ما ينتظر سانشيز أكثر من مجرد خيارات

ماموني

لم تحسم نتائج الانتخابات العامة الإسبانية السابقة لأوانها التي أجريت مؤخرا، طبيعة الحزب الذي سيقود الحكومة المقبلة، لتتلاشى احتمالية تشكيل ائتلاف حاكم يميني في إسبانيا بقيادة ألبرتو نونيز فيخو، زعيم الحزب الشعبي، الذي خسر رهانه بالفوز بأغلبية 136 مقعدًا، وحليفه فوكس بـ33 مقعدًا، حيث فشلا معا في الحصول على أغلبية مطلقة، بعدما كان الاعتقاد السائد أن إسبانيا كانت تسير على نفس المسار الذي سلكته السويد وإيطاليا العام الماضي، أو فنلندا في وقت سابق من هذا العام، حيث تحالف اليمين واليمين المتطرف معًا لقيادة الحكومة.

أغلق الناخبون الإسبان الباب على حزب فوكس اليميني المتطرف في انتخابات الأحد الماضي، وعلى الرغم من فوز حزب بارتيدو الشعبي من يمين الوسط، تبقى إمكانية كبيرة لتشكيل حزب العمال الاشتراكي، الذي حقق نتائج فوق المتوقع وحل في المرتبة الثانية بـ122 نائبًا (أكثر من عام 2019)، ومنصة سومار31، لحكومة جديدة إذا حصلا على دعم من أحزاب الباسك وكاتالونيا المؤيدة للاستقلال.

بعد نجاح بطعم الهزيمة اتهم زعيم حزب فوكس سانتياغو أباسكال، الحزب الشعبي بتثبيط الناخبين، من خلال التصرف كما لو أن النصر كان مضمونًا، لكن ما غاب عن أباسكال أن الحزب الشعبي فشل لأنه لم يقدم رؤية إيجابية للناخب الإسباني. كما شن فيخو هجمات منظمة شرسة على تحالفات رئيس حزب العمال والحكومة بيدرو سانشيز السياسية المثيرة للجدل مع الأحزاب المؤيدة للاستقلال من كاتالونيا وبلاد الباسك، مما مكّن رئيس الوزراء من تولي منصبه في عام 2018 ثم تمرير إصلاحات تشريعية تاريخية.

◙ كان المغرب محور الحملة الانتخابية رقم واحد في إسبانيا، استخدم هذا الرقم من طرف اليمين وبعض الأحزاب الميكروسكوبية للنيل من خصمهم الاشتراكي سانشيز، لكن خذلهم الناخب الإسباني

سوَّق بيدرو سانشيز نفسه للناخب الإسباني بأنه لا يخشى الخصوم، ويتحمل مسؤولية قراراته، برز ذلك عندما دعا إلى إجراء انتخابات عامة مبكرة إثر هزيمة حزبه في الانتخابات البلدية والإقليمية نهاية مايو الماضي. غامر بهذا القرار كخيار، مركزا على أداء حكومته لينجح في قلب الطاولة على أحزاب اليمين واليمين المتطرف.

يعرف الإسبان أنه إذا لم يتمكن فيخو وسانشيز من الوصول إلى الأغلبية، فيتعين عليهم التصويت في انتخابات عامة أخرى، وهذا لن يكون في صالح سانشيز لأنه أصلا قدم موعد الانتخابات للاستحواذ على أصوات المترددين، وأيضا يستفيد من خطاب اليمين وتناقضاته. ولهذا سيتعين عليه بذل كل الجهد لتشكيل ائتلاف قوي يدعم حكومته.

لن نجعل بيدرو سانشيز رئيسًا مقابل لا شيء، فأولويتنا هي كاتالونيا، وليس حكم الدولة الإسبانية، هذا ما قالته ميريام نوجيراس، المرشحة الرئيسية لحزب جونتس بير كاتالونيا المستقل، في مؤتمر صحفي عقب نتائج الانتخابات، مضيفة إننا لن نتحرك مليمترًا واحدًا. ما يعني أن سانشيز مطالب بإقناع هذا الحزب وضمه إلى كتلته الحزبية في مواجهة الحزب الشعبي وفوكس.

انتخابات يوليو 2023 أدخلت خامس أكبر اقتصاد في الاتحاد الأوروبي في مأزق سيفتح الباب على مصراعيه لعدة أسابيع من المفاوضات الشاقة بخصوص تحالفات التصويت، أو ستذهب البلاد إلى إعادة الانتخابات، كما حدث في 2015 و2016 و2019. ففي تحدٍ للصعوبات، أبدى رئيس الوزراء الاشتراكي بيدرو سانشيز مقاومة كافية لمنع حزب الشعب تحت قيادة فيخو من تأمين أغلبية برلمانية محافظة بالتحالف مع حزب فوكس اليميني المتشدد، والخيار الرئيسي ألا يمكّنه من تشكيل حكومة أقلية.

استبق بورخا سمبر، المتحدث باسم فيخو، الأحداث بتصريح هو أقرب إلى الواقع، عندما قال إنه “يجب أن يكون الهدف الأساسي هو تشكيل حكومة توفر الاستقرار” لكن “إذا لم يكن الأمر كذلك، فإن البديل هو أن بيدرو سانشيز سيقوم بتشكيل حكومة ائتلافية، وهو أمر غير مسبوق في تاريخ الديمقراطية الإسبانية”.

بعد التراجع عن إصلاحات هامة لحكومة سانشيز الاشتراكية في برنامجه الانتخابي، لم يتبق للحزب الشعبي اليميني سوى وسيلة التحذير من أن “أيّ محاولة من قبل سانشيز لتشكيل حكومة، سوف تستتبع ضعف رئيس الوزراء والاعتماد بشكل أكبر على الأحزاب الانفصالية الكاتالونية والباسكية وهو سيناريو كارثي للغاية بالنسبة إلى إسبانيا”. وهي خطة للتخويف والتشويش نعتقد أن حزب العمال واعون بها.

على الرغم من أن أداء حزب سانشيز كان أفضل مما توقعته استطلاعات الرأي، وحصل على مقعدين إضافيين مقارنةً بعام 2019، إلا أنه لم ينجح في تحقيق الأغلبية المطلقة اللازمة للاستمرار في رئاسة الحكومة.

في الواقع، ما ينتظر سانشيز حليف المغرب أكثر من مجرد خيارات، وسيكون الآن هو الوقت المناسب لبدء العملية المؤلمة المتمثلة في قطع الطريق بكل السبل، على عودة اليمين المتطرف إلى الحكم ممثلا في حزب فوكس، كمبرر سياسي يعتمده بيدرو سانشيز في طريقه لتمتين العلاقات مع الحلفاء الملتزمين بالقواعد، واستقطاب الأحزاب الأخرى مثل معًا من أجل كاتالونيا، وحزب الباسك القومي، لأجل ولاية حكومية أخرى تفاديا لأيّ نتائج عكسية.

◙ بعد نجاح بطعم الهزيمة اتهم زعيم حزب فوكس زعيم الحزب الشعبي بإحباط الناخبين بتصرفه كما لو كان النصر مضمونا وغاب عنه أن الحزب الشعبي فشل لأنه لم يقدم رؤية إيجابية للناخب

تمتلك إسبانيا خامس أكبر اقتصاد من بين 27 دولة عضو في الاتحاد الأوروبي، ويبدو أن اليمين يبدي القليل من الاهتمام بلعب دور فعال في الحفاظ على المكتسبات والتكيف مع المتغيرات الجيوسياسية، هذا هو خيارهم بالطبع، لكن إذا كانت أهم القوى السياسية والمؤسساتية في البلد غير مسؤولة، فكيف ستدافع اسبانيا عن مصالحها أمام الحلفاء الإستراتيجيين مثل المملكة المغربية؟

بالتالي اختار حزب سانشيز أن يوضح لهم أهمية الوضع الذي تمر به اسبانيا في هذه المرحلة، وبأن حلفاءه هم من سيستمرون في دعم خطة التعاون مع الدول الأخرى لمواجهة التهديدات الأمنية وتعزيز الأهداف المشتركة الأخرى.

كان المغرب محور الحملة الانتخابية رقم واحد في إسبانيا، استخدم هذا الرقم من طرف اليمين وبعض الأحزاب الميكروسكوبية للنيل من خصمهم الاشتراكي سانشيز، لكن خذلهم الناخب الإسباني الذي أصبح واعيا بمصالحه العليا أكثر من تلك الأحزاب التي استعملت التضليل وسيلة للوصول إلى تسيير الحكومة. لازالت طبقة من السياسيين لم تستوعب أن رئيس حزب العمال الاشتراكي كان واقعيا وبراغماتيا عندما تفطن إلى عملية التغيير التي واكبت ملف الصحراء وتوجت باعتراف واشنطن بالسيادة المغربية، فالتحق بالركب، فأرادت المعارضة الركوب انتخابيا على هذا الاختيار للنيل منه.

عندما يصرح زعيم الحزب الشعبي ألبرتو نونيز فيخو بحرقة قائلا “بنفس الشدة التي أخطأت فيها استطلاعات الرأي، لم نتحقق من التوقعات”، هذا يعني أن هذا الحزب فشل سياسيا لأنه يفتقر إلى منطق التوقع والاستشراف الذي هو سلاح السياسي الناجح، والذي برع في استغلاله سانشيز بامتياز، وقريبا سيتمنى لليمين التوفيق بالبدء في تحمل المسؤولية بخصوص مشاكله الخاصة داخليا ومع حلفائه وناخبيه.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: