دور المؤسسات المغربية في تشكيل الهوية والوعاء القيمي داخل المجتمع الاوروبي.
بوشعيب البازي
شكل موضوع تدين مغاربة العالم ذروة اهتمام الدوائر الرسمية وغير الرسمية ووسائل الإعلام في السنوات الأخيرة، نظرا لما تعرفه هذه الفئة من المجتمع من تفاعل متسارع مع الأحداث والتطورات الطارئة على الواقع المعيش اجتماعيا واقتصاديا وثقافيا في دول الاستقبال، وأيضا لأن الدين يتدخل بقوة في تشكيل الهوية والوعاء القيمي داخل المجتمع الاوروبي.
فقد أصبح من الضروري اليوم الوصول إلى مقاربة تمس هذا الموضوع من زوايا متعددة، يتم من خلالها تناول الاهتمام المتنامي لدى فئات من الجالية بالتدين، فالتركيز على أسباب التوجه الحاد والكثيف للتدين ليس مرتبطا بطبيعة العقيدة الدينية ومستوى الوعي الديني للمجتمع المغربي، بقدر ما يمثل التدين بهذه الكيفية مشكلا اجتماعيا ونفسيا وأمنيا ناتجا عن تأثر غير طبيعي بخطاب التطرف و تدخل أجندات خارجية في محاربة الشأن الديني المغربي الذي يعتبر نموذجا في محافظته على الاستقرار، وتسويق النموذج المعتدل، وعدم الاقتصار على المقاربة الأمنية ليكون ريادي في التوجيه نحو واقع ديني يتسم بالاستقرار داخل نسق خطابي متوازن ومضمون ديني ينتصر للوحدة الوطنية على حساب الطائفية..
كثيرا ما اعتبر التدين لدى مغاربة العالم انعكاسا صارخا لما يحملونه من قناعات وخلفيات اجتماعية وثقافية وهوياتية، ولما تشكل لديهم من حس واهتمام بالمنظومة الدينية السائدة داخل دول الاستقبال أو تلك المستوردة، هذا ما يدفع إلى التساؤل عن عوامل الاهتمام المتنامي لدى فئات من الجالية بالتدين وهل هو نابع عن اقتناع وضرورة وجدانية حقيقية أم هو من قبيل الترف الفكري؟
السؤال الذي رتبت اوراقه عدة مؤسسات مغربية تهتم بالشأن الديني بدول المهجر و الذي لعب مستشار بالسفارة المغربية بفرنسا السيد محمد بلحرش و مجلس الجالية و خصوصا الدكتور عبد الله بوصوف دورا مهما في المساهمة في نشر الثقافة الدينية على نطاق واسع، رغم تدخل بعض الاشخاص الذين يخدمون أجندات معادية للنموذج المغربي لعرقلة ما بناه المستشار محمد بلحرش ، ناهيك عن الاختلالات التي يعرفها المجلس الاوروبي للعلماء المغاربة الذي بات يشكل عبئا على الجالية المغربية بحضور خافت لا يتزامن مع المتطلبات التي تسعى اليها دول الاستقبال.
والمؤكد أن هناك مجموعة من التقارير العلمية المنجزة خلال السنوات القليلة الماضية، تؤكد بأن الدين أضحى جزءا أساسيا من الحياة الخاصة والعامة لمغاربة العالم، فإنفتاح قنوات التواصل وتعدد مصادر المعرفة الدينية الذي تتيحه ومع تنامي ظاهرة التطرف الديني و التشيع لدى افراد الجالية زاحم الخطاب الديني التقليدي، وخلق تمثلات جديدة للدين والطقوس والعبادات تسببت في فوضى فكرية وتفشي التطرف.
وهذا ما يجعل التدين لدى مغاربة العالم بمثابة هروب من الواقع بكل تناقضاته الاقتصادية والاجتماعية والأخلاقية، نحو عوالم تنشدها له مصادر متشددة بكل ما تملكه من وسائل الإلهام والإبهار لفصل المتدين عن واقعه فيصير متعاليا عنه وطامحا لتغييره بكل الأشكال المتطرفة.
ومن الطبيعي أن تنعكس التحولات الاجتماعية والاقتصادية والهوياتية في دول الاستقبال على تدين مغاربة العالم، مثل أي مجتمع عربي آخر، لأن الخصائص الثقافية واللغوية والدينية والتاريخية متشابهة، لكن هناك نقطة أخرى أثارت النزعة الدينية المتطرفة لدى الشباب وهي الاحتكاك مع الفضاء الفكري الغربي، لأن قضية الهوية في العلاقة مع الغرب شكلت صدمة ثقافية ونفسية للشباب المغربي في النصف الثاني من القرن العشرين، ونظرا لقرب المغرب من أوروبا واحتكاكه بها فقد كان لا بد أن تنعكس أزمة الهوية عليه سريعا.