حملت رسالة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون للعاهل المغربي الملك محمد السادس اعترافا ضمنيا من باريس بالأزمة غير المسبوقة بين البلدين، ومثلت فرصة لماكرون لتدارك الأخطاء الدبلوماسية المرتكبة مع الرباط، في محاولة لإعلان مرحلة جديدة من التعاون الثنائي.
تشكك أوساط سياسية مغربية ومحللون في إمكانية أن تتجاوز فرنسا الفتور مع المغرب في ظل اقتصار محاولات التقارب على إرسال رسائل سياسية توصف بـ”الإيجابية”، دون تقديم خطوات عملية وفي مقدمتها الإعتراف بمغربية الصحراء.
وأعرب إيمانويل ماكرون في برقية موجهة إلى العاهل المغربي الملك محمد السادس، بمناسبة الذكرى الرابعة والعشرين لتربعه على العرش، عن أمله في تعزيز العلاقات بين البلدين بشكل أكبر.
وقال الرئيس الفرنسي وفق نص الرسالة “النجاحات التي حققها المغرب منذ بداية حكم جلالتكم وما حملته من زخم تحديثي كانت رائعة”، قبل أن يضيف أن “فرنسا، بإخلاص واحترام، جعلت دوما التعاون مع المغرب أولوية”.
وفي غياب أي مؤشرات على زيارة ماكرون إلى المملكة، التي أعلن عنها في أكتوبر من العام الماضي، أعرب الرئيس الفرنسي عن قناعته بأن “القدرة النموذجية للشراكة الاستثنائية التي تربط فرنسا والمغرب كفيلة بإيجاد الأجوبة المناسبة للرهانات الكبرى في الوقت الراهن”، معبرا عن “يقينه بأن العلاقة بين فرنسا والمغرب قادرة على أن تنمو وتتعزز بشكل أكبر”.
وأكد محمد لكريني، أستاذ العلاقات الدولية والقانون الدولي، أن “الرئيس ماكرون حاول من خلال برقيته العزف على وتر الشراكة المغربية – الفرنسية طمعا في استعادة العلاقات بين البلدين إلى ما كانت عليه سابقا، بعدما مست قراراته بالمصالح العليا للمغرب في مجموعة من القضايا”.
ويبدو حسب لكريني أن “ماكرون استوعب أخطاء المواقف والسلوكات التي أشرف عليها تجاه المغرب في مسألة اتهام الرباط في قضية ملف التجسس بيغاسوس، وعدم منح التأشيرات للمغاربة، وتأجيل وتجميد زيارات مسؤولي البلدين، فضلا عن غياب الاتصال بين قادتهما، والأهم من ذلك غياب موقف واضح من قضية الوحدة الترابية المغربية”.
وأوضح في تصريح لـه أن “رسالة ماكرون السياسية لا تكفي إذا لم تقترن بقرارات ملموسة، بعدما أصبح المغرب حاسما في قضاياه العليا، فإذا لم يتلق ضمانات جدية في احترام سيادته لن تعود العلاقات الدبلوماسية بين المغرب وفرنسا إلى سابق عهدها، خصوصا وأن الملك محمد السادس عبّر في العديد من الخطابات عن أن معيار صداقة المغرب مع باقي دول العالم مرتبط باحترام سيادة بلاده وقضية وحدته الترابية”.
وفي خطاب ألقاه في أغسطس من العام الماضي، اتبع الملك محمد السادس نهجا أكثر حسما عندما أوضح أن الصحراء المغربية اليوم هي “المنظور الذي يرى المغرب من خلاله بيئته الدولية وعلاقاته مع الدول”، لذلك، فإن المملكة وجهت رسالة إلى فرنسا بشكل خاص مفادها أنها تنتظر موقفا قويا منها، على غرار واشنطن وإسبانيا وبرلين ومؤخرا إسرائيل، التي اعترفت بالسيادة المغربية على الصحراء.
وكان الاعتراف الإسرائيلي الرسمي الأخير بمغربية الصحراء حافزا للنخب الفرنسية السياسية والأكاديمية، لمطالبة الرئيس إيمانويل ماكرون بالخروج من المواقف الضبابية وإبداء سياسة واضحة حول مسألة الوحدة الترابية للمملكة المغربية بإقرار سيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية.
