدها على مدى العقدين الأخيرين، إذ تحولت المملكة من بلد عبور إلى أرض للاستقبال والإقامة.
وقد تبنى المغرب، بقيادة جلالة الملك محمد السادس، سياسة جديدة للهجرة، وفق مقاربة إنسانية شمولية تزاوج بين التصدي لمشكل هيكلي والبعد التنموي التضامني الذي يجعل من المغرب رائدا عالميا في مجال تفعيل سياسة التعاون جنوب -جنوب. وتمكن المغرب، في السنوات الأخيرة، من تحقيق تراكم ملحوظ على المستويين التشريعي والمؤسساتي في مجال تدبير شؤون الهجرة.