الجزائر تفشل في احتواء أزمة الغلاء والندرة
لا تزال مشكلة غلاء الأسعار وندرة السلع تؤرق الجزائريين رغم التدابير الحكومية لحلّها. ويقول مراقبون إن تعويل الحكومة الجزائرية على المقاربة الزجرية والأمنية لن يؤتي أكله في ظل غياب السياسات الاقتصادية الصلبة.
تعمد الحكومة الجزائرية في كل مرة تستعر فيها أسعار المواد الاستهلاكية إلى اتخاذ إجراءات وتدابير إدارية أثبتت عدم جدواها في ضبط الأسعار وحماية القدرة الشرائية للمستهلكين، فقد أقسم الرئيس عبدالمجيد تبون بأغلظ الأيمان أنه سينتقم من لوبيات الاحتكار المتآمرة على قوت الجزائريين، وتشديد التشريعات الصارمة التي تصل أحيانا إلى عقوبة 30 سنة سجنا للمضاربين، لكن ذلك لم يحد من ظاهرتي الغلاء والندرة، في ظل غياب الحلول الاقتصادية الناجعة والعقلانية.
وتفاجأ الشارع الجزائري بصعود مطرد لأسعار البقول الجافة في الأسواق المحلية، رغم تراجع استهلاكها الموسمي في الموائد الجزائرية، حيث بلغ سعر الكيلوغرام الواحد من العدس ثلاثة دولارات أميركية، مع تسجيل ندرة في البقالات ومساحات البيع بالتجزئة.
وأقسم الرئيس عبدالمجيد تبون، في لقاء صحفي دوري مع وسائل إعلام محلية، بأغلظ الأيمان أنه سينتقم من اللوبيات التي تتآمر على قوت الجزائريين، بغرض خلق حالة من عدم الاستقرار الاجتماعي وتأليب الشارع على السلط العمومية، وأنه سيقف في وجه كل من يحاول التلاعب بالأسعار.
وقال تبون “أقسم بالله العلي العظيم، كل من أضبطه في حالة تلبس سيدفع الثمن غاليا”. وأكد في تصريحه في هذا الشأن أن “العصابة”، في تلميح إلى لوبيات النظام السياسي السابق، مازالت تخطط وتناور من أجل إجهاض مسار الجزائر الجديدة، حيث تعمد في كل مرة إلى خلق بؤرة توتر اجتماعي، خاصة فيما يتعلق بأسعار المواد الاستهلاكية.
وأضاف “الجزائريون هم الشعب الوحيد، من بين الشعوب المغاربية، الذي يستهلك بشكل واسع البقول الجافة، كالعدس والفاصوليا، وحتى الأرز، لكن ليس في فصل الصيف، ولذلك فإن العصابة تريد صناعة بؤرة توتر، لأنها تعلم أن الإقبال على تلك المواد سيزداد بداية من فصل الخريف مع تراجع درجة الحرارة”.
وجاء تصريح الرجل الأول في الدولة امتدادا للمقاربة الإدارية والأمنية التي تتعاطاها السلطة في معالجة مختلف الملفات والأزمات الداخلية، بما فيها تلك المتعلقة بالاقتصاد والتجارة والأسعار، الأمر الذي يؤجل الحلول إلى مواعيد مجهولة في ظل غياب الحلول الاقتصادية المجدية.
ومنذ عام 2020 تعيش الجزائر على وقع ظواهر متجددة للغلاء والندرة غير المبررين حتى مع المناخ الاقتصادي والتجاري الذي ساد العالم بسبب جائحة كورونا، ومازالت الأسواق المحلية تعرف تذبذبا متجددا يكرس فشل الحكومات المتعاقبة في إدارة وتسيير الملف، خاصة في ظل التمسك بخيارات تقليص الواردات وتسييرها بشكل إداري أعاد معها الممارسات البيروقراطية والخطاب السياسي لتبرير الظواهر الاقتصادية.