وفي ظل تراجع شعبية ماكرون الناتج عن سياسات مرتجلة داخليا وخارجيا، يستمر التباعد الدبلوماسي مع المغرب بسبب ضبابية الموقف الفرنسي من قضية الصحراء المغربية، إذ تعارض باريس الانخراط في المد الدولي الداعم لسيادة المغرب على صحرائه.
وأشارت رشيدة داتي، وزيرة العدل الفرنسية السابقة وعمدة الدائرة السابعة في باريس، في تعليقها على الخطاب الذي ألقاه الملك محمد السادس، بمناسبة عيد العرش، إلى أن “وجاهة وبعد نظر المبادرة المغربية للحكم الذاتي في الصحراء، فضلا عن آفاق السلام والتنمية التي تفتحها للأقاليم الجنوبية للمملكة، حفزت الاعترافات الدولية المتعددة بسيادة المغرب على ترابه، والتي تحققت بفضل الانخراط الدؤوب لجلالة الملك”.
وانعكاسا للأزمة التي تمر بها العلاقات الثنائية، بعث العاهل المغربي إلى الرئيس الفرنسي يوم الرابع عشر من يوليو الماضي، برقية أقصر من المعتاد مكونة من فقرتين موجزتين تفادت التطرق إلى أي شيء يهم العلاقات المغربية – الفرنسية.
◙ في ظل تراجع شعبية ماكرون الناتج عن سياسات مرتجلة داخليا وخارجيا، يستمر التباعد الدبلوماسي مع المغرب بسبب ضبابية الموقف الفرنسي من قضية الصحراء المغربية
وجاء فيها أن “الملك محمد السادس بعث برقية تهنئة إلى إيمانويل ماكرون، رئيس الجمهورية الفرنسية، وذلك بمناسبة احتفال بلاده بعيدها الوطني”، وأضافت أن الملك أعرب “عن أحر تهانيه للرئيس إيمانويل ماكرون، مقرونة بتمنياته للشعب الفرنسي بمزيد الازدهار والرخاء”.
ودبلوماسيا تم إنهاء مهام محمد بنشعبون كسفير للمغرب لدى فرنسا في يناير 2023، بتعليمات من الملك محمد السادس، والذي كان العاهل المغربي قد أبعده عن باريس وعينه يوم التاسع عشر من أكتوبر 2022 مديرا عاما لصندوق الاستثمار الذي يحمل اسم الملك.
وأوضح هشام معتضد، الخبير المغربي في العلاقات الدولية، في تصريح لـه، أن “الرئيس الفرنسي ومن خلال ما جاء في برقيته يعمل على تطويق الأزمة مع المملكة عبر خطابات سياسية ودبلوماسية لكسب ود الرباط ودفع القيادة المغربية إلى تجاوز سوء الفهم الكبير الذي يخيم على العلاقات، لكن الرباط لم تعد تقبل بتكتيك البرقيات البروتوكولية أو بعض الزيارات الشكلية لتجاوز الخلافات السياسية ذات الأبعاد السيادية”.
ولم تنجح زيارة وزيرة الخارجية الفرنسية كاثرين كولونا إلى الرباط يوم السادس عشر من ديسمبر الماضي، ولقائها بنظيرها المغربي ناصر بوريطة، في طي صفحة الأزمة وإقناع المملكة بتعيين كرسيتوف لوكورتيي، المقرب من ماكرون، سفيرا جديدا بالرباط، لكن دون أن يتم استقباله إلى حدود الساعة من طرف الملك.
ورصد مراقبون أن فرنسا لم تنظر بعين الرضا إلى خطوة المغرب بتوقيع الاتفاق الثلاثي مع إسرائيل والولايات المتحدة في أغسطس 2020، واعتراف واشنطن بسيادة المغرب على صحرائه، إلى جانب الاتفاقيات العسكرية والأمنية مع المغرب، وما ترتب على ذلك من اعتراف إسرائيلي بسيادة المغرب على صحرائه مع الاتفاقيات المبرمة بين البلدين.