باريس تضع زيارة تبون على رف الانتظار تحسبا للتقلبات الجزائرية

كشف الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون أنه مازال ينتظر من باريس تحديد برنامج زيارته إلى فرنسا، التي أكد أنها لم تلغ، وذلك رغم تأجيلها مرتين بسبب التوترات التي عاودت النشوب منذ مطلع هذا العام. إلا أن مراقبين دبلوماسيين يقولون إن الإليزيه ليس في عجلة من أمره لاستقبال تبون، وإن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لا يريد أن يقع مرة ثالثة ضحية تقلبات تعيد تدوير العجلة إلى الوراء.

ويشير المراقبون إلى أن إحدى القضايا التي استحدثها المزاج الجزائري حيال العلاقات المتوترة مع فرنسا، تدور حول ما إذا كان النشيد الوطني الجزائري سيعزف لدى استقبال تبون خلال زيارة الدولة التي سيقوم بها متضمنا الإضافة التي أقر استعادتها بمرسوم في 16 يونيو الماضي -والتي تعد فرنسا بالويل والثبور- أم سيعزف دون هذه الإضافة؟

وبحسب هؤلاء المراقبين فإن توجّسات الإليزيه تنحصر الآن في ما إذا كانت زيارة تبون ستخلو من التقلبات المزاجية الأخرى التي من شأنها أن تزيد في دفع عجلة العلاقات بين البلدين إلى الوراء، مما يشكل تهديدا للعلاقات الاقتصادية والتجارية بينهما. وهناك مسعى لإعادة ضبط هذه العلاقات بحيث لا تكون عرضة لتقلبات مزاجية أخرى.

◙ الجزائر أعادت عبارات الوعيد إلى النشيد الوطني والآن تتحدث عن أطراف تقف خلف فتور العلاقة بينها وبين فرنسا

وتعد الجزائر ثاني أكبر شريك تجاري لفرنسا في أفريقيا، وثالث أكبر مستورد للمنتجات الفرنسية في العالم. وبلغت قيمة التجارة بين البلدين في عام 2021 حوالي 10 مليارات يورو، منها 6.5 مليار يورو صادرات فرنسية إلى الجزائر و3.5 مليار يورو واردات جزائرية من فرنسا.

وكان الرئيس تبون قال في إطار لقاء مع وسائل الإعلام المحلية إنه “لا يوجد أي اتفاق إلى حد الآن مع الطرف الفرنسي من أجل تحديد برنامج الزيارة”، وذكر أنه يريد أن يكون لها “برنامج واضح وأهداف واضحة، وتكلل بنتائج ملموسة، مثلما كان عليه الشأن بالنسبة إلى الزيارات التي قام بها إلى دول بينها روسيا والصين والبرتغال وإيطاليا”. وشدد على أنه “ليس لدينا خصومة مع فرنسا وزيارة الدولة إلى هذا البلد قائمة، لكن لا يجب أن تكون زيارة سياحية”.

وتعكس تصريحات تبون الارتباك والتذبذب الجزائريّيْن في التعامل مع فرنسا. فقبل أشهر فقط شنت السلطات هجوما على فرنسا انتهى بإعادة عبارات التهديد والوعيد إلى النشيد الوطني والآن تتحدث تقارير محلية عن أطراف تقف خلف فتور العلاقات.

ووجهت الجزائر عبر وكالتها الرسمية أصابع الاتهام إلى “جهات فرنسية تريد إجهاض أي تقارب بين البلدين”، وشددت على أن تغلغل تلك الجهات داخل دوائر القرار الفرنسي يعيق الارتقاء بالعلاقات الثنائية التي يطمح إليها الرئيسان، ملمّحة إلى ضرورة الإطاحة بها مقابل تطبيع تلك العلاقات.

وجهرت تقارير جزائرية في الآونة الأخيرة بما وصفته “الدور المثبط الذي يقوم به الناشط السياسي وسفير فرنسا لدى مجموعة حوض المتوسط كريم أملال، الذي يستغل موقعه ونفوذه داخل قصر الإليزيه لخلق فجوات بين الطرفين الجزائري والفرنسي”.