وإذ حاول الرئيس تبون احتواء الغضب الشعبي المتنامي بسبب تدهور القدرة الشرائية والغلاء وندرة العديد من المواد الاستهلاكية، وتضرر مؤسسات اقتصادية تعتمد على مواد أولية مستوردة دخلت ضمن دائرة الحظر، بواسطة التضحية بوزير التجارة وترقية الصادرات السابق كمال رزيق، واستقدام طيب زيتوني خلفا له، ومحاولته الظهور في ثوب البريء من تداعيات السياسة المذكورة على الوضع الاجتماعي والاقتصادي، فإن استمرار ظاهرة الندرة والغلاء غير المبررين يبقي الوضع في نفس المربع.
ورغم أن استيراد البقول الجافة تم حظره على المستوردين الخواص، وأعطي احتكاره للمؤسسة الوطنية للحبوب والبقول الجافة الحكومية، فإن المواد البقولية تشهد غلاء مفاجئا وغير مسبوق، وهو ما يحمّل المسؤولية للمؤسسة المذكورة بالدرجة الأولى، لأن الندرة برأي شهود عيان تعود إلى عدم استيراد المواد المذكورة وليس إلى سلسلة تجار الجملة أو التجزئة.
ويرى مختصون في الشأن الزراعي أن أسعار المواد البقولية شهدت ارتفاعا ملحوظا في الأسواق الدولية نتيجة موجة الجفاف والتغيرات المناخية التي أثرت على المردود في الدول المعروفة بمثل تلك الزراعات كالأرجنتين وكندا، فضلا عن تأثيرات الأزمة الأوكرانية، الأمر الذي يبرئ ساحة سلاسل الاستيراد والتوزيع والبيع في الأسواق المحلية، عكس الاتهامات التي وجهها تبون إلى من وصفهم بـ”العصابة”.
وقدر هؤلاء نسبة ارتفاع هذه المواد بين 20 و30 بالمئة في الأسواق الدولية، الأمر الذي سينعكس على أسعارها في الأسواق المحلية، مهما كانت الإجراءات الإدارية المتبعة في مكافحة المضاربة غير المشروعة والتلاعب بالأسعار. وشددوا على وجوب أن تكون الحلول اقتصادية بتحرير الاستيراد ورفع الإجراءات البيروقراطية من أجل فرض مناخ منافسة تجارية، والعمل على توفير المواد المطلوبة للقضاء على الندرة والتلاعب.
وتطبق الجزائر تشريعات صارمة في هذا الشأن، حيث تجرّم ممارسات المضاربة غير المشروعة والتلاعب بالأسعار خاصة المواد الاستهلاكية المدعمة من طرف الخزينة العمومية كالحليب والزيت والدقيق، وتتراوح العقوبات بين 7 و30 سنة سجنا نافذا، وكثيرا ما تسبب تجاوز الأسعار المقننة لقنّينات من الزيت أو مئات من أكياس الحليب في متابعات قضائية وعقوبات قاسية لأصحابها.
وتبرر الحكومة الجزائرية سياساتها الإدارية في إدارة النشاط التجاري بمحاربة ظاهرة تضخيم الفواتير لتهريب العملة الصعبة، وهي ممارسة سببت للبلاد نزيفا ماليا كبيرا قدره الرئيس تبون بنحو 200 مليار دولار على مدار العقدين الماضيين لكون التضخيم كان يتراوح بين 20 و30 في المئة.
وفي خطوة جديدة تستهدف المزيد من الرقابة الإدارية والتشدد في مجال الاستيراد، تم تنصيب المرصد الوطني لضبط الواردات، وهو هيئة حكومية تتشكل من وزارات وأجهزة إدارية كالجمارك والجباية وأخرى أمنية، بغرض دراسة حاجيات السوق المحلية وضبط عملية الاستيراد بداية من التوطين البنكي والفوترة والتصريح الجمركي.
ولم يستبعد موقع “الجيري بارت” المتخصص في الشأن الاقتصادي أن يتم توظيف الجهاز الجديد في فتح تحقيقات مالية مع مستوردين وإجبارهم على استعادة عائدات تضخيم الفواتير، لاسيما أولئك الذين تم شطبهم من لائحة حظر الاستيراد، خاصة وأنها نزلت في ظرف الثلاث سنوات الأخيرة من نحو 40 ألف مستورد إلى حوالي 13 ألف مستورد.