الاتحاد الاشتراكي ينبذ المعارضة وعينه على حكومة أخنوش
بعد انتخابات 2021 هل كان اختيار حزب الاتحاد الاشتراكي التموقع مع المعارضة مؤقتا بانتظار الفرصة للتسلل إلى مقاعد الحكومة في أول تعديل عليها، وهو ما يفسر ابتعاد حزب إدريس لشكر عن التنسيق مع أحزاب المعارضة، أم أن الظروف السياسية والمتغيرات ستخدم الطموح الجارف للكاتب الأول للحزب اليساري إدريس لشكر لتبوّؤ مقعده بالحكومة إلى جانب رئيسها عزيز أخنوش.
نرى في ابتعاد حزب إدريس لشكر عن التنسيق مع أحزاب المعارضة والتشبث بصراعه الشخصي مع العدالة والتنمية، وتخفيف لغة الانتقاد الموجهة للحكومة خطوة لتمييز نفسه، ليس من أجل استعادة قوته الانتخابية والحصول على مقاعد إضافية في الانتخابات التشريعية لسنة 2026، بل هي مرحلة إحماء لولوج الحكومة في أول تعديل يسقط بعض الوزراء، وقد يكونون من الأصالة والمعاصرة، وتعويضهم بشخصيات من الاتحاد.
الحقيقة الآن هي تواجد حزب الاتحاد الاشتراكي في منزلة مشوشة لا هو معارض ولا هو مساند للحكومة. وابتعاده عن التنسيق مع المعارضة كخطوة من طرفه للالتحاق بالحكومة سيزيد من تشرذم المعارضة.
وتعلل القيادي بالحزب ورئيس فريقه في مجلس النواب عبدالرحيم شهيد بجملة “إذا ما اقتضت الضرورة الوطنية ذلك”، سنلتحق بالحكومة، نافيا خفوت صوت المعارضة الاتحادية داخل البرلمان في انتظار دخول الحزب إلى الحكومة عند أول تعديل على تركيبتها.
حزب الاتحاد الاشتراكي تراجع عن لعب دوره كاملا في المعارضة المؤسساتية البرلمانية عدديا ونوعيا، بعدما فك الارتباط بأحزابها
الواقع أن شهية الاتحاد الاشتراكي لازالت مفتوحة للانضمام للأغلبية الحكومية، عكس أحزاب التقدم والاشتراكية، والعدالة والتنمية، والاشتراكي الموحد وتحالف اليسار الفيدرالي التي التزمت مواقعها في صفوف المعارضة.
طموح إدريس لشكر، ليس خافيا بل يمكننا القول إن الحزب يعتبر هجوم العدالة والتنمية على قيادته هو السبب الذي اضطره إلى تجميد التنسيق مع أحزاب المعارضة. وهو مبرر سياسي استعدادا للخروج من صف المعارضة نهائيا، خصوصا وأن رئيس الفريق الاشتراكي بمجلس النواب عبدالرحيم شهيد لمّح في وقت سابق إلى أن أيام التنسيق بين فرق المعارضة في مجلس النواب باتت معدودة، وقد ينفرط عقدها مع الدخول البرلماني المقبل.
وتشجع الاتحاد الاشتراكي بعدما صدر عن عبداللطيف وهبي وزير العدل والأمين العام لحزب الأصالة والمعاصرة تنويه في حق الحزب، حيث قال وهبي “أنتم حلفاؤنا في المستقبل القريب”، رغم أن وهبي أشاد بالانسجام والتماسك داخل الأغلبية لكن دون الحسم في أن يكون حزب لشكر ضمن التشكيلة.
وخلال تقديمه للتقرير السياسي للحزب، قبل عامين، قال لشكر “إن موقع الحزب بحسب أصواته ومرجعياته وبرنامجه وقوته السياسية وعلاقاته وتحالفاته ماضيا وحاضرا، هو أن يكون جزءا من السلطة التنفيذية في هذه المرحلة”.
بمعنى أن لشكر لم تكن لديه رغبة في الالتحاق بمواقع المعارضة بل دخلها مكرها، فهو يقول مباشرة بعد إجراء الاستحقاقات الانتخابية ليوم 8 سبتمبر، وهو صاحب رابع أكبر فريق برلماني، بـ35عضوا “موقعنا حسب نتيجة الانتخابات هو أن نكون جزءا من الفريق الحكومي لمرافقة المرحلة الجديدة لتنزيل مقتضيات النموذج الجديد”.
تناقض الاتحاد الاشتراكي نجده بعد انتخابات 2021 عندما حسم لشكر موقفه بعدم الانضمام للأغلبية الحكومية، معلنا أنه سيمارس معارضة سياسية واقتصادية واجتماعية تجاه السلطة التنفيذية، وكبداية لعمله بالمعارضة اعتبر رئيس الاتحاد الاشتراكي أن المصلحة الوطنية والحزبية وحماية آمال الناخبات والناخبين الذين منحوا ثقتهم للحزب يقتضيان أن يكون الاتحاد الاشتراكي في معارضة الحكومة.
حاليا تغير الخطاب وتغيرت الممارسة انسجاما مع رغبته في المشاركة في الحكومة المعدلة مستقبلا. ومن هنا يتبين أن كلام لشكر كان مجرد حكي للاستهلاك الإعلامي، إذ في الحقيقة لم يعد يهمه موقع المعارضة التي مارسها حزبه لعقود بعدما ذاق حلاوة الحكم منذ العام 1998.
شهية الاتحاد الاشتراكي لازالت مفتوحة للانضمام للأغلبية الحكومية، عكس أحزاب التقدم والاشتراكية، والعدالة والتنمية، والاشتراكي الموحد وتحالف اليسار الفيدرالي التي التزمت مواقعها في صفوف المعارضة
بوضوح أكبر تراجع حزب الاتحاد الاشتراكي عن لعب دوره كاملا في المعارضة المؤسساتية البرلمانية عدديا ونوعيا، بعدما فك الارتباط بأحزابها، إلا من بعض التدخلات المحتشمة خلال جلسات المساءلة الشهرية لرئيس الحكومة، وجلسات محاسبة الوزراء واللجان البرلمانية الدائمة.
عندما كان لشكر يقول إن وجود كلّ من حزبي الاستقلال والأصالة والمعاصرة في التحالف الحكومي الذي يقوده التجمع الوطني للأحرار ستكون نتيجته معارضة هزيلة وضعيفة ولا تحقق المطلوب منها دستوريا وسياسيا، لم يقم بواجب الدعم لتلك المعارضة، بل انجرف مع رغبته في الالتحاق بهذا الثلاثي وإضعاف أحزاب المعارضة بدعوى أنها تتضمن غريمه العدالة والتنمية الذي يشن هجوما على قيادته رغم اصطفافهما معا داخل المعارضة.
نعلم أن الصدامات التي وقعت بين عبدالإله بنكيران وإدريس لشكر قديمة، وزاد من تفاقمها رفض بنكيران وجود الاتحاد الاشتراكي في الأغلبية التي كان يقودها حزب العدالة والتنمية، في حين يتجلى الاعتبار الثاني في كون حزب الاتحاد الاشتراكي يحاول البحث له عن مكانة داخل التعديل الحكومي المرتقب في الشهور القادمة، وهو سيناريو يدل عليه امتناع الحزب عن تقديم تعديلات على مشروع قانون المالية لسنة 2023 أسوة بباقي أحزاب المعارضة.
الخلاف القائم بين حزبي العدالة والتنمية والاتحاد الاشتراكي أيديولوجي وسياسي وعلى مستوى التقييمات الاجتماعية، ولهذا فإن التنسيق داخل المعارضة صعب وهو ليس راجعا فقط إلى المرجعية الدينية، وإنما إلى عناد كلّ من لشكر وبنكيران لفرض اختياراتهما وأيضا طموحهما في التواجد داخل الحقل التنفيذي. هذا ما سيزيد من تفكك المعارضة وقرب الاتحاد من أحزاب الأغلبية كثيرا.
ولا بد من التساؤل: هل الاعتبارات السياسية التي ستترتب على إمكانية دخول الاتحاد الاشتراكي تخدم الواقع السياسي الحالي ولن تشكل إرباكا لمكونات الأغلبية بالشكل الذي يضمن تماسك الحكومة، دون أن تكون سببا في زيادة هشاشة توازن الأغلبية والمعارضة على السواء؟