الإثراء غير المشروع يعطل المصادقة على القانون الجنائي في المغرب
تسبب البند المتعلق بالإثراء غير المشروع في جدل كبير أدى إلى تعطيل مصادقة البرلمان المغربي على تعديلات في القانون الجنائي.
وبرر وزير العدل، عبد اللطيف وهبي، في جلسة الأسئلة الشفاهية بمجلس النواب، مساء الاثنين، إقدام الحكومة على سحب مشروع مجموعة القانون الجنائي من البرلمان، بأن بعض الفصول تطرح إشكالا، من بينها الإثراء غير المشروع.
وانتقد سياسيون وهيئات حقوقية خطوة سحب مشروع القانون الجنائي متسائلين حول مدى جدية الحكومة في محاربة الفساد.
وقال وزير العدل المغربي خلال جلسة الأسئلة الشفاهية بمجلس النواب أنه “إذا ارتأيت عكس ذلك، سأسحبه بكل جرأة وشجاعة، لأن هذه قناعة مطلقة، وأنا هنا في هذا الموقع لأعبر عن رأيي ورأي حكومتي”.
ويتجلى الإثراء غير المشروع في الزيادة الكبيرة وغير المبررة للذمة المالية للشخص الملزم بالتصريح الإجباري بالممتلكات أو ذمة أولاده القاصرين الخاضعين للتصريح مقارنة مع مصادر دخله المشروعة دون استطاعته إثبات المصدر المشروع لتلك الزيادة.
وربط رشيد لزرق، أستاذ العلوم السياسية، بين “ترسيخ الخيار الديمقراطي والذهاب بعيدا في مجال مكافحة الفساد كأولوية، عبر تنزيل صارم للدستور وتأسيس مسار إصلاحي يتجاوز حدود المناورة السياسية خصوصا في مسألة الإثراء غير المشروع، للحدّ من هذه الظاهرة التي تؤثر سلبا على أداء كل الإدارات”.
وشدد في تصريح لـه على أن “هذه الممارسة توضح أن هناك بعض السياسيين تدرّبوا على الفساد المقنّع واكتسبوا مهارات تقف حائلا أمام مواجهة الفساد”، موضحا أن “حسم هذا الملف من مشمولات الحكومة والبرلمان ودورهما في التصدي لظاهرة الفساد وقدرتهما على رسم السياسات الناجعة”.
وتكتم وهبي عن التصور الذي تراه الوزارة مناسبا في تعاطيها مع مسألة تجريم الإثراء غير المشروع، غير أنه أكد رفضه للصيغة التي وردت في مشروع القانون الجنائي المسحوب من البرلمان بقوله “لن يكون هناك من يدفع بعدم دستوريته؟”، قبل أن يُردف مخاطبا البرلمانيين “فكّروا جيدا”.
وما زالت الحكومة تبحث عن التصور النهائي لمشروع القانون الجنائي، خصوصا تجريم الإثراء غير المشروع الذي يرى الكثير من المتابعين أنه يهدف إلى تعزيز منظومة مكافحة الفساد.
وقال وهبي إن هناك 52 قراءة للمشروع، “ولم نتفاهم حولها إلى حد الآن”، مضيفا “هذا هو الشعب المغربي، كل له وجهة نظر يجب أخذها بعين الاعتبار، لأن الوزير ليس هو من يقرر وحده”.
وأشارت الحكومة المغربية إلى أنها تسعى لتعديل القانون برمته وليس بشكل جزئي، إذ أكد مصطفى بايتاس، الوزير المنتدب في العلاقات مع البرلمان والمتحدث الرسمي باسم الحكومة، أن “سحب المشروع يهدف إلى تعديله في شموليته وإخضاعه لنقاش وطني”.
وينص الفصل “8 – 256” من مشروع القانون الجنائي على أنه “يعد مرتكبا لجريمة الإثراء غير المشروع، ويعاقب بغرامة من 100 ألف إلى مليون درهم (من حوالي 10 آلاف إلى 100 ألف دولار) كل شخص ملزم بالتصريح الإجباري بالممتلكات طبقاً للتشريع الجاري العمل فيه، ثبت بعد توليه الوظيفة أو المهمة أن ذمته المالية أو ذمة أولاده القاصرين الخاضعين للتصريح، عرفت زيادة كبيرة وغير مبررة انطلاقاً من التصريح الذي أودعه المعني بالأمر بعد صدور هذا القانون، مقارنة مع مصادر دخله المشروعة، ولم يدل بما يثبت المصدر المشروع لتلك الزيادة”.
نواب يرون أن الأصل في تجريم الإثراء غير المشروع هو تدخل تشريعي لمعالجة مظاهر الاختلال التي تعرفها منظومة التصريح الإجباري بالممتلكات
ويرى بشير الراشدي، رئيس الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها، أن “المؤشرات الموضوعية لاكتشاف التطور المشبوه للثروة لا يمكن أن تَستنِد فقط إلى ما يقدمه المعنيون من تصريحات حول ثرواتهم، بل يتعين أن تساهم فيها أيضا المعطيات المتوفرة لدى عدة مؤسسات وطنية كالمحافظة العقارية ومكتب الصرف وإدارة الضرائب والجمارك ومؤسسات الائتمان وغيرها من الهيئات العامة والخاصة، وذلك باعتبارها هيئات قادرة، بالنظر لاختصاصاتها وصلاحياتها، على أن تشكل مصادر أساسية وروافد حقيقية لرصد تطور الثروات؛ بما من شأنه أن يُوفِّر بالتالي ضمانات مهمة للتفعيل الأمثل لهذه الآلية القانونية الجديدة”.
ونبه عدد من السياسيين إلى عرقلة تحالف المصالح تجريمَ الإثراء غير المشروع، ولهذا لفت الراشدي إلى أن “تنصيب المجلس الأعلى للحسابات جهةً وحيدة وحصريةً لرصد حالات الإثراء غير المشروع، من شأنه أن يعطل إمكانيات التبليغ من طرف مسؤولي الإدارات المعنية الذين يمكن أن تتوفر لديهم معطيات موضوعية عن الإثراء غير المشروع لموظفي تلك الإدارات، كما يعطل صلاحيات بعض هيئات إنفاذ القانون بخصوص رصد هذه الجريمة وإحالتها على العدالة”.
ويقول نواب في البرلمان إن الأصل في تجريم الإثراء غير المشروع هو تدخل تشريعي لمعالجة مظاهر الاختلال التي تعرفها منظومة التصريح الإجباري بالممتلكات، على اعتبار أنها لا تعاقب أي تحول مالي كبير وغير مبرر لكل ملزم بالتصريح.
في حين أوضح عبداللطيف وهبي أن وزارته وضعت الصيغة النهائية لمشروع القانون الجنائي، وتضمنت عددا كبيرا من التغييرات، غير أنه تقرر أن يتم وضع صيغة أخرى للمشروع خلال شهر أغسطس المقبل، “لأننا نريد الاستئناس بتجارب الدول التي غيّرت قوانينها الجنائية”.