روسيا تتمسك بتعميق العلاقات الإستراتيجية مع المغرب
شكلت القمة الروسية – الأفريقية التي انعقدت في سانت بطرسبرغ، في الفترة الممتدة بين 27 و28 يوليو الجاري، مناسبة لإظهار عمق العلاقات الروسية – المغربية. وأكدت المتحدثة باسم الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا على هامش القمة أن العلاقات بين روسيا والمغرب متميزة حيث “لدينا أساس قانوني متين لهذا التعاون”، في إشارة إلى اتفاقية الشراكة الإستراتيجية بين البلدان.
وسلطت زاخاروفا، في لقاء مع وسائل الإعلام الأفريقية، الضوء على “العلاقات الجيدة والودية تقليديا” بين موسكو والرباط، مستعرضة تطور العلاقات الثنائية منذ توقيع إعلان الشراكة الإستراتيجية بين روسيا والمغرب عام 2002.
وكان رئيس الحكومة المغربية عزيز أخنوش أكد في القمة على التزام المملكة الدائم بعلاقتها مع مختلف شركائها الإستراتيجيين، بمن في ذلك روسيا، معربا عن تطلع بلاده لأن تمكن هذه القمة من تعزيز هذه العلاقات وإطلاق مجالات تعاون مبتكرة، كفيلة بالنهوض بالتنمية وتوطيد الأمن والاستقرار بالقارة الأفريقية، وبفتح آفاق أوسع أمام مستقبل العلاقات الأفريقية – الروسية.
ويرى هشام معتضد الباحث في العلاقات الدولية بأن تأكيد روسيا الاتحادية على تمسكها بتعميق العلاقات الإستراتيجية مع المغرب لا يمكن اعتباره خيارا سياسيا لموسكو بقدر ما ضرورة إستراتيجية، كون المغرب يعد دولة ذات تأثير كبير على الساحة الأفريقية ولا يمكن للقيادة الروسية ضمان حضور في أفريقيا يحقق أهدافها الإستراتيجية دون تقوية روابطها السياسية والدبلوماسية مع الرباط.
وأوضح معتضد في تصريحات لـه أنه رغم علاقاتها التقليدية مع الجزائر إلا أن القيادة الروسية واعية تمامًا بالوزن الإستراتيجي للمغرب داخل أفريقيا، خاصة على مستوى منطقة غرب القارة الإستراتيجية، وتقدر القيادة الروسية كثيرا الدور التنموي للرباط في بناء تعاون أفريقي وسوق أفريقية قادرة على المساهمة الفعالة والإيجابية في ديناميكية التجارة الدولية.
وتعدّ مشاركة المملكة المغربية في القمة الروسية – الأفريقية الثانية تعبيرا عن الالتزام والمسؤولية الملقاة على عاتقها إقليميا وأفريقيا ودوليا، في إطار الشراكات التي تجمعها بقوى دولية كبرى بما فيها الشراكة الإستراتيجية مع روسيا، حيث يعد المغرب من بين الشركاء الثلاثة الأوائل ليفدرالية روسيا في أفريقيا ويصنف في المرتبة الثانية من حيث الصادرات والثالثة من حيث الواردات.
وقال معتضد إن موسكو تقدر الانخراط السياسي الواقعي للرباط وتحترم توجهات السلطات المغربية وتثق بشكل كبير في الشراكة الإستراتيجية بين البلدين من أجل الدفع بمصالحهما المتقاطعة إلى المزيد من التنمية الشاملة للبلدين، واعتماد المغرب على سياسة تنويع شركائه في تدبير سياسته الخارجية يجعل من موسكو واحدة من العواصم التي تعتمد عليها الرباط من أجل خلق توازنات إستراتيجية في بناء رؤيتها الدولية.
وإظهارا للاحترام الواجب للوحدة الترابية للمغرب استبعدت روسيا الاتحادية جبهة بوليساريو الانفصالية من حضور النسخة الثانية من القمة، في ضربة لأطروحة الانفصاليين حيث كرّست موسكو بشكل حاسم مبدأ اقتصار المشاركة على الدول الأفريقية المعترف بها من قبل الأمم المتحدة.
وهكذا، دعت روسيا جميع الدول الأفريقية التي تربطها بها علاقات ثنائية، والمعترف بها من قبل الأمم المتحدة، وذلك رغم الضغوط التي قد تكون قد مارستها بعض البلدان، من قبيل جنوب أفريقيا والجزائر، من خلال استغلال صداقتها مع موسكو لفرض مشاركة بوليساريو في هذه القمة. ولم تؤثر الزيارة الأخيرة للرئيس الجزائري إلى روسيا، في قرار موسكو بمنع حضور جبهة بوليساريو هذه القمة.
وفي آخر لقاء دبلوماسي بتاريخ 19 يوليو الجاري بيّن الممثل الخاص لرئيس الاتحاد الروسي للشرق الأوسط وأفريقيا، نائب وزير خارجية روسيا ميخائيل بوغدانوف وسفير المغرب في موسكو لطفي بوشعرة تطرقا معا لعدد من القضايا ذات الاهتمام المشترك، كما تضمن “الاستعدادات للقمة الروسية – الأفريقية الثانية في سانت بطرسبرغ”.
ونسف هذا القرار الذي اتخذته روسيا القرار الذي اعتمده الاتحاد الأوروبي عندما دعا تحت الرئاسة الفرنسية، زعيم بوليساريو الذي تلاحقه عدة هيئات قضائية أوروبية لارتكابه جرائم حرب وانتهاكات حقوق الإنسان، لحضور قمة الاتحاد الأوروبي – الاتحاد الأفريقي التي عقدت ببروكسيل في فبراير 2022.
ولفت معتضد إلى أن النسخة الثانية من قمة روسيا – أفريقيا تعتبر انتصارا دبلوماسيًا جديدا للرباط في ملف الصحراء المغربية خاصة وأن غياب أيّ ممثل لبوليساريو يعتبر ضربة سياسية إضافية لداعمي الأطروحة الانفصالية، كما يترجم عقلانية الفكر السياسي الروسي في تدبير علاقاته مع أفريقيا وواقعية سياسته الخارجية من جهة أخرى، وذلك عكس توجهات منظمي قمة الاتحاد الأوروبي – الاتحاد الأفريقي الذين فضلوا مقاربة العاطفة، التي تعتمد على مبدأ الحسابات الضيقة في التدبير السياسي، باستدعائهم زعيم بوليساريو رغم ملاحقته القضائية.
ورغم استبعاد بوليساريو عن القمة، بوصفها لا تمتلك مواصفات دولة تحظى باعتراف الأمم المتحدة أو موسكو، تولى الوزير الأول الجزائري أيمن بن عبدالرحمن الدفاع عن الجبهة الانفصالية، مبرزا أن بلاده ستستمر في الدفاع عما أسماه بـ “القضية الصحراوية”، التي وصفها بـ”العادلة”.
في المقابل تصدى رئيس الحكومة المغربية لأطروحة الانفصاليين مدافعا عن الوحدة الترابية للمغرب، وعن إيمان المملكة بضرورة احترام الوحدة الترابية للدول، معتبرا أن هناك محددات جوهرية وأساسية ينبني عليها موقف المغرب فيما يتعلق بالأزمات الراهنة، ويتعلق الأمر بحسبه باحترام الوحدة الترابية للدول الأعضاء في الأمم المتحدة، واحترام مبادئ القانون الدولي وقرارات مجلس الأمن والجمعية العامة، والتشبث بالطرق السلمية لحل النزاعات وتجنب استعمال القوة.