عندما تبني الجزائر شرعية مفتعلة باسم فلسطين

ماموني

في ديسمبر 2021 أعلن الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون أن بلاده ستمنح دولة فلسطين 100 مليون دولار، وتخصص 300 منحة دراسية لفائدة الطلبة الفلسطينيين، باعتقاده أن هذا الرقم هو الرمز السري لإحراج المغرب الذي قرر استعادة العلاقات مع إسرائيل دون أن تكون على حساب القضيتين الفلسطينية والوحدة الترابية للمملكة.

حجج النظام الجزائري واهية عندما يتحدث عن القضية الفلسطينية، ويتمادى تبون كثيرا عندما يعلن أن بلاده ستستضيف ندوة جامعة للفصائل الفلسطينية، بعد أن مرّت سنوات ثلاث دون أن يصل إلى السلطة الفلسطينية دولار واحدا تستعمله خدمة لصمود الفلسطينيين. واجتماع الفصائل في العاصمة الجزائرية كان فقط للاستهلاك الإعلامي وتلبية الرغبة في الجعجعة دون صدى سياسي أو تنظيمي على أرض الواقع.

إنها الخطيئة الأصلية لأنظمة عربية استعملت القضية الفلسطينية غطاء أيديولوجيا منذ ستينات القرن الماضي للتغطية على ضعف سياستها أمام شعوبها وسلاحا ضد بعضها البعض، ولازال النظام الجزائري وصنيعته بوليساريو وفيين لهذا التقليد البغيض باستغلال فلسطين بهدف التصعيد الدبلوماسي ضد المغرب.

الواقع، أن الرشاوى المالية أسلوب دأب عليه النظام الجزائري في تعاملاته شرقا وغربا لتأليب بعض الأنظمة السياسية والأحزاب والمؤسسات دعما لبوليساريو وضد الوحدة الترابية للمغرب.

◙ الدولة المغربية لها خصوصياتها في التعامل مع إسرائيل منذ عقود خلت، ولا تقبل أن تزايد عليها الجزائر أو بوليساريو أو أيّ هيئة أخرى في مسألة دفاعها عن القضية الفلسطينية

ولا يزال النظام الجزائري يعتبر القضية الفلسطينية صكا تجاريا يلوّح به وقت ما يشاء ضد من يشاء. وتريد السلطة هناك إظهار أنها تسبح عكس تيار التطبيع مع إسرائيل، خصوصا بعدما ذهبت العلاقات بين المغرب وإسرائيل إلى أبعد مما كانت تتصوره القيادة الجزائرية. وهذا التضليل لا ينطلي إلا على الغافلين عن حركية التاريخ والعلاقات الدولية.

في مقابلة له مع إحدى الصحف قال وزير الخارجية الجزائري رمطان لعمامرة في نوفمبر 2021 “أصبحت الجزائر تشعر الآن أنها دولة في مواجهة مع الكيان الصهيوني الذي كنا نرسل قواتنا لقتاله مع الأشقاء العرب، بعد أن أصبح على حدودنا ويوقّع اتفاقات عسكرية وأمنية واستخباراتية مع الجار والأخ والصديق”. يقصد المغرب لكنه يبالغ بلاغيا بوصفه (الأخ والصديق).

يبالغ النظام الجزائري عندما يوظف عبارات ومفردات مشكوك في مصداقيتها لإعطاء الانطباع بأنه نظام مقاومة، والمدافع الأول عن وحدة أراضي الأشقاء العرب، وهو الداعم الأول لبوليساريو التي تريد منذ أكثر من أربعين سنة الاستيلاء على أراضي الغير وفصل جنوب المغرب عن شماله، بدعم سخي من موارد النفط والغاز الجزائريين.

دون أي حياء ينصّب نظام العسكر في الجزائر نفسه حافظا لأمن المنطقة، وهو أول من استدعى حزب الله للمنطقة لدعم الانفصاليين، وقدم للحزب كل الدعم للتواجد على حدود المملكة وتهديد وحدتها الترابية. الادعاء بأن النظام الجزائري يعارض التعامل مع الإسرائيليين تكذبه الوقائع والمعطيات والدلائل، ففي عهد الرئيس السابق عبدالعزيز بوتفليقة كانت البوصلة متجهة نحو تل أبيب لتقاطع المصالح، وهو الذي وعد بفتح سفارة جزائرية في تل أبيب ولم يتردد في مصافحة رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود باراك في يوليو 1999  في جنازة الملك الراحل الحسن الثاني بالرباط، ودام اللقاء عشر دقائق.