وكانت زيارة تبون إلى فرنسا مقررة في مايو الماضي قبل تأجيلها إلى الشهر التالي، لكنها لم تتم، واختار بدلا منها الذهاب إلى موسكو التي أمضى فيها أربعة أيام بين 13 و17 يونيو الماضي، وانطوت على رسالة ضمنية إلى باريس تقول إن الجزائر لديها حلفاء أقوياء من المعسكر الآخر، يُغنونها عن فرنسا.

◙ توجّسات الإليزيه تنحصر الآن في ما إذا كانت زيارة تبون ستخلو من التقلبات المزاجية الأخرى التي من شأنها أن تزيد في دفع عجلة العلاقات بين البلدين إلى الوراء

والتقط الرئيس الروسي فلاديمير بوتين فحوى الرسالة، فنظم استقبالا حافلا للرئيس تبون، ليس بسبب ما كان يتوقعه من تعاقدات تتعلق بمشتريات أسلحة واتفاقات تعاون عسكري فحسب، وإنما أيضا ليبعث بدوره رسالة أخرى إلى دول التحالف الغربي المساند لأوكرانيا يفيد مضمونها بأن بلاده لا تعاني من العزلة، وأنها تعقد تحالفات مع دول ظلت ترتبط بعلاقات وطيدة مع دول هذا التحالف.

وعلى إثر الأزمة التي اندلعت بين البلدين بسبب قضية التأشيرات للجزائريين في سبتمبر 2021 قام الرئيس ماكرون بزيارة إلى الجزائر في أغسطس 2022، من أجل “فتح صفحة جديدة” في العلاقات بين البلدين. إلا أن الأزمة عادت لتندلع من جديد بعد قضية “تهريب” الفرنسية جزائرية الأصل أميرة بوراوي في 7 فبراير 2023، عندما سافرت سرا إلى تونس، عقب صدور حكم قضائي ضدها في الجزائر، وتم إجلاؤها من تونس إلى فرنسا.

وبوراوي ناشطة سياسية جزائرية معارضة، وصدر بحقها حكم بالسجن لمدة عامين في الجزائر بتهمة الإساءة إلى الإسلام والرئيس تبون. وأدانت الجزائر عملية الإجلاء، ووصفتها بأنها انتهاك لسيادتها الوطنية. واستدعت سفيرها في فرنسا للتشاور، وهددت باتخاذ خطوات أخرى إذا لم تتم إعادة بوراوي إلى الجزائر. ولكن فرنسا لم تمتثل للطلب. وأكدت أن عملية الإجلاء تمت وفقا للقانون الفرنسي.

وسعى الرئيس ماكرون مرة أخرى إلى تهدئة الخواطر، باتصال مع الرئيس تبون لإزالة “سوء التفاهم”، وعاد السفير الجزائري سعيد موسى إلى باريس يوم 31 مارس 2023. ولكن عودته لم تفتح الطريق أمام زيارة تبون، لا في شهر مايو ولا في يونيو.

وتشكل مسألة ذاكرة الاستعمار الفرنسي في القرن التاسع عشر وحرب التحرير الجزائرية (1954 – 1962) إحدى النقاط الحساسة الكبرى في العلاقة بين البلدين. وكان الرئيس ماكرون قال ضمن خطاب له في 4 أكتوبر 2021 إن الجزائر أنشأت بعد استقلالها في عام 1962 “ريعا للذاكرة” كرسه “النظام السياسي – العسكري”، وإن هذا النظام هو الذي أعاد كتابة التاريخ الاستعماري الفرنسي للبلاد، بمرجعية نابعة من “الكراهية لفرنسا”. وردت الجزائر باستدعاء سفيرها في باريس للتشاور، وحظرت على الطائرات الحربية الفرنسية التحليق في أجوائها.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: