يعاني المغرب من الإجهاد المائي كغيره من الدول العربية وهو ما يستوجب إستراتيجيات طموحة لتطويق الظاهرة. وتعمل الرباط على تأمين اكتفائها من المياه الذي بدونه تتعطل مسارات الاستقرار الاجتماعي والتطور الاقتصادي.
تأخذ قضية شح المياه في المغرب طابعا إستراتيجيا وهو ما يعكسه اهتمام العاهل المغربي الملك محمد السادس الذي حثّ الحكومة في خطابه بمناسبة عيد العرش على الاهتمام بهذه القضية في ظل الوضعية الحرجة التي يعيشها المغرب بسبب استمرار مواسم الجفاف. وجاءت توجيهات الملك محمد السادس الأخيرة استكمالا لخطاب افتتاح البرلمان في أكتوبر الماضي وثلاث جلسات عمل ترأسها العاهل المغربي خلال الأشهر الماضية.
ولأن أولى خطوات التصدي للجفاف تبدأ بترشيد استهلاك المياه، أكد الملك محمد السادس على ضرورة التعامل بجدية ويقظة مع “هذا المورد الحيوي الثمين”، مشددا على “عدم التساهل مع أي شكل من أشكال سوء الحكامة والتدبير”.
كما أكد العاهل المغربي أنه لن يتم التساهل أيضا مع “الاستعمال الفوضوي واللامسؤول للماء، اعتبارا للإجهاد المائي الذي يعرفه المغرب منذ سنوات، ويرتقب أن يتواصل في العقد المقبل بسبب التغير المناخي”. وكان العاهل المغربي ترأس في مايو الماضي بالرباط جلسة عمل خصصت لتتبع البرنامج الوطني للتزود بالماء الصالح للشرب ومياه السقي 2020 – 2027.
وأطلقت الحكومة تحت إشراف العاهل المغربي برنامجا وطنيا للتزويد بماء الشرب ومياه السقي 2020 – 2027، الذي يرتكز على خمسة محاور أساسية تتمثل في بناء السدود، وترشيد الاستهلاك في القطاع الزراعي، وتقوية التزويد بالماء الصالح للشرب بالمناطق القروية، وإعادة استعمال المياه العادمة المعالجة لسقي المساحات الخضراء، والتواصل والتوعية من أجل ترسيخ الوعي بأهمية الحفاظ على الموارد المائية وترشيد استعمالها. وتم خلال السنوات الماضية بناء أكثر من 50 سدا كبيرا ومتوسطا، إضافة إلى 20 سدا في طور الإنجاز حاليا.
وأكد إدريس الفينة رئيس مركز المستقبل للتحليلات الإستراتيجية لـه، أن التنمية والاستقرار الاجتماعي في المغرب مرتبطان بالماء، لهذا فآلية توفر المياه الصالحة للشرب والسقي خلال الفترات المقبلة أمر ضروري خصوصا مع توالي سنوات الجفاف في ظل تغير مناخي غير مسبوق، لهذا هناك حرص شديد على أن يحظى قطاع الماء بأهمية قصوى وعناية ملكية خاصة من خلال مخطط استعجالي على ست سنوات وآخر على المدى البعيد.
وتم تسريع مشروع الربط بين الأحواض المائية لسبو وأبي رقراق وأم الربيع، حيث يتم حاليا إنجاز الجزء الاستعجالي لهذا الربط على طول 67 كيلومترا. وسيمكن ربط الأحواض بالإضافة إلى السدود من زيادة قدرة التخزين بـ6.6 مليار متر مكعب من المياه العذبة.
كما تم تسريع مشاريع تعبئة المياه غير التقليدية، من خلال برمجة محطات لتحلية مياه البحر، وزيادة حجم إعادة استعمال المياه العادمة المعالجة، وتعزيز التزود بالماء الصالح للشرب في العالم القروي من خلال توسيع التغطية لتشمل المزيد من القرى وتعزيز الموارد اللوجستية والبشرية المعبأة.
ويرى وزير التجهيز والماء نزار بركة أن عملية الربط الاستعجالية بين الأحواض المائية جاءت نتيجة العديد من الإكراهات، أبرزها نزيف المياه وتوالي سنوات الجفاف والضغط الحاصل على سد المسيرة الذي يزود عدة مدن بالماء الصالح للشرب.
ولفت المسؤول الحكومي إلى أن السنوات الخمس الماضية عرفت ضياع حوالي ستة مليارات و500 مليون متر مكعب من المياه، منها 700 مليون متر مكعب خلال السنة الماضية رغم كونها أكثر السنوات جفافا منذ 1945، وكذلك ضياع 300 مليون متر مكعب منذ سبتمبر الماضي إلى حدود اليوم، مشددا على أهمية مشروع الربط المائي في مواجهة الخصاص في المياه الذي يمكن أن تواجهه مناطق الرباط والدار البيضاء التي يبلغ عدد سكانها حوالي 12 مليون نسمة.
ويتجه المغرب إلى تنفيذ مشاريع تحلية مياه البحر كحل فعال لمواجهة المخاطر التي تهم نقص المياه، إذ وقعت على هامش القمة الروسية – الأفريقية قبل أيام شركة “روساتوم” الروسية المختصة في مجال صناعة الطاقة النووية والطاقات البديلة اتفاقا مع الشركة المغربية “Water & Energy Solutions” لتنفيذ مشاريع لتحلية مياه البحر.
ويقول خبراء في الاقتصاد إن شركة “روساتوم” من عمالقة الحلول في مجال الطاقة في العالم، ولها تنافسية قوية جدا، وبالتالي، فإن رهان المملكة عليها حاليا في مشاريع تحلية مياه البحر توجه مدروس من حيث الفعالية. وأكد المحلل الاقتصادي رشيد ساري أن إستراتيجية تحلية مياه البحر ستساهم بالأساس في ضمان الأمن المائي للمملكة، والمعطيات الحالية والمستجدة تشير إلى أن المغرب يسير في طريق إنجاح هذه الإستراتيجية على جميع المستويات.
ومع أزمة ندرة المياه التي تعاني منها، كما هو الحال في باقي دول العالم، تبذل المملكة جهودها لتسريع وتيرة إستراتيجيتها لتحلية مياه البحر باعتبارها بديلا نظيفا، بهدف توفير 1.3 مليار متر مكعب سنويا. ولفت المدير العام للمكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب عبدالرحيم الحافظي إلى أهمية إدخال تكنولوجيات جديدة بشأن إنتاج الماء خاصة في ما يخص تحلية مياه البحر، مشيرا إلى أن المغرب شرع منذ مدة طويلة في هذه العملية التي تتواصل حاليا بوتيرة أسرع (محطات بوجدور، العيون، أغادير، آسفي، الجديدة، الدار البيضاء وغيرها).
وبعد أن ذكّر بأهمية مشروع محطة الدار البيضاء لتحلية مياه البحر، الذي وصل إلى مرحلة طلب العروض، قال الحافظي إن الأهم في المرحلة الراهنة هو استخدام المياه بطريقة عقلانية خلال فصل الصيف. ودعا الملك محمد السادس في خطاباته الأخيرة إلى أخذ إشكالية الماء في كل أبعادها بالجدية اللازمة، لاسيما من خلال القطع مع كل أشكال التبذير، والاستغلال العشوائي وغير المسؤول، منبها إلى أن المغرب “أصبح يعيش في وضعية إجهاد مائي هيكلي”، و”يمر بمرحلة جفاف صعبة، هي الأكثر حدة منذ أكثر من ثلاثة عقود”.
ولتأمين التزويد بالماء الصالح للشرب وسقي الأراضي الزراعية المجاورة وحماية الفرشة المائية، تم خلال السنوات الأخيرة إنشاء عدة محطات لتحلية مياه البحر بكل من أغادير والعيون وبوجدور والحسيمة، والتي تندرج في إطار ترشيد استعمال الموارد المائية التقليدية، الجوفية منها والسطحية، ولتلبية الاحتياجات المتزايدة إلى المياه الصالحة للشرب والصناعية وتطوير الري على نطاق واسع.
وتحدثت وزارة التجهيز والماء عن تفاصيل الإستراتيجية التي تهم محطة التحلية بالدار البيضاء، التي تبلغ سعتها 300 مليون متر مكعب في السنة، 270 مليونا منها ستوجه إلى الماء الصالح للشرب، و30 مليونا مخصّصة للسقي، إلى جانب توسعة محطة أغادير بسعة 45.6 مليون متر مكعب في السنة، ومشاريع مماثلة في كل من كلميم والصويرة.