نظام سعيد شنقريحة وعبدالمجيد تبون يروج لخطاب يستعدي إسرائيل ويرفض التواجد الإسرائيلي على كافة الأراضي العربية، لكن نفس النظام ومنذ وقت بعيد لم تكن لديه مشكلة في التقارب مع الإسرائيليين، رغم أن الحكومة الجزائرية تواصل نفيها القاطع لوجود أيّ علاقات سرية بين الدولتين، لكنّ عددا كبيرا من الإسرائيليين والغربيين يؤكدون وجود تلك العلاقات، عن طريق وساطة قامت بها باريس في وقت سابق.

المغرب دولة وأحزابا وجمعيات تنهل من القيم الإنسانية للتضامن مع المستضعفين، وعلى رأسهم الفلسطينيون والمحتجزون في مخيمات تندوف الذين يعانون حقوقيا وإنسانيا من قمع ميليشيات بوليساريو، ومن منظور متعدد المستويات ودون أيّ نية لاستغلال القضية الفلسطينية، ساهم في إقامة بنيات تحتية في القدس وغيرها من المناطق، على غرار مطار غزة وعدد من المستشفيات الميدانية.

◙ الرشاوى المالية أسلوب دأب عليه النظام الجزائري في تعاملاته شرقا وغربا لتأليب بعض الأنظمة السياسية والأحزاب والمؤسسات دعما لبوليساريو وضد الوحدة الترابية للمغرب

ونظرا لتنوع الطيف السياسي المغربي في التعاطي مع القضية الفلسطينية، هناك مجموعة من الهيئات السياسية والنقابية والحقوقية تعبر بكل تلقائية ودون ملاحقة عن معارضتها لأيّ تفاهمات مع إسرائيل، وهذا لا يمنع الدولة من احتواء الجميع والتعبير عن منطقها الخاص دون الارتهان إلى خطابات عاطفية وحالمة لا تصمد أمام الواقع.

بالنسبة إلى الدولة المغربية القضية الفلسطينية تهم الشعب المغربي، ويدافع عنها رسميا وبواسطة لجنة القدس، ولكل هيئة الحق في التعبير عن رأيها في هذا الموضوع، وهو موقع قوة للمغرب ولا يشكل له تعدد القناعات مصدر إزعاج. عكس الجزائر التي تستغل الورقة الفلسطينية ضد المغرب ومصالحه، خصوصا بعد أن اعترفت إسرائيل بسيادة المغرب على صحرائه، في ضربة قاصمة للمشروع الانفصالي الذي ترعاه الجزائر بلا هوادة.

ليس هناك ما هو جديد في موقف من لا يقبلون بالعلاقات مع إسرائيل ويسمّون ذلك تطبيعا، هذا توجه معروف في تشكيل “الجبهة المغربية لدعم فلسطين ومناهضة التطبيع”، وهو تكتل مكوّن من أحزاب وهيئات حقوقية ومدنية، منها الحزب الاشتراكي الموحد، وحزب النهج الديمقراطي، وحزب الطليعة الديمقراطي الاشتراكي، وجماعة العدل والإحسان، والجامعة الوطنية للتعليم.. وهذا لا يشكل إحراجا أو عائقا أمام أصحاب القرار السيادي للتمسك بما يمليه الأمن القومي المغربي على المستوى القريب والبعيد، دون التفريط في المبادئ التي تحكم الدولة المغربية.

باختصار، الدولة المغربية لها خصوصياتها في التعامل مع إسرائيل منذ عقود خلت، ولا تقبل أن تزايد عليها الجزائر أو بوليساريو أو أيّ هيئة أخرى في مسألة دفاعها عن القضية الفلسطينية. ودائما ما عبّر العاهل المغربي الملك محمد السادس عن دعمه للفلسطينيين. كما كانت المملكة أرضا مرحبة لعرض المبادرات والحلول واختبارها والدفاع عنها، ولا تخفي دعمها لأيّ مفاوضات بين الفلسطينيين، فيما بينهم أو مع الإسرائيليين، وهذا ما تحاول الجزائر منعه لأنه لا يخدم أجندتها.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